في لقاء غير منشور.. الشاعر الكبير الراحل علي عبدالرحمن جحاف:
يحيى محمد جحاف
كثيرا هم المبدعون والموهوبون على امتداد هذا الوطن الحبيب وفي مختلف الفنون .. والفقيد الشاعر/علي عبدالرحمن جحاف الذي حمل آمال وتطلعات وهموم الأمة وعبر عنها بصدق في شعره الغزير وحلق في سماء الإنسانية الرحب، معبرا عن معاناتها، ترك أشياء كثيرة لم تنشر بعد ومنها هذا الحوار الذي أجراه الإخوان/ عادل شلي ،ومحمد علي عناش والذي كان من المفترض نشرة في المستقبل الورقية الدورية الشهرية التابعة للجمعية الأدبية في مدينة حجة عام1996م. من قبل القائمين على تحرير النشرة حينها لكن توقفت النشرة ونتيجة لذلك حال الأمر دون نشر المقابلة والتي كانت عبارة عن أسئلة كتابية،وأجاب عليها بخطه الجميل والمميز لأنه كما يقول في أكثر من حديث يحب تشجيع المبدعين.. وفيها يسلط الضوء على جوانب حياته ومسيرته الشعرية.
وننشر فيما يلي هذه المقابلة، ضمن الجهود المبذولة لجمع ونشر تراث وأعمال الشاعر الكبير الراحل وتوثيقها:
بدايتي مع الشعر
– ارتسمت في ذهني أوزان الشعر وتمكنت من حفظ كثير من مفردات اللغة وبعد أن أنهيت قراءة كل المجلدات أخذت ابحث عن منهل آخر يروي غلتي للمطالعة وكم سررت عندما وجدت مجلدا يحوي مقامات الحريري طبعة قديمة تحوي شرحاً لكل المفردات الصعبة.
فلما ناهزت العاشرة أرسلني والدي إلى المحابشة للهجرة في مدرستها وهناك تعرفت على نهج البلاغة ومروج الذهب وحفظت الكثير من شعر المتنبي وشوقي والتهامي والشريف الرضي حيث عودنا الأستاذ أحمد الشهاري على حفظ قصيدة كل أسبوع كما حفظت الكثير من قصائد الزبيري والبردوني بعدها بدأت امارس كتابة الشعر.
هذه هي الينابيع الأولى التي نهلت منها في بداية حياتي فلما انتقلت إلى حجة كان لمكتبة الأخ يحيى نصار وكتب كثيرة كان يرسلها الأستاذ علي ناصر الشرفي اثناء بقائه في تعز مع الأستاذ عبدالله عناش إلى أخيه حزام الشرفي اثر كبير في تنمية وتنوع ملكاتي الأدبية والشعرية فطالعت الكثير من روايات وكتب الهول وسلسلة اقرأ وكثيراً من دواوين الأدب المهجري الذي شدني إليه وتأثرت به لأمد غير قصير من مشوار حياتي الذي أقول إنني ما أزال الآن في بدايته ولم أحقق فيه ما أصبو إليه .
* الحنين إلى الريف وإلى حياة البداوة والبساطة الفطرية يشكل الملمح البارز في شعر علي عبدالرحمن حجاف فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
– إن من يقرأ الإهداء في ديوان ” كاذي شباط” يعرف السبب في تعلقي بحياة الريف فأنا أحب الحياة الهادئة والأجواء النقية وذلك ما لا يتوفر في المدن ولولا أنه قد سبقني شاعر الشام فأطلق على نفسه ( بدوي الجبل) لفضلت أن أدعى بدوي اليمن .
* امتزاج المأساة بكل أبعادها والملهاة بكل أجوائها في شعر علي عبدالرحمن حجاف.. فما هو سر هذا الامتزاج العجيب بين الفرح والحزن والدعابة والأنين؟
– ربما يكون ذلك في تركيبتي دون أن أستطيع التعبير عنه أما المأساة فمن هو الذي لا يمكن أن تمتزج أعماله بالحزن والأسى وهو يرى ما يعانيه الوطن العربي والإسلامي من التشتت والتمزق والذلة التي ينزلها به الأعداء من كل صوب وأما الدعابة فإنها ظهرت على اعمالي الشعرية منذ الصغر .
* الشعر الغنائي: إجادة علي عبدالرحمن لهذا اللون صارت على كل لسان..فماذا يشكل الشعر الغنائي في حياتك وفي شعرك على لخصوص ؟
– فتحت عيناي على مغارد القبائل وهيدات المزارعين وأغاني الرعاة وتغريد البلابل وسقسقات عصافير الربيع فجرى ذلك في تكويني وكل ذي إحساس شاعر طروب أما الإجادة فإني لا ادعي ذلك لنفسي وان كان ذلك رأي كثير ممن يحبون هذا اللون من الأدب.
* هل نستطع تصنيف علي عبدالرحمن حجاف ضمن شعراء الموقف أم شعراء القضية ؟ وما الفرق بين هذا وذاك؟
– لا أدري في أي محيط من الجانبين ينصب شعري فأنا أكتب ما يختلح في مشاعري وأضعه بين يدي القراء ليصنفوه حسبما يحبون وإن كنت أفضل لو كنت في عداد شعراء القضية إن كانت هناك من قضية أنا ملتزم بها فيما اكتب.
* على الرغم من غزارة انتاجك الشعري إلا أن دور النشر لم تطالعنا إلا بديوان واحد هو”كاذي شباط”.. فما السبب في عدم جمع اشعارك؟ وهل نستبشر بأن هناك إصدارات جديدة؟
– إن اللوم أيها الأحبة – لا يقع على دور النشر ولكنه يقع على الظروف غير المساعدة لشاعركم والتي ادناها انه لولا ما يلاقيه من التشجيع منكم ومن أمثالكم لكان قد توقف عن الكتابة منذ امد بعيد فهو يعتقد أن ما يكتبه لا يستحق كل هذا الاهتمام من الجمهور.
* ارتبط اسمك بالشعر الحميني فما هي العلائق أو الرشائج إلى جعلتك لصيق الصلة بالشعر الحميني ؟
– ليست هناك علائق محددة استطيع أن اذكرها في هذا السبيل قصارى ما هنالك أن قراءه أكثر انتشارا فهو مما يتذوقه العامة والخاصة من الناس بينما الفصيح لا يتذوقه سوى الخاصة من المثقفين والمهتمين بالادب والشعر على وجه الخصوص.
* إذا قدر لك أن تنقد شعرك وتعيد قراءتك لقصائدك السابقة من منظار آخر..فما هي أروع القصائد؟ وما هي القصائد التي تتبرأ منها؟ وما هي السمات البارزة في شعرك؟
– إنني أفضل أن ينقد شعري القراء فهم كما أرى – أحنى عليه وارحم به مني إذ لو قدر لي نقده وإعادة النظر فيه لأخرجته من دواوين الشعر، فيكفيني أنه مرغوب محبوب مقبول بعناية ربانية ولله الحمد على ذلك.
أما ماهي اروع القصائد؟ فإنه من سخف العقل أن يسمي المرء قصائده بأنها رائعة دون أن يقول له القراء ذلك وما تراه على غلاف ديوان”كاذي شباط” تلك العبارة التي تقول (من روائع الشعر الحميني) فإنها ليست من عندي وإنما كتبها الناشر لتنفق بضاعته.
وأما ما هي القصائد التي أتبرأ منها فإن هناك قصائد كثيرة منها ما عليها صبغة الأدب المكشوف كنت أنوي البراءة منها تخوفا من أن يحذو حذوي من يستحسنون شعري من أدباء الحاضر أو المستقبل اقتداء بي فتكون تبعة ذلك علي حين يقوم الحساب غير أنني تراجعت عن ذلك بعد أن كتبت أبياتا انبه فيها القارئ العزيز إلى ذلك وسأثبتها هنا ليكون القارئ على معرفة بها :
لتأخذين شعري الذي فيه سلوة
لنفسك مِن همِّ ومن غثيان
فإن بشعري ما يسرك عائشا
وأن بشعري ما يسرك فاني
وفيه لمن يبغى المواعظ سؤله
وفيه لطلاب المجون مواني
فإن أنت جانبت الطريق فلا تقل
بحسبي أني أقتدي “بفلان”
فما أنا إلا شاعر تستفزه
مشاعره في نفرة وتداني
أقوال الذي تملي على مشاعري
ولست بذي فسق ولست بزاني
أما السمات التي تبرز في شعري حسب اعتقادي هي البساطة والخلو من التكلف والرموز والمحسنات البديعية.
* ماذا يعني لديك الشعر؟
– متنفّس ألجأُ إليه كلما ضقت بأوضاع الواقع المعاش ونافذة اطل منها على الأحبة والأصدقاء في كل مكان.
* ما هي الأسباب التي حالت دون مواصلة مسيرة الكشكول وتوقفها بعد أربعة أعداد فقط؟
– لقد كانت الكشكول قبسة في ليل مظلم انقطع عنها الزيت فكان لا بد أن تنطفئ ولو أنها وجدت ما يشعلها لأربعة أعداد أخرى لاستطاعت الوقوف على أقدامها كما كنت أتنبأ لها ويرجوه لها كل هواة الأدب.
* ما هي أبرز وأهم المواقف التي أثرت في حياة علي عبدالرحمن جحاف وشعره؟
– سبق لي أن قلت في العدد الأول من صحيفة الأمة قبل سنوات أن ما جعلني أقرر أن أكون شاعراً على أية حال أنني رأيت التقدير والاهتمام من الوالد علي عبدالله جحاف عامل المحابشة وعدد من العلماء الأجلاء للقاضي يحيى العشاري وعند ما سألت عن السر في ذلك قيل لي أنه من الشعراء الكبار في اليمن ثم زادني تشجيعاً على مواصلة المسيرة حين كانت قصائدي تذاع عبر برنامج “بريد المستمعين” فكنت أنال تشجيع وتقدير مستمعيه.
* علي عبدالرحمن جحاف دائما يسلك الطريق الصلب لماذا؟
– ذلك ما يراه كثير من الناس ولكنني لا أستطيع أن ادعي ذلك لنفسي فكثيراً ما أختار طريق السلامة والعافية.
* من أحب الشعراء إليك وما هي الميزة التي أحببتها في كل شاعر منهم؟
– إن كل الشعراء في اليمن أحبائي ولشعر كل واحد منهم زاوية في نفسي، ألا ترى أخي السائل أنني أتحاشى الطريق الصلب في كثير من الاحيان واؤثر طريق السلامة عندما لا أحب أن يستاء مني أحد.
* علي عبدالرحمن جحاف كان أول من مزج الشعر العربي بالألفاظ الإنجليزية فهل هذا يعني تفرداً- أو حب الطرافة التي صبغت جانباً مهما في شعرك؟ أم هو الحب للأدب الانجليزي؟
– قد تكون كل هذه الأشياء التي اوردها السائل مجتمعة هي السبب في ذلك غير أني أود أن أضيف إلى معلوماتك أنني لست أول من فعل ذلك فقد سبق لي أن قرأت اثناء اهتمامي بالأدب والأدباء المهجرين لأديب مهجري لم أعد أذكر اسمه محاولة في مزج الشعر العربي بالألفاظ الانجليزية غير انه لم يستطع أن يحافظ على وزن الشعر وموسيقاه في ذلك العمل كما قرأت للوالد الأديب اليمني أحمد محمد الشامي في أعماله الكاملة محاولات في هذا الطريق غير أنه لم يوفق في الآتيان بها كما يجب فإذا قلت أنني أول من أجاده إجادة كاملة صح لك ذلك.
* ما هي أسباب غياب علي عبدالرحمن جحاف عن الساحة الأدبية؟
– لم أغب عن الساحة الأدبية قط …. ولكن الساحة الأدبية هي الغائبة عن علي عبدالرحمن.
* من برأيك أفضل الشعراء في اليمن في هذا العصر؟
– سبق الجواب عن سؤالك هذا.
* ما رأيك في الشعر الحر؟
– رأيي أنه تحرر من أجمل ما في الشعر ما عدا شعر نزار قباني ومحمود درويش وحسن عبدالله الشرفي وهؤلاء لم يتجرد شعرهم من الموسيقى الشعرية ولا من القافية.
* يشهد الشعر العربي تراجعاً ملموساً على جميع المستويات أمام بقية الألوان الأدبية الأخرى فما هو برأيك السبب في تراجع الشعر؟
– يرى الكاتب العربي الكبير عباس محمود العقاد أن سبب تراجع الشعر هو وجود السينما والتلفزيون وانشغال الناس بمتطلبات الحياة التي تعاظمت في عصر المخترعات هي التي صرفت الناس عن الاهتمام بالشعر وربما كان رأيي من رأيه على أنني أرى أن هناك تراجعاً، فالشعر الجيد يجذب الأسماع عليه في كل زمان.