
الثورة –
• قبل أيام كانت إحدى القاعات في شارع هائل مكتظة بزملاء الفقيد المهندس مروان القباطي أحد أكفأ المهندسين في الفريق الهندسي الذي يعمل على إصلاح خطوط نقل الطاقة “مأرب – صنعاء” التوليدية من غازية مأرب وبقيت مراسم العزاء مقتصرة على زملائه وقيادة مؤسسة الكهرباء التي أقامت العزاء في وفاة مهندس طالما ارتبط اسمه بمناسبات سعيدة في حياتنا لحظات عودة التيار الكهربائي مع عودة غازية مأرب -لا أحد خارج القاعة ربما قد سمع بهذا الاسم من قبل.
المهندس مروان القباطي شاب في بداية عقده الثالث أخطأه الموت مرات عدة في مواقع العمل الخطرة أثناء إصلاح خطوط نقل (مأرب – صنعاء) حيث كانت نيران القذائف تسقط على مسافة خطوات من مواقع الإصلاحات في طريق تنتشر فيه العصابات المسلحة التي ضمن مهامها أيضاٍ ترصد الفرق الهندسية لمنعها من الدخول إلى موقع الأضرار التي الحقتها بخطوط النقل.. واحتجاز الفرق الهندسية ونهب محتويات ومعدات المؤسسة العامة للكهرباء في المواقع كان يحدث ذلك على الرغم من أن الفريق الهندسي لا يستطيع الدخول إلى مواقع الأضرار إلا بعد إجراء عملية التفاوض من قبل الدولة مع هذه العصابات للسماح للفريق الهندسي بمزاولة عمله في إصلاح آثار الدمار التي تخلفها تلك الاعتداءات لكن تلك المفاوضات لا تأتي بنتائج في الغالب كما أنها لا تصمد طويلاٍ وتتبدل بحسب أمزجة هذه العصابات وفجأة قد يكون الفريق الهندسي مضطراٍ للمغادرة بقوة وطالما غادرنا مواقع الإصلاح هرباٍ من وابل القصف الذي يطال مواقع تواجدنا مع الفريق الهندسي في مواقع إجراء الإصلاحات والتي سبق أن جاءت التعليمات للفريق بأن جهود المفاوضات نجحت في إقناع منفذي تلك الأعمال الإجرامية في السماح للفريق بالدخول لمواقع الجريمة المرتكبة على خطوط نقل الطاقة من المزود الأكبر لإنتاج الطاقة (محطة مأرب الغازية) اتسمت المهمة بالخطورة البالغة فالوصول إلى مواقع الأضرار ليست بالسهلة في طريق تنتشر فيه العصابات المسلحة التي تنصب النقاط العسكرية على مقربة من نقاط الجيش تفتش المارة والسيارات ويشكل عثورهم على فريق هندسي مكلف بإصلاح خطوط النقل صيداٍ ثميناٍ لهذا اهتدت الفرق إلى أساليب مبتكرة في التنكر وإخفاء هويتهم وفي المرة التي اصطحبت فيه أنا كاتب هذه السطور زميلي المصور ناجي السماوي كانت كاميرته مصدر خطر علينا إخفاؤها عن أعين نقاط التفتيش لتلك العصابات لحظات الرعب التي عشناها في الوصول إلى موقع إصلاح الضرر للحاق بالفريق لا يمكن نسيانها. صاحب السيارة التي استأجرناها من صنعاء كاد أن يتراجع في منتصف الطريق لأنه شعر بالخطر إلا أن شجعه المصور ناجي السماوي في إبرام اتفاق كنت أدرك عواقبه الشديدة فيما لو تم نهب السيارة.. من أين يمكننا تعويض السائق بثمنها خصوصاٍ أنني أدرك بأنه تم نهب سيارات أستأجرها المهندسون وحتى لحظة الاتفاق مع السائق لم تكن قد عادت لأصحابها ولم يتم تعويض أصحابها وأحد المهندسين نقل مقر إقامته إلى حي آخر في صنعاء وغير شريحة تلفونه هرباٍ من ملاحقة وتهديد صاحب السيارة المؤجرة التي تم اختطافها في طريق (مأرب – صنعاء) وحين وصلنا إلى الموقع في فرضة نهم حيث كان وزير الكهرباء والطاقة السابق المهندس عوض السقطري قد سبقنا إلى الموقع شعرنا بفرحة غامرة. قابلنا الوزير بابتسامة هادئة مخاطباٍ ناجي السماوي: ترى هل ستكون عدستك قادرة على إقناع الناس لحقيقة ما تتعرض له الكهرباء من اعتداءات وأن الاطفاءات ناتجة عن هذه الاعتداءات التي تتكرر باستمرار ونحن متهمون بتعمد الاطفاءات. رد ناجي- كان مصدراٍ في أن نضحك جميعاٍ: يا الله اقتنعت أنا بالكاد. وخلال هذه الفترة وحتى اللحظة ظلت صحيفة الثورة تتفرد بنشر تفاصيل اعتداءات يومية تتكرر على مستوى اليوم الواحد على خطوط نقل الطاقة الكهربائية (مأرب – صنعاء) متسببة في بقاء محطة مأرب الغازية خارج الخدمة لمعظم الوقت وعادةٍ ما كانت تقابل لحظات الانتهاء من إصلاح خطوط النقل باعتداء آخر بالتزامن مع الانتهاء أو عقب عودة محطة مأرب الغازية بدقائق. اتذكر اللحظات التي كنت أجيب على اتصال رئىس التحرير السابق الأستاذ علي ناجي الرعوي لازف له الخبر من موقع الانتهاء من الإصلاحات في خلقة نهم عن عودة المحطة ليصلنا الخبر للتو بأن اعتداءٍ جديداٍ حصل في منطقة آل شبوان سيكون على الفريق صباح اليوم التالي الاتجاه إليه إذا ما أدت نتائج المفاوضات عن ذلك. وإزاء ذلك فقد ظلت الاعتداءات مستمرة دون توقف منذ مطلع العام 2011م بنفس المستوى من الوتيرة والحدة يتحكم مرتكبوها بقواعد اللعبة اعتداءات تتكرر خلال اليوم الواحد وبقيت عودة تشغيل المحطة مرهونة برغبة مرتكبي هذه الاعتداءات. هذه الاعتداءات لم تتوقف حتى اليوم ومنذ مطلع 2011م وخلال هذه الفترة عشنا الكثير من الأحداث الساخنة حصيلة هذه الاعتداءات ربما تشكل فارقاٍ بسيطاٍ لا يخلو من اعتداءات كانت نتائجها فادحة هي ما تضعنا أمام فهم الفارق في حالة الاطفاءات فقد سجل في نقيل بني غيلان أعنف اعتداء على الإطلاق في 20 / 10 / 2011م أسفر عن تدمير برج بالكامل. هذا الوضع جعل المؤسسة العامة للكهرباء أمام حالة من الاستنفار في إعادة إنشاء برج جديد بدلاٍ عن البرج المحطم جراء أعمال قصف. واستمرت عملية إنشاء وتركيب البرج قرابة 4 أشهر حتى 18 / 2 / 2012م لتغرق مدن ومحافظات الجمهورية وسط ظلام دامس لأطول فترة خروج غازية مأرب وأطول فترة إطفاء في وقت كانت محطات التوليد الأخرى في مستوى متدنُ للتوليد جراء أضرار مباشرة لحقت بالعديد من وحداتها.. وفي غضون هذه الاعتداءات وارتفاع حدتها وأغلبها تحدث بالتزامن مع الانتهاء من عملية الإصلاحات إلى جانب أن الدخول إلى مواقع الأضرار اتسمت بالمزيد من التعقيدات والصعوبات ازداد معها حجم المخاطر التي تهدد المهندسين وتعرض حياتهم للخطر وظلت الدائرة الثانية لخطوط نقل (مأرب – صنعاء) 400 كيلو فولت خارج نطاق الخدمة لتعرضها لقرابة 30 اعتداءٍ في مناطق مختلفة على طول الخطوط من (مأرب – صنعاء) كانت خطوط الدائرة على الأرض منذ 20 / 9 / 2011م وحتى 18 / 8 / 2012م قرابة عام كامل. وتعتمد غازية مأرب على خطوط الدائرة الأولى حين يتاح إصلاحها الذي يقابل باعتداء جديد سرعان ما يؤدي إلى خروج المحطة مجدداٍ ولم يكن بمقدور الفرق الهندسية استمرار إصلاحها في ظل تكرار هذه الاعتداءات ولم يكن أمامها الوقت للتفكير بإصلاح خطوط الدائرة الثانية وهذا ما يظهر حجم الفرق بين قلة ساعات الإطفاءات الناتجة عن تلك الاعتداءات التي ظلت تحدث ولازالت حتى اليوم ولم يكن متاحاٍ أمام الفرق الهندسية الانتقال لإصلاح خطوط الدائرة الثانية في ظل أعمال يومية في إصلاح خطوط الدائرة الأولى.
> يشير المهندس محمد الشيباني مدير عام خطوط النقل ومحطات التحويل بالمؤسسة العامة للكهرباء إلى أن هذه الاعتداءات جعلت المهندسين يعملون في ظروف بالغة التعقيد وفي حالة طارئة من العمل المستمر في إصلاحات مستمرة جراء اعتداءات لم تتوقف حتى اللحظة.
إزاء هذا الوضع ظلت محطة مأرب الغازية متكررة الخروج على مستوى اليوم الواحد وأكثر من مرة وصلت إلى خمس مرات خلال نفس اليوم وهي القضية التي تفردت صحيفة الثورة بمتابعتها بصورة مستمرة عشنا معها مخاطر أعمال القصف برفقة المهندسين وفي الغالب كنا ننقل الخبر من موقع الحدث وعادةٍ ما كان يضعنا هذا الوضع المتكرر لخروج المحطة على مستوى اليوم الواحد أمام حالة تحديث للخبر التي كانت تعدل من عودة المحطة إلى خروجها وفي أحيان كثيرة كانت تعدل قبل الطبع وحظيت بمتابعة سكرتير التحرير الأستاذ سليمان عبدالجبار.