ويسألونك عن تعز !

أحلام “عبده ” التي تبخرت في مرجل قبائل السلطة في عدن وصنعاء   

عباس السيد

بهدف الوصول إلى حقيقة ما يجري في تعز ، وعلاقته بالمشهد اليمني ، تناولنا في الحلقة الماضية أهمية تعز باعتبارها حجر الزاوية في البيت اليمني الكبير ، ودورها في خلق اللحمة الديموجرافية بين شمال اليمن وجنوبه ، كما تطرقنا إلى الأسباب التي جعلت تعز تكتسب تلك الأهمية ، والتي دفعت أبناءها كي يضطلعوا بأدوار وطنية ريادية فاعلة في شمال اليمن وجنوبه منذ عشرينيات القرن الماضي .
كما قدمنا مقاربة لأوجه الشبه لأهمية تعز بالنسبة للمحافظات اليمنية ، وأهمية مصر بالنسبة للدول العربية ، وكيف بدأت قوى الاستعمار وحلفاؤها في المنطقة باستهداف مصر تمهيدا للانقضاض على باقي الدول العربية ، وكيف تعمل الأن نفس القوى على استهداف تعز وعزلها عن بقية المحافظات اليمنية ، لتصبح لا شمالية ولا جنوبية .
وأشرنا أيضا إلى أن الخارج يبني مخططه في تعز على أخطاء الأنظمة المتعاقبة في الداخل اليمني .
في هذه الحلقة سنتطرق بشيء من التفصيل إلى الأدوار الوطنية التي لعبتها محافظة تعز وأبناؤها ، وإلى الأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة اليمنية في حق تعز والنخب التعزية ، وكيف تحولت أحلام المحافظة في الثورة والوحدة والحكم المحلي إلى انتكاسات مخيبة للآمال .
وهنا نشدد على أن الهدف ليس نكئ الجراح ، وتقليب المواجع ، إنما التحذير من استجرار تلك الأخطاء وتكرارها في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها وطننا وشعبنا .
ساهم أبناء تعز بفاعلية في قيام ثورة 26  سبتمبر 1962 ضد النظام الملكي في الشمال ، وفي ثورة 14 اكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب ، واحتلوا مواقع قيادية في هرم السلطتين في صنعاء وعدن ، لكنهم دفعوا ثمنا باهضا خلال اكثر من عقدين من الصراع بين أجنحة السلطتين الشطريتين في صنعاء وعدن .
وقد ساهمت أطراف اقليمية ودولية بتغذية تلك الصراعات بأشكال مختلفة . وما العدوان والغزو العسكري المباشر لما يسمى ” التحالف العربي ” الذي تقوده السعودية ضد اليمن ، إلا امتداد لتلك التدخلات التي تستهدف إضعاف اليمن وتفكيكه والسيطرة على مقدراته .
كانت النخب السياسية من أبناء تعز في الشمال والجنوب تراهن على النضال السياسي المنظم في أوساط الشعب ، لتحقيق الأهداف الوطنية الجامعة ، وضمان شراكة عادلة للجميع في السلطة والثروة . ولذلك انخرطوا منذ وقت مبكر في التيارات اليسارية والقومية ، ولم يراهنوا مرة على أوراق المناطقية والقبلية والقوة . وكان إخلاصهم لأيدلوجياتهم الثورية والسياسية يوصف بـ ” التطرف ” فكانوا في صنعاء ” جمهوريون متطرفون ، وفي عدن ” يسار اليسار ” . وفي المقابل ، كان شركاؤهم في سلطتي الجنوب والشمال ، يمتلكون كافة الأوراق ـ القبلية والعسكرية والمناطقية ـ  ليس لفرض شراكتهم فحسب ، بل لفرض هيمنتهم أيضا .
بعد قيام الجمهورية في الشمال عام 1962 ، كان صراع جناحي السلطة بين ” الجمهوريين المتطرفين ، والجمهوريين المعتدلين ” وتعددت الأوصاف والأسماء لطرفي الصراع لتصبح بين ” ثوريين ورجعيين ” ثم اتُهم الثوريون باليسارية ، والرجعيون بالإنشقاق . وتفاقم الصراع في عقد الستينات ، وأطلت من جديد الخارطة السياسية المناطقية المذهبية ” يمن أعلى زيدي ، و يمن أسفل شافعي ” ليعطي بعدا جديدا للصراع . ودفعت اليمن بأكملها ثمن تلك الصراعات ، لكن تعز ونخبها السياسية ، كانوا أبرز الضحايا .
صراع الجمهوريين في صنعاء
لم يهنأ التعزيون كثيرا بثورة الـ 26 من سبتمبر ، وخلال أقل من عقد ، تم اجتثاث وإقصاء معظم القيادات السياسية والعسكرية الفاعلة المنتمية إلى محافظات جنوب الشمال ـ تعز، إب ـ وأصبحت الجمهورية تحت هيمنة جناح مناطقي شمالي واحد.
تحولت الشراكة بين رفاق الثورة والجمهورية في صنعاء إلى شكوك واتهامات متبادلة ، ثم أنفجرت صراعا مسلحا داخل العاصمة في اغسطس 1968 ، وكان الضباط والجنود من أبناء تعز وإب ، ابرز ضحايا  ذلك الصراع الذي أخذ فيما بعد بعدا مناطقيا ظلت تداعياته لسنوات ، وأدى لتقليص اعداد التعزيين في مؤسسة الجيش والأمن إلى حد كبير .
ومع تولي الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي مقاليد السلطة عام 1974 ، برزت من جديد قيادات عسكرية وسياسية تعزية في مناصب عليا ، معظمهم قوميون ناصريون ، وكان عبدالله عبدالعالم ـ عضو مجلس القيادة ، وقائد قوات المظلات ، بمثابة الرجل الثاني في السلطة التي يترأسها الحمدي .
وبعد اغتيال الرئيس الحمدي في 11 اكتوبر 1977 شهدت السلطة في صنعاء موجات أخرى من صراع الأجنحة ، وشهد التعزيون من انصار الرئيس المغتال ، موجات اخرى من الإجتثاث والتهميش ، فقد كان استمرار مشاركة عبدالله عبدالعالم في السلطة الجديدة مهمة صعبة بعد اغتيال رفيقه ، الرئيس الحمدي .
التوتر بين الطرفين في العاصمة ، تطور إلى مواجهات مسلحة في تعز، بعد انسحاب عبدالله عبدالعالم من العاصمة صنعاء برفقة العشرات من القوات الموالية له إلى مسقط رأسه في تعز، قبل أن يواصل طريقه لاجئا إلى عدن .
وفي الوقت الذي كان فيه الرائد عبدالله عبدالعالم ، الرجل الثاني في سلطة المركز ، يمثل حصة ” اليمن الأسفل والشافعية ” ، كان الرائد علي عبدالله صالح ” قائد لواء تعز منذ 1975 ” هو اللاعب الأساسي في محافظة تعز ـ مسقط رأس عبدالعالم . وحين توجه الأخير إلى تعز، لم يجد فيها مكانا أمنا يقضي فيه بعض الوقت ، قبل أن يواصل رحلة هروبه إلى عدن . وعندما رفض أن يسلك الطريق التي حددها له قائد المحافظة ” صالح ” للوصول إلى عدن ، واختار طريقا أخرى ، ثار الرائد صالح ، وتوعده بالويل والثبور.

عبدالله عبد العالم
تصرف صالح كرجل السلطة الأول ، ولم يكترث لرأي الرئيس المقدم أحمد الغشمي ، الذي كان أقل تشددا في هذا الجانب . واندلعت مواجهات مسلحة بين رفاق عبدالعالم ووحدات من الجيش في مديريات تعز استمرت لعدة إيام . ولا تزال ملابسات تلك المواجهات غامضة حتى الآن ، وخصوصا ، مصير عشرات المشائخ والشخصيات الاجتماعية التعزية التي أرسلها صالح إلى مناطق المواجهات في مهمة ” إجبارية للوساطة “.
تداعيات الصراع مستمرة
أدت الخلافات التي نشبت بين رفاق ثورة 26 سبتمبر 1962 في شمال اليمن إلى تقليص فرص التحاق أبناء محافظة تعز في المؤسسة العسكرية والأمنية ، وتقليص طموحاتهم في المشاركة بالسلطة ـ وبعكس المحافظات الزراعية التي ارتبط أبناؤها بالأرض ـ كان التوجه نحو التعليم والهجرات الداخلية والخارجية ، واكتساب المهن ” خيارات آمنة ” لأبناء تعز .
بعد بضعة عقود من الجمهورية ، كان أبناء تعز يشكلون معظم الكادر الإداري في أجهزة الدولة ، وأغلب الأطباء والمهندسين والمدرسين في محافظات الجمهورية . وفي الوقت الذي كانت الثقافة السائدة في بعض المحافظات تنبذ الأعمال المهنية والتجارية والخدمية ، كانت نظرة أبناء تعز مختلفة بتأثير قربهم من مدينة عدن التي كانت تعيش انتعاشا اقتصاديا وتجاريا في ظل الاحتلال البريطاني . وخلال العقود الثلاثة الماضية ، شهد القطاع الاقصادي الأهلي تنافسا محموما ، بعد بروز طبقة جديدة من رجال الأعمال والمستثمرين المقربين من السلطة والقبيلة . وسيطر رجال الأعمال الجدد على سوق المال والأعمال ، فيما تلاشت شركات تجارية وخدمية عريقة في حمى المنافسة غير الشريفة .
صراع الجنوب
لم يكن الوضع مختلفا في الجنوب أثناء سلطة الجبهة القومية ثم الحزب الإشتراكي اليمني ، لكن ” قومية الجبهة و أممية الحزب ” ساهما إلى حد ما في كبح حدة الصراع المناطقي” يافعي ، ضالعي ” بين رفاق الحزب ، أو تأخيره على الأقل. كما أتاحت تلك الإيدلوجيات للرفاق في الثورة والحزب المنتمين لتعز ، أن يشاركوا في مستويات السلطة المختلفة . وتبوأ عبدالفتاح إسماعيل ، أعلى هرم السلطة لسنوات عدة .
وفي حين كان ” الشرجبي ” محمد سعيد عبدالله ـ محسن ـ على رأس جهاز المخابرات في عدن ” أمن الدولة ” ، كان معظم نزلاء أقبية الأمن السياسي في صنعاء من أبناء تعز .
فتاح .. عاشق الوحدة
كانت المواقف الوحدوية لعبدالفتاح إسماعيل ورفاقه من أبناء تعز في عدن ، أحد أبرز اسباب الخلاف مع رفاقهم الجنوبيين قبل الاستقلال وبعده . وحين أبدى فتاح استعداده للتخلي عن الرئاسة لصالح ـ إذا قبل الأخير بالوحدة ـ  قال البعض من رفاقه الجنوبيين أنه  ” متلهف على الوحدة لدوافع قومية ، كونه شمالي ” .
وبحسب الراحل عبدالله البردوني ” كان فتاح حنبليا في أيدلوجيته ، ويتجاوز في سياسته وثقافته الطوائف والمناطق ” .
حتى علي عنتر وصالح مصلح ، والشيوعيون في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ، الذين كانوا يبدون حماسا للوحدة مع الشمال  ، لاموه على تردده في مواصلة الحرب والسيطرة على صنعاء وتعز لفرض الوحدة بالقوة ، بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش الجنوبي في المعارك عام 1979 . لكن عبدالفتاح برر ذلك ، بخشيته من تحول المعارك إلى حرب أهلية بين الشماليين والجنوبيين . وحين خفف الدعم عن ” جبهة تحرير ظفار ” في عمان ، قال فتاح لمعارضيه : علينا أن نتجنب نشوب حرب مع السعودية . تلك هي سياسة فتاح في ذروة تحالف دولته مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي .
كان عبدالفتاح اسماعيل يتمتع بحكمة سياسية ، وينظر لأبعد مما يرى رفاقه وخصومه ، لم تكن السلطة مبلغ همه . قدم استقالته من قيادة الحزب والدولة  أربع مرات ، قبل أن تقبل الخامسة عام 1980 ، وتوجه بعدها للإقامة في موسكو .
بعد أربع سنوات من غياب فتاح ، استفحل الصراع الجنوبي ـ الجنوبي في السلطة ، وتوجهت الأنظار إلى موسكو بحثا عن شوكة الميزان وصمام الأمان . وقال بعض ممن كانوا خصومه : إن الأخطاء التي ارتكبها فتاح لا تساوي ذرة أمام أخطاء علي ناصر .
عاد فتاح من منفاه في موسكو إلى عدن بعد إلحاح . حاول إعادة التوازن ونزع الفتيل ، لكنه دفع حياته ، وتفرق دمه بين ” قبائل الحزب الجنوبية ” في أحداث 13 يناير 1986 ،  مثلما تفرقت دماء الكثير من الوطنيين والوحدويين بين قبائل الجمهورية في الشمال .
ظل اسم عبدالفتاح إسماعيل مقرونا بالحزب الإشتراكي اليمني حتى بعد رحيله ، وأصبح شعار ” حزبك باقي يا فتاح ” عهدا يرفعه الإشتراكيون الشباب في أكثر من مناسبة . ومع صعود النبرة المناطقية والأصوات الداعية المطالبة بانفصال الجنوب في الفترة الأخيرة ، لم يسلم حتى الحزب الإشتراكي اليمني ” الأممي ” من تهمة المناطقية ، وفي مسيرة نظمها انفصاليون في مدينة المكلا بحضرموت قبل عامين ، رُفعت شعارات تصف الحزب بأنه ” شمالي المنشأ والهوية ” وتدعو لإحتثاثه من الجنوب . فالوحدة التي تحولت إلى ” ورطة ” ـ كما يرى دعاة الإنفصال ـ يتحمل مسؤوليتها الحزب الإشتراكي الذي ” جر الجنوب إلى الوحدة ” .
تعز والناصرية
ارتبطت ” الناصرية ” بتعز كتيار وتهمة سياسية أكثر من أي محافظة أخرى ، وظلت كذلك حتى بعد فشل انقلاب اكتوبر 78 ، ضد الرئيس علي عبدالله صالح ، بعد أشهر من توليه السلطة . وعلى الرغم من اشتراك قيادات عسكرية وسياسية من عدد من المحافظات في الانقلاب ، بما فيهم ” رئيس المجلس العسكري ” الذي ينتمي لهمدان محافظة صنعاء . ظلت الناصرية ” تهمة ” تلاحق مناطق معينة .
وفي حين أفرجت سلطة صالح عن رفات خصمه الشهيد حسين بدر الدين الحوثي ، لا يزال الغموض يكتنف مصير العشرات من خصومه الناصريين والإشتراكيين المنتمين لتعز ، بما فيهم الأشخاص الذين تم أعدامهم بعد محاكمات صورية ، وكذلك مصير وفد مشائخ تعز الذين أرسلهم صالح ، حين كان قائدا لمحافظة تعز في مهمة وساطة لم يعودوا منها .
المثير للاستغراب ، أن ” رئيس المجلس العسكري ” في إنقلاب الناصريين عام 78 ، وينتمي لمحافظة صنعاء . عاد بعد فترة من هروبه ، وتقلد مناصب عدة ، بينها محافظا ، ولا يزال عضوا في الأمانة العامة للتنظيم الوحدوي الناصري ، وأحد المقربين للواء علي محسن .
بينما لا يزال بعض المتهمين في الانقلاب يعيشون في المنفى . وحين عاد ” سلطان القرشي ” من منفاه قبل بضع سنوات ، بعد تلقيه تطمينات ، تم اغتياله أمام فندق تاج سبأ بقلب العاصمة ، برصاصة قناص ، بعد أيام قليلة من عودته من منفاه .
الأمل في الوحدة
رغم الأهداف التي رفعتها ثورتا سبتمبر واكتوبر لتحقيق العدالة والمساوة ، كان أبناء تعز المنتشرين في محافظات الشمال والجنوب يشعرون بشيء من الاغتراب والتمييز المناطقي غير المعلن ، وكان توحيد شطري اليمن بالنسبة لهم ، هو الحل الناجع لإيجاد توازن ينهي تلك الاختلالات ، ويحقق مبدأ المساواة بين اليمنيين في الحقوق والواجبات .
مع قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 ، واعلان التعددية السياسية والحريات الصحفية ، كان معظم الكتاب والصحفيين في وسائل الإعلام المؤثرة ينتمون للتيارات اليسارية والقومية ، وقد حصلوا من خلال ” حرية الإعلام ” على ورقة هامة لإستئناف معركتها مع السلطة الجديدة ـ القديمة . لكنهم في نظر السلطة المناطقية كانوا ” تعزيين ” رغم قوميتهم وأمميتهم.
وفي حين عملت وسائل الإعلام الرسمية خلال السنوات الثلاث الأولى بحياد تجاه شريكي الوحدة والسلطة ، لم تكن الصحف الموالية للرئيس صالح وحزب الإصلاح ، قادرة على منافسة الصحف اليسارية والقومية التي استغلت هامش الحرية ونبشت في ملفات الماضي والحاضر . وراجت خلال تلك الفترة الصحف التابعة للحزب الإشتراكي اليمني التي انتقلت من عدن إلى صنعاء ، وأهمها : الثوري ، و ” صوت العمال ” التي حققت أرقاما قياسية في توزيعها لم تصل إليها أي صحيفة يمنية حتى الآن.
وقد كان للرئيس صالح وأعوانه ، النصيب الأكبر من سهام النقد الذي تجاوز في بعض الأحيان أخلاق المهنة وضوابطها . وكان ذلك فصلا جديدا من الصراع لم تألفه السلطة من قبل ، لكنها استخدمت نفس أساليبها وأدواتها السابقة في مواجهته .
وخلال السنوات الأولى للوحدة ، كان شركاء الوحدة الجنوبيون يواجهون في صنعاء نفس التكتيكات الإقصائية التي مورست ضد شركاء الجمهورية في الستينيات والسبعينيات ، ثم أنجزت حرب 94 مهمة الإقصاء بالكامل ، واستبدل شركاء الوحدة الجنوبيين بديكورات على شاكلة المعتوه ” عبدربه هادي ” ، وبنفس الطريقة التي استبدل بها النعمان وعبدالرقيب وعبدالعالم وغيرهم من القيادات الفاعلة من شركاء ثورة 26 سبتمبر المنتمين لمحافظة تعز .
خيبة أمل جديدة
ومثلما خاب أمل الكثير من اليمنيين بثورة سبتمبر ، خاب أملهم في الوحدة أيضا ، لكن خيبة التعزيين كانت مضاعفة ، فالفتات الذي كان يلقى إليهم قبل الوحدة ، أصبح ” اقل الفتات ” سواء في المشاركة في السلطة ، أو في المشروعات الخدمية بالمحافظة ، أو في الوظيفة العامة ، التي تحولت إلى مكافآت توزع على الموالين والأعوان .
وفي المحافظة التي تعد الأولى في التعليم ـ كوادرا وطلابا ـ تم تعيين شيخ قبلي من خارج المحافظة لإدارة مكتب التربية والتعليم ، وكان اهتمامه الأبرز في المحافظة هو شراء بنادق ” الجرمل ” . بعد سنوات ، استبدل الشيخ بطبيب بيطري من المحافظات الجنوبية ، رغم تهم الفساد التي حملها من وظيفته السابقة في عدن  .
تعز والحكم المحلي
ومثل غيرهم في المحافظات الأخرى ، لم يلمس أبناء تعز فوائد حقيقية للحكم المحلي المحدود في ديمقراطيته وصلاحياته ، وفي موارده المالية أيضا . وقد وجدت السلطة المركزية في المحليات، شماعة جديدة ، تلقي عليها بالمسؤولية عن الفساد والفشل في تلبية احتياجات المواطنين .
تقاسم اليمنيون في جميع المحافظات فساد السلطات المحلية وإخفاقاتها ، لكن أبناء تعز ذاقوا النصيب الأكبر . فقد قلص التطبيق السيئ للحكم المحلي الفرص على أبناء تعز في مجال الوظيفة العامة في المحافظات – التي اصبح المعيار الأول لشغرها هو : الانتماء للمحافظة – بغض النظر عن المعايير الأخرىـ .
كما تقلصت أمامهم فرص التعليم في الجامعات اليمنية والمنح الدراسية في الخارج ، حيث يخضعون لشروط قبول خاصة ، فقد يبتعث طالب من سقطرى أو مارب حاصل على معدل ??في المائة لدراسة الطب في الخارج بذريعة انه ينتمي لـ” محافظة نائية ” ، بينما لا يحصل عليها طالب من تعز حاز على  ?? ?  في امتحان الثانوية . إذ تحدد عدد من المنح لكل محافظة وتجري المفاضلة بين طلاب كل محافظة على حدة .
حتى قوائم الأوائل في الثانوية العامة – التي كان طلاب تعز يحتلون نصفها في معظم السنوات – جري التلاعب بها بتوزيعها كحصص على المحافظات الـ 22 .
مناخات اليأس والإحباط
شكلت هذه الظروف والمناخات مناخا خصبا للاستقطاب وشراء الولاءات ،  وكانت الأحزاب والتيارات السياسية والدينية ذات الموارد المالية والامكانيات المختلفة ملاذا ووطنا للكثير من الشباب الباحث عن العمل بعد أن تلبسهم اليأس والإحباط ، وتدني اهتمام الشباب بالتعليم بعد اختلال المعايير وغياب مبدأ تكافؤ الفرص .
كما تعرض كوادر ومنتسبو الحزب الإشتراكي في تعز لحملة قمع وترهيب من قبل حزبي السلطة بعد عام 94 ، وأنخرط الكثير منهم في حزبي المؤتمر والإصلاح كوسيلة للحفاظ على مصالحهم .

قد يعجبك ايضا