نهاية التاريخ البائسة ..

 
أحمد يحيى الديلمي

يبدو أننا كعرب لم نستوعب مقتضبات النهاية التي حددها الكاتب الأمريكي من أصول يابانية فوكوياما في كتابه ” نهاية التاريخ” حتى الذين قرأوا الكتاب ودققوا في مفرداته وما اشتملت عليه من مضامين ومنهم الحقير إلى الله، كلنا لم نبحر جيداً فيما خلف السطور اعتبرنا الأمر مجرد رؤية خففت المضمون الذي توصل إليه الكاتب الأمريكي صموائيل هانجتون في كتابه ” صراع الحضارات ” كلا الكتابين حاولا تمجيد نظام العولمة باعتبار بمعالمه الشمولية آخر الأنظمة التي اهتدى إليها الإنسان وتأكيد صلاحيته لإدارة شؤون حياته رغم أن الروايتين استغرقتا في تمجيد العولمة إلا أن هانجتون أعتبر ما جرى نتيجة حتمية لصراع الحضارات وطالما أن هوية النظام أمريكية فإن ذلك يعني تفوق الحضارة التي تشكلت في المساحة الجغرافية لدولة أمريكا على كافة الحضارات الإنسانية التي تناسلت في حقب التاريخ المتعاقبة ببعديها الديني ، والوضعي النظر إلى الأمر بهذا الأفق الضيق مثل الرغبة في التأثر بأفيا ظلال نزعات عرقية مقيتة وفحيح حقد متأصل تعمد الكتاب إخفائها كون تعدد قوميات المجتمع الأمريكي يفرض استحالة الإفصاح عنها .
بالطبع فوكوها ما قدم نفس الدلالة إلا أنه أعتبر الفكرة تأصيلاً لتاريخ جديد يتقضي التأصيل لحقبة زمنية تحرر البشر من تبعات وصراعات الماضي وجعل النظام محولاً لتأسيس الروابط والعلاقات بين الشعوب والأمم على أساس الكفاءة والإنتاج والسياق المجحف على الحياة بما يوحي أنها جاءت على أنقاض القيم والمبادئ والأخلاق مع ملاحظة أن الأخلاق وفق رؤية الكاتب والمجتمع المحيط به تخضع لغريزة المصالح بدوافعها الممقوتة وهذا ما نلاحظه اليوم على الواقع قولاً وفعلاً .
لقد أصبحت المصلحة معياراً وحيداً للتعامل وتحديد المواقف على مستوى الدول والأفراد، أي أن الفكرة تمنح المترفين وأصحاب المال والقوة الفرصة للإيغال في دماء المعدمين الجياع وصولاً إلى تغذية الخلافات وإشعال الحروب بين دول العالم الثالث وبين الشعوب والحكام في نطاق الدول إذا أقتضى الأمر بدعوى الانتصار للحريات والتبشير بالديمقراطية والرخاء والازدهار الاقتصادي .. وأنا بصدد كتابة هذا الموضوع وقعت الحادثة المؤلمة والمجزرة البشعة التي استهدفت المعزين في القاعة الكبرى من حضروا لمواساة اللواء / جلال الرويشان في وفاة والده ، أي جريمة هذه وأي بشاعة وأي ضمير إنساني هذا الذي أقر هذا الفعل والذي نفذه والذي باركه سواءً في واشنطن أو في الرياض أو في أبو ظبي ، كلهم مجرمون أرتكبوا مجزرة حرب بشعة ومجزرة إبادة حقيرة لا يمكن وصفها بكل الألفاظ الخسيسة ، فقد فاقت كل شيء وبلغت مرحلة لا يمكن إلا أن نسميها بالإفلاس والإسفاف وموت الضمائر الإنسانية وخضوع الأخرى لسلطان المال ، كلهم ركعوا وكلهم قبضوا الثمن من أجل أن يتغنوا بهذه الجريمة وهذا الفعل الشنيع ، أني حزين جداً ليس على من استشهدوا لأن أرواحهم صعدت إلى بارئها وضمنوا الجنة وضمنوا الخلود فيها ، لكني حزين على الأخلاق والمبادئ والقيم والإنسانية ، حزين على الشعارات التي طالما تغنى بها الغرب وأصم أذاننا بها ، وهو اليوم يبارك القتل الجماعي بدماءً باردة ، يا لها من مهزلة ويا له من مجتمع دولي بائس يبارك الفناء ويتغنى به . إنا لله وإنا إليه راجعون .
يبدو أن كثرة وعود ما يسمى بالعالم الحر والتبشير بحياة الرفاه والاستقرار أصاب الإنسان في العالم الثالث بالتبلد وعدم الفهم ، لذلك صعب عليه فهم معنى نهاية التاريخ ، البعض اعتبره تمجيداً للمنهج الرأسمالي الذي بدأ في أوروبا واكتملت معالمه الذي أكسبته الأبدية والخلود في أمريكا وآخرين أنتقدوا الفكرة إلى أن تجلت الحقيقة وتقلصت المفاهيم وتبدلت المفردات وتغيرت الدلالات . فأصبحت مدخلاً لما يلي:
* مصادرة إرادة الشعوب وفرض الحكام عليها وتوفير الغطاء اللّازم لممارسة الاستبداد واقتراف كل أنواع الظلم والجور والقتل لذات القتل بدعوى أنها أعظم نموذج للديمقراطية .
* قتل الأطفال والنساء وهدم مقدرات الشعوب بالأسلحة الفتاكة محور للدفاع عن الحريات وحماية حقوق الإنسان .
* استعباد من يملكون للفقراء نموذج للمساواة وتحقيق قاعدة المواطنة السليمة ..
كلها أعمال وممارسات شيطانية أكدت أن النهاية التي تم الحديث عنها جاءت بائسة وشطحات بشرية أكدت عجز الإنسان عن ابتكار نظام حضاري لإدارة حياته دون الاسترشاد بمنهج الخالق المحيط سبحانه وتعالى .
عندما نلاحظ ما جرى بالأمس من مجزرة أدمت القلوب والحروب التدميرية في عدد من دول العالم الثالث وأن دول العالم الحر تديرها بالريموت كنترول تسقط كل الشعارات ويتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الرؤى والنظريات تدل على التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال وأنها أفكار بائسة لا تختلف عن النظريات التي سادت ثم بادت وأصبحت في خبر كان ، وهذا هو مآل كل النظريات الوضعية لأنها تعبر عن وجهة نظر الإنسان بأفقه الموسوم بالقصور والمتسم بالضيق والمحدودية بخلاف الديانات السماوية فإن مصدرها الخالق المحيط بما كان وما سيكون يرعاها ويوفر لها عوامل الاستمرار والبقاء ومد الإنسان بمفاهيم سامية تكسبه قدرات التعاطي الإيجابي مع متغيرات الحياة.
وهذا هو ما يدل على عنجهية الإنسان الأمريكي الذي يعتبر نفسه راعياً للحرية في الظاهر ويمارس كل أنواع القتل والسحل من خلال الآخرين، فيا له من نظام ويا لها من مآس تقتل الإنسان باسم الحرية .
والله من وراء القصد …

قد يعجبك ايضا