السعودية ترعى الإرهاب قديما وحديثا
منذ ظهور تنظيم داعش الإرهابي، والذي يصف نفسه بـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام”، حاول كثير من المحللين تتبع نشأته السياسية والتاريخية والعقائدية، وتوصل البعض إلى الشبه الكبير بين داعش وبين المملكة العربية السعودية، خاصة جماعة “إخوان السعودية” وهي جماعة إرهابية عذبت عددا كبيرا من السكان في منطقة الشرق الأوسط بين عام 1912 – 1930م، وتحولت في النهاية إلى الحارس الخاص للملك عبد العزيز بن سعود، وعملا سويا لتعزيز المصالح المشتركة، وهي السعي لإخضاع شبه الجزيرة العربية لحكم آل سعود، وفرض الجماعة لفكرها المتشدد على المجتمع.
في سعيه لاستعادة الحكم المفقود من أسلافه، بدأ ابن سعود حملة عسكرية واقتحم بها الرياض في عام 1902م، بجانب مناطق واسعة من نجد، والمنطقة الوسطى من المملكة اليوم، وصل حجم طموحه لمناطق بعيدة بعد تكوينه لجيش قوي ومخلص للغاية، بدأ في تجنيد البدو العرب لمليشيات طائفية متشددة، وتحول نمط حياتهم البدوية إلى مجموعات تعيش في مساكن تسمى “هوجير” مشتق من الكلمة العربية هجرة، درس هؤلاء البدو التعاليم الدينية المتشددة التي وضعها محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الوهابية، أصبح هؤلاء البدو جيشا لا يرحم يعمل لصالح بن سعود، وذهبوا معه لباقي أنحاء المملكة لمحاربة “الكفار” وكان يقصد بها كل الجماعات الإسلامية التي تخالف الوهابية.
مَّثل داعش، بدأت الإخوان كحركة غامضة ظلت لغزا محيرا للمراقبين الأجانب، وليس فقط منافسي ابن سعود، مثل الملك حسين من الحجاز، لم يكن متأكدا من هوية الجماعة، حتى إن البريطانيين لم يتمكنوا من الحصول على الحقائق الصحيحة لهوية الجماعة، على الرغم من علاقتهم الوثيقة بسكان المنطقة وقدرتهم على اختراق المجتمعات، وكما أشار أحد الضباط البريطانيين في الكويت خلال زيارته للمنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، إلا انه حاول جاهدا الحصول على معلومات بشأن جماعة إخوان، ولكن الناس رفضوا الحديث، وكان من الواضح أنهم تلقوا أوامر من السلطة العليا بالصمت، حيث يعتقد الضابط أن ابن سعود نفسه هو من أمرهم.
من المهم أيضا أن نلاحظ النظريات المتضاربة بشأن ولاء الإخوان، كما هو الحال مع داعش، يعتقد أن الإخوان كانوا مخلصين للأتراك، في حين أن الأمير فيصل بن الحسين (ملك العراق) قال إنهم كانوا على صلة بالبلاشفة. والتشابه الكبير بين الجماعتين هو تعصبهما الشديد، حيث استهدف الإخوان أقاربهم غير المؤمنين قبل استهداف الغرباء، وهو ما يقوم به داعش من قتل لأقاربهم وآبائهم وامتلاك النساء من الكفار.
لا يعتبر الجهل بالشريعة ذريعة لانتهاكها، مبدأ داعش والإخوان لعقاب وقتل المخالفين، كان هذا واحداً من أسباب تحول الإخوان ضد ابن سعود، بسبب تحالفه مع الغرب المسيحي، ولكن تحولهم ضد سعود لا ينفي ذنبه باعتباره الرجل الذي قادهم خارج المجتمع البدوي فبثوا السموم في المجتمع الإسلامي، وأطلق العنان لسفك الدماء والنهب لسنوات عديدة لبناء نظام حكمه الملكي.
ومثل سلفهم، وجد السعوديون الحاليون في الإرهاب القاسي لداعش أداة مفيدة جدا لإضعاف أعدائهم، مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الأسد، وما تعرفه داعش، مثل الإخوان، هي أنها لا تندمج في المجتمعات المتحضرة وتدمر كل من يقف في طريقها.
حجة المملكة العربية السعودية بمحاربة الإرهاب تتوافق مع الرواية، هي لا تحارب الإرهاب على أرضها وتحرك سياستها الخارجية في الاتجاه المعاكس، كما أنها مولت العديد من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وشرق آسيا.
قررت السعودية تشكيل تنظيم داعش، لخلق ايديولوجية دينية وهابية لاستخدامها ضد منافسيها الإقليميين، والدرس التاريخي هو أن آل سعود يسعون للدمار بمباركة نفس علماء الدين المتطرفين، وما تفعله السعودية هو إعادة دورة حياة الإرهاب ليبقى دون انقطاع.
* نقلاً عن “ناشونال انترست”