(عاشقة الجبال)
د/ أسماء الشهاري
في حصة التعبير أتاحت المعلمة الفرصة للطالبات بأن يقفنّ ويتحدثنّ عن الطبيعة وأن تختار كل واحدة منهن موضوعاً وتتكلم عنه أمام الطالبات فيما كانت هي تجلس بينهن وتستمع لكلامهن الجميل،كانت المواضيع متعددة وجميلة..وكان التفاعل مع المواضيع رائع ويجد تشجيعاً كبيراً من قبل المعلمة وطالبات الصف، حتى جاء دور سلوى لتتحدث عن الموضوع الذي اختارته..
وقفت سلوى وقالت: إنَّ الموضوع الذي اخترته هو “جبال مدينتي”
ضحكت طالبات الصف وخاصةً صديقات سلوى فقد كانت تتحدث أمامهن بشكل مستمِر عن الجبال وحبها لها، احمّر وجه سلوى وشعرت بالخجل من ضحك زميلاتها، وكانت تسمع بعض التمتمة منهن، فواحدة تقول إنَّ جبال المدينة عبارة عن صخور وأحجار عادية حتى أنها ليست خضراء اللون، وأخرى تهمس_لقد كان حديثي عن السماء شيق وجميل فالسماء زرقاء واسعة وجميلة…….. وقفت المعلمة وطلبت منهن الهدوء وأخبرت سلوى أن تُكمِل حديثها..
قالت سلوى: أعرِف أن صديقاتي يعتبنَّ عليّ حديثي الدائم عن الجبال خاصةً عندما نمشي سويّاً ويرتسم أمام ناظري ذلك الجبل الشامخ الأشم الجميل فتظل عيناي تُحدِّقان بِه وتسافِران في انحناءاته وتفاصيله وشموخه وهو يُعانِق السماء وكم يبدوا مهيباً.. وأجِد نفسي أُحدِثهُنَّ عنه في كُل مرة..
أعرف أن جبال مدينتي ليست مُخضرّة وأعرف أنها لا تلفت انتباه الكثيرين إلا أنَّ صديقاتي يُخبرنني أنهنّ يتذكرنني كلما رأين تلك الجبال وكأنّ وجهي يرتسم باسماً أمام الجبل..
في الحقيقة أني كنت أحب جبال المدينة لكني اليوم أحبها أكثر بكثير وقد زاد تعلقي بها عمَّا قبل..
إني أرى الجبال كبيرة وعظيمة وشامخة وتدل على عظمة الخالق الذي أتقن كل شيء.. كما أنها مزخرفة وفيها نتوءات وكأنّها منحوتة كلوحة فنية بديعة وخلّابة.. وإضافةً إلى جمالها وبهائها فقد كانت هذه الجبال منذ قديم الزمن هي الحارس لمدينتي..
بدت علامات الاستغراب على وجوه الطالبات!
أطرقت سلوى :نعم يا عزيزاتي، فهذه الجبال شكّلت منذ قِدم التاريخ تضاريس صعبة وعرة وقاسية على كل الأعداء والمحتلين الذين كانوا يحاولون احتلال المدينة والاعتداء عليها.. وكانت نعم الصديق لأهل مدينتنا وكانت تمنحهم من بأسها وقوتها في دحر كل من تسول له نفسه أن يمس المدينة أو أهلها بسوء.. ً
إنّ هذه الجبال تشعر كما نشعر وتتنفس الحرية والعزة والكرامة كما نتنفسها ولا يمكن أن تساوم عليها.. كما أنها تتبادل مشاعر العز والحرية مع الرجال الأحرار الذين يتخذونها ملاذا وحِصناً ضد الغزاة والمحتلين.. وتشعر وكأنَّ هؤلاء الرجال جِبالاً أخرى يعتلونها.. حتى أنها أحياناً لا تدري هل تمدّهُم من قوتها أم أنهم هم من يزيدونها قوة وصموداً!! وتشعر أنها حتى لو تزحزت من مكانها أو زالت فإنهم لن يزولوا..
وما زاد من حبي وتعلقي بها هو العدوان الأخير على بلدي ومدينتي فلكم حمتنا هذه الجبال الشاهقة التي تحيط بمدينتنا من كل الجهات وشكّلت هي ورجالنا الأبطال سداً منيعاً وعيناً حارسة بفضل الله تعالى..
ألم ترين كيف أنها كانت كأم حانية لنا تتحمل الضربات القاسية والموجعة من قبل أعداء الله ليل نهار دون أن تتذمر وتتلقفها بصدرها ونحن نسمع مدى قوة تلك الضربات وعنفها كأنَّها تقول لنا لا تهنوا ولا تحزنوا وتعلموا مني الصبر والشموخ ولا تركعوا لغير الله العزيز القهار..
نعم.. كم أعشق جبال مدينتي وأثِّق أنكنّ بعد اليوم ستحببنها أكثر مني..
أنهت سلوى حديثها.. ووقفت المعلمة والطالبات يصفقنّ لها بحرارة ويبدينّ إعجابهن بـ “عاشقة الجبال”.