
تركيا / توفيق الشنواح –
بلد الإسلام والتعايش
المسلمون في تركيا يمثلون ما نسبته 99% مع ذلك تجد جامع المسلمين قريبا من كنيسة المسيحيين ـ كما هو الحال بكنيسة “صوفيا” التي تجاور “جامع السلطان عبد الحميد” وجامع آخر بجانبها.. كما يمكنك أن ترى المرأة المحجبة الملثمة بجوار السافرة المتبرجة ـ لكنك لن تجدهم يختلفون مجرد اختلاف بسيط ولهذا وجدناهم متعايشين بسلام آمنين .. لا تفرقهم عقيدة .. ولا يخالف بينهم مذهب أو طائفة بل إنهم دائما ما يرددون عبارة الاختلاف ينوع أفكارنا ولهذا فهو يفيدنا ولا يفرقنا !!
الاقتصاد .. تخصص
قمنا بزيارة لمؤسسة (tepav ) الفكرية ـ وهي أكبر مؤسسة فكرية على مستوى أوروبا ـ وتعنى بتقديم الدراسات والمشورات الاقتصادية وتضع السياسات الاقتصادية المختلفة للحكومة التركية ويديرها ويشرف عليها كوكبة من المتخصصين والخبراء الاقتصاديين حيث يوجد بها 100 كادر متخصص يقدمون الاستشارات للمؤسسات والشركات المختلفة وإجراء البحوث وعقد الندوات وتقديم الدعم للقطاعات الصناعية.. أي أن الحكومة التركية لا تكاد تْقدم على إنشاء وتمويل أي مشروع ـ كبر أو صغر شأنه ـ إلا إثر دراسة علمية متعمقة تقدمها هذه المؤسسة الفكرية , هذا يعني أن معظم السياسات التركية ـ وأبرزها الاقتصاد ـ لا تتم إلا بعد دراسات علمية متخصصة حيث لا وجود للارتجال والانفرادية في اتخاذ القرارات والمشاريع بل يحترمون التخصص ويضعون له مكانة مقدسة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها .. لنكتشف أن الارتجالية والانفرادية المصحوبة بالمزاجية و “قرحة القات” هي سبب رئيس للكثير من المشاكل الاقتصادية في بلادنا..
(تيباف) وضعت العديد من الخطط الاقتصادية للحكومة التركية علِ أبرزها حزمة الخطط الإستراتيجية ـ بعيدة ومتوسطة المدى ـ التي ستجعل جمهورية تركيا من بين العشر أو الخمس الدول الأعلى اقتصادا على مستوى العالم بحسب تأكيدات “تيباف” والكثير من المسؤلين الأتراك وهو الهدف الذي رسموه لأنفسهم ويسعون لتحقيقه قريبا ..!!
وهو ما يؤكده السيد حسن شالة كبير الباحثين في هذه المؤسسة الفكرية يقول: إن “تيباف” وضعت خططاٍ إستراتيجية للحكومة التركية تتمثل في التركيز الكبير على دعم الصناعة مثل صناعة السيارات والبتروليات ومواد البناء والمنسوجات ..!!
دخل الفرد
كما نفذت (تيباف) دراسة اقتصادية متقدمة وضعتها الحكومة التركية الرشيدة على جداول أعمالها اليومية ولم تتركها حبيسة الأدراج وتهدف لزيادة دخل الفرد التركي بحلول العام 2020م إلى 25 ألف دولار سنويا بدلا عن 12 ألف دولار !!
مدينة صناعية في الحديدة
ومن المزمع أن تقوم (تيباف) بتنفيذ أحد أكبر المشاريع الاقتصادية على مستوى اليمن ويتمثل في إنشاء المدينة الصناعية في محافظة الحديدة والتي ستوفر 15 ألف فرصة عمل للأيادي اليمنية العاملة..
كما عرفنا خلال زيارتنا لتيباف أن أكثر ما تستورده تركيا من اليمن يتمثل في الأسماك وبعض المزروعات أما بالنسبة لما تصدره تركيا لليمن من موانئ 33 محافظة تركية فيتمثل في المنتجات الالكترونية والمواد الغذائية المختلفة والمنسوجات ومواد البناء..
بلدية اسطنبول
ما حققته بلدية اسطنبول يعد أمرا بديعا ومذهلا لأنها ـ ببساطة ـ أحالت اسطنبول من مدينة أشباح ومجاري وأكوام قمامة وبيوت عشوائية إلى مدينة سياحية متطورة نظيفة أنيقة تمتلئ بالحدائق والمتنزهات والملاعب الخفيفة ودور السينما والمسارح والمتنفسات والمنتجعات الشاطئية على طرفي بحيرة مرمرة .. هذا بعضَ – قليل مما اطلعنا عليه ـ من عملُ كثير قامت به هذه البلدية وتملكتنا الدهشة للإنجازات العظيمة والرائعة لهذه الإدارة التي أولاها أردوغان اهتماما خاصا إثر توليه رئاسة الحكومة التركية..
بلدية اسطنبول ـ التي حازت على أفضل بلدية في أوروبا ـ بها فرق عمل تتابع المشاريع ومكاتب فنية تابعة لها تشرف على ما يْنجز ومكاتب خاصة بالصيانة وأخرى تعمل على الإشراف على متطلبات المدينة التي يقطنها “15 مليون نسمة” من خدمات صرف صحي ومياه شرب ورفع المخلفات أولا بأول وبسرعة مذهلة ونظافة الشوارع على نحو رائع .. الخ تتبع هذه المكاتب غرف عمليات مجهزة بأحدث الوسائل تقوم بمراقبة كل العمليات الحيوية التي تتم في المدينة وتقوم بالتدخل السريع لحل أي مشكلة أو مطالب فضلاٍ عن غرفة عمليات تعمل ليلاٍ نهاراٍ لمعالجة أي اختلالات أو طوارئ بمختلف أنواعها .. حيث قامت البلدية بتطوير أساطيل عربات الإطفاء بحيث تتوفر في كل شارع ـ بل في كل حارة ـ تتبعها فرق فنية على أهبة الاستعداد على مدار الساعة لمواجهة أي طارئ ..
كما قامت البلدية بتطوير مشاريع الصرف الصحي.. فعند رؤيتنا للصور القديمة وكيف كان حال مشاريع الصرف الصحي وما تلاها من تغيير رائع ومذهل ومعالجتها للمياه الملوثة التي كانت تصب في البحيرات وتحويلها لمكان آخر يتم معالجتها والاستفادة منها ..
لآلئ منثورة في بساطُ أخضر !
أما ما يتعلق بمشاريع التشجير وتعشيب الشوارع والحدائق والمدارس والجامعات والمرافق الحكومية وفرشها ببساطُ سندسي أخضر ناثرةٍ الورود فوقه بجمال باذخ فا لأمر يحتاج لصفحات عدة لرصد جزءُ من روعة هذه المشاهد ومدى التطور الكبير جدا الذي قطعته تركيا بشكل عام واسطنبول ـ ممثلةَ ببلديتها على وجه الخصوص ـ فلا يكاد شارع يخلو من واحات وجزر الخضرة والورود .. ولا يمكن أن تعبر خط سير ولا ترى الخضرة الممزوجة بتشكيلات الورود تزين جنبات الطريق .. أي أن الطرق هناك مقدسة لا أحد يبني بجانبها ولا وجود للناهبين ليرصوها بعمارات شاهقة..ومحلات تجارية من قوت الشعب المطحون كما هو حالنا بل إن الكل هناك على علاقة عشقُ حميمي بالورود .. والورود تبادلهم نفس الشعور.. ! أي أن الوعي الصحي والجمالي بأهمية وجود الأشجار والورود عالُ جدا.. هذه المشاهد جعلتنا نتساءل : لماذا لا تْملأ الفراغات عندنا بالعشب والورود فجاءت الإجابة سريعة : وهل ترك المتنفذون والناهبون مكانا فارغا واحدا حتى يتم استغلاله لتزيين شوارع مدننا المملوءة بالنفايات¿!
متحف الهواء الطلق
وهو متحف بديع الروعة والجمال للكبار والصغار .. ويقع مجاورا لبلدية اسطنبول .. المتحف المفتوح يحوي تماثيل مصغرة لكل معالم ورموز تركيا التاريخية والإسلامية والحديثة .. وتكمن أهمية هذا المتحف البديع في تعريف السياح وأطفال تركيا على معالمها السياحية والدينية والإنسانية من خلال مجسمات مصغرة لهذه المعالم كمجسم جامع السلطان عبد الحميد أو مجسم مصغر لجسر البسفور وكنيسة صوفيا والمتحف الإسلامي وقصر الخلافة الإسلامية والأمير محمد الفاتح الذي فتح اسطنبول “القسطنطينية” ومجسم لمطار مصطفى أتاتورك باسطنبول ـ وهو المطار الذي يمثل نموذجاٍ للتطور التركي الكبير ـ والعديد من المعالم العمرانية التي ترمز للحضارة التركية إبان ازدهار الدولة العثمانية سابقا وما تلاها والكثير الكثير من المعالم المختلفة المجهزة بلوحات تعريفية بل وبمعلومات صوتية جوار كل معلم وبلغات عدة لتسهل عملية التعريف للسياح وليعرف أطفال تركيا تاريخهم وحضارتهم القديمة والمعاصرة .. ولم تكتف بلدية اسطنبول بذلك بل وقامت بتجهيز المتحف بكل المتطلبات من استراحات ومطاعم ومولات تجارية وسياحية وغيرها
جامع السلطان عبد الحميد
تغمرك الدهشة وأنت تدلف للساحة الواسعة الأنيقة النظيفة التي تتقدم جامع السلطان عبد الحميد باسطنبول ـ أشهر المعالم السياحية في تركيا ـ تزينها نوافير المياه والحمام الوديع وترى آلاف السياح ـ من مختلف جنسيات العالم ـ يكحلون عيونهم ببهاء وعظمة الحضارة الإسلامية التي سادت ثم بادت ذات عصرُ ذهبي مضى .. بلا جدال العالم هناك يستمتع في اسطنبول وهو الأمر الذي فطنت له الحكومة التركية ـ الحكيمة جدا ـ وعمدت على تطوير ودعم ورعاية الجانب السياحي الذي يرفد الخزينة التركية ـ النظيفة ـ بملايين الليرات ..
بجانب جامع السلطان عبد الحميد الذي أدينا بين جنباته المباركة صلاة الجمعة وشاهدنا وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يؤدي الصلاة مع جموع المصلين بتواضع عجيب وطمأنينة متناهية!! تقع كنيسة ” صوفيا” التي يزورها الآلاف يومياٍ في مشهد عجيب يجسد معنى التعايش التركي الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين بمختلف أفكارهم ومشاربهم الايدلوجية ..
قصر الخلافة الإسلامية
ثم دخلنا ـ منتشين ـ قصر السلطان محمد الفاتح (قصر الخلافة الإسلامية) وطفنا بجنباته الشاسعة الواسعة بديعة البناء والتصميم وهو القصر الذي ظل شاهدا ـ بمعالمه وطرازه المعماري الفريد ـ على بواقي العظمة الإسلامية .. يحوي القصر الكثير من الأجنحة السلطانية والغرف المنقوشة والمزينة بجمال لا يمكن وصفه وحدائق غناء واسعة.. تقع في أحد أطرافه مجموعة من مطابخ القصر السلطاني وتتقدمه نوب الحراسة العالية المنتشرة في أركانه المنيعة وجوانب أسواره الحصينة.. يتوسد بزهو بحيرة مرمرة الآسرة حيث الوصف لا يغني عن الصورة ..!
ثم طفنا بالمتحف الإسلامي الذي يقع داخل عددُ من صالات القصر العظيم ورأينا بعضاٍ من معالم ومقتنيات الرسول الأعظم وشعيرات من لحيته المباركة ” عليه الصلاة والسلام” ومقتنيات وملابس وسيوف بعض الصحابة الكرام والعديد من المقتنيات السلطانية وصناديق الهدايا المعبأة بالجواهر واللآلئ بديعة الجمال التي ظلت محفوظة لم تلمسها سنْ فأر واحد !!
السياحة فن
ضربت تركيا المثل الرائع والناجع في كيفية تنمية السياحة والاستفادة من المعالم السياحية وتطويرها بما يخدم البلد ويرفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة .. نحن لا نقل شأناٍ وبلدنا يحوي الكثير من المعالم السياحية النادرة غير أن الفارق يكمن في أننا بْلينا بثلة من أولئك الذين لا يريدون خيرا لهذا البلد ودمروا كل معالم الجمال والسياحة وباعوها في أسوأ مزاد..!
قطوف تركية
# مشاهد الدهشة للتطور التركي الفريد لم تنته هنا فقد قمنا بزيارة لوزارة الشباب والرياضة التركية وتملكتنا الدهشة عندما سمعنا من مستشار وزير الشباب والرياضة التركي مجالات الرعاية والاهتمام بالشباب.. وبما أن المساحة ـ هنا ـ لا تكفي لسرد جزءُ من ذلك فقد كتبت تقريرا نْشر في صحيفة الرياضة به جزء مما تقدمه هذه الوزارة للشباب التركي..
# كل شيء عندنا يختلف عن تركيا في العادات اليومية : الالتزام بالوقت والدوام آداب السير ـ طرقات خاصة بالحافلات والنقل العام فقط ـ العادات الغذائية .. الحرص على ممارسة الرياضة والمشي..
# لا نكاد نقطع كيلو مترا واحدا إلا ونرى حركة وآلات البناء والتعمير دائبة وشغالة هذا يعني أن تركيا تنهض أكثر بسرعة أكبر..!
# معظم المشاريع العملاقة التي رأيناها ورصدنا جزءا منها في هذه التناولة تمت مؤخرا ومامشروع تحويل مكان نفايات اسطنبول إلى بحيرة جميلة واستغلال النفايات لتوليد الطاقة إلا خير شاهد..
# ما يذهل حقاٍ إننا نصل مكان الفعالية وكل شيء معد سلفاٍ على نحو دقيق..
# أثناء سيرنا من اسطنبول إلى العاصمة أنقرة رأينا أبراج الكهرباء ممتدةٍ على طول الطرقات وتغذي كل القرى والمدن الصغيرة بالطاقة مع ذلك لم يشتكوا يوماٍ من تفجيرها أو قطعها والسر يكمن في :هيبة القانون !!
# الأتراك يتناولون طعام الفطور في ال7صباحا ويداومون قبل ال8 بينما يتناولون طعام الغداء في الـ 12 ظهرا ثم يواصلون العمل .. وكل المرافق الحكومية توفر الطعام لموظفيها .. كذلك الحال بالنسبة للجامعات..
# الجميع هناك ملتزم على نحو رائع بآداب السير ووضع النفايات في أماكنها..
في الأخير : شكرا لتركيا الأرض والإنسان..شكرا لتركيا انحيازها لخيارات الشعوب المظلومة وشكرا لها وهي تكرم وفد شباب ثورة اليمن ..
