الهند.. شعبٌ فوق سقف العالم..
عادل عبدالاله العصار
.. في بلد يعج بالإلهة والاثنيات والقوميات والثقافات والديانات تمتزج التباينات بألوانها وتفاصيلها لترسم لوحة لوطن أكبر من أن يقاس بحجمنا العربي الموبوء بالاختلافات وأحلام التشظي والتأقزم والشتات..
في بلد هو الهند تتجسد حقيقة الحياة بروعتها وقسوتها، بجمالها وقبحها، بأفراحها وأحزانها، بهدوئها وضجيجها وفي الهند وليس غير الهند تتجسد حقيقة التسامح وتسمو القيم والاخلاقيات والمثل الإنسانية وتتجلى مبادئ التعايش في أجمل وأبهِى صورها..
هكذا هي الهند وطن الإنسان الأول ومهده القديم ولوحة التنوع الابدي باختلافاتها وتبايناتها وتناقضاتها، تظل الأنموذج الأجمل لوحدة الأرض والإنسان ووحدة الخارطة والكيان السياسي من أدنى نقطة فوق سطح البحر إلى النقطة الأبعد والأعلى فوق سقف العالم..
في الهند الوطن القارة تنعدم الجهات وتتوحد الوجهات السياسية ولا وجود فيها لشمال سياسي أو جنوب أو شرق وغرب، هناك في بلد الإثنيات والقوميات المتعددة ليس سوى الهند، ووحدها الهند جهة الهند الأكبر من كل الجهات ولأنها كذلك كانت وستظل الهند مسكونة بالتنوع والتسامح والآلهة المتسامحين والبشر المتسامحين والديانات والثقافات المتسامحة والساسة المتسامحين والمبادئ التي تتجسد قيمها في كل ذلك الاتساع الموحد الخالي من الشذوذ والتطرف الفكري والسياسي والأحلام التي ترسم الحدود وتصنع من الحواري دولا وأنظمة وحكومات..
وحدها الهند الوطن القارة ستظل بلداِ موحد ليس بقوة الدولة ونفوذ سلطاتها وجبروت قوانينها وإنما لأن أحداً من فقراء الهند أو أغنياء الهند أو مهراجات الهند وساستها وأحزابها لا يؤمن بغير الهند ولا يمكنه العيش في هندٍ بلا نهر الغانج أو هندٍ بلا مسلمين أو هندٍ بلا هندوس أو هندٍ بلا تاج محل أو هندٍ لا يتشارك فيها الهوية والخارطة مع طاغور والمهاتما غاندي وجلال أكبر وممتاز محل وانديرا اغاندي واميتاب باتشان..
هكذا هي الهند الأرض والخارطة والهوية والإنسان، القوميات والأحزاب، الساسة والسياسات، وطن يؤمن به الجميع ولاتختلف حوله السياسات والأجندات والأهداف والأحلام..
كم نحن أقزامٌ أمام عظمة الشعوب والبلدان وكم هي بلادنا موجعة ومرهقةً وبائسة جراء سياساتنا الخالية من المنطق والعقل والوطنية وروح الانتماء.. وكم هي بلادنا في حاجة لمن يحبونها ويخلصون لها ويحرصون على تجسيد حقيقة الانتماء إليها وإسكانها القلب والضمير والوجدان..
كبيرة هي الهند لكن يستحيل علينا رغم كل ذلك الاتساع الجغرافي والبشري إيجاد فرد واحد في أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة يسعى أو يفكر ويحلم بتقسيم الهند أو يتخيل الهند موزعة في أكثر من هند أو مسكونة بأكثر من شعب، لكنك في اليمن لن تجتهد كثيراًِ وستجد في خمسة وعشرين مليون نسمة – الكثير ممن لا يتفقون مع ما يتفق عليه سكان الهند.. ورغم وحدة الدين والدم والهوية والعادات والتقاليد والتاريخ والجغرافيا سيفاجئك اليمنيون بأكثر من خارطة وأكثر من توجه وفي المساحة التي لا تقارن بمساحة بلدٍ كالهند ستجد أكثر من بلد وأكثر من وطن وأكثر من سلطنة وأكثر من شعب، وستجد من التطلعات والأحلام ما يكفي لتقسيم اليمن والعالم العربي إلى دويلات بعدد القبائل والأحزاب….ربما يمكننا قراءة المشهد السياسي في بلدين مختلفين كالهند واليمن لكن بأي مقياس يمكننا قياس الفرق..؟ وحتى وإن حاولنا فسندرك في النهاية أن النملة لا تقاس بالفيل..!!
وأن رقي الأحلام والآمال التي تسكن قلوب وضمائر ساسة الهند ويتطلعون ويعملون ويجتهدون من أجل تحقيقها يستحيل مقارنتها بأحلام مجموعة من الساسة المسكونين بالخيانة والأفكار والأحلام النشاز..
adel4aaaa@gmail.com