أعداء الأدب في الغرب

ما هي فائدة الأدب؟ وهل هو بالأحرى بلا فائدة؟ وما حاجة الشعوب له؟.. وكثير من الأسئلة الأخرى التي تصب في نفس منحى توجيه أصابع الاتهام للأدب وللذين يمارسونه بشتى أنواعه ومشاربه. وذلك منذ فترة طويلة تمتد على ما يزيد على ألفي سنة من تاريخ الإنسانية. وليست قليلة هي الحالات التي تمّ فيها إيداع المبدعين في شتى مجالات الأدب غياهب السجون لفترات قد تطول أو تقصر.
هذا بالتحديد ما يشرحه الناقد الأدبي ومؤرّخ الأدب وليام ماركس، الحائز على شهادة التأهيل العليا ــ أغريغاسيون ــ في الأدب الفرنسي والذي مارس مهنة تدريس الأدب في الجامعات الأميركية واليابانية لسنوات عديدة وهو يدرّس الأدب اليوم في جامعة باريس العاشرة، في كتابه الذي يحمل عنوان «بغض الأدب».
ويشرح المؤلف كيف أن الأدب، والأدباء، من كل صنف تعرّضوا منذ أكثر من 2500 سنة لـ «مختلف أنواع الضغوط» تحت «مختلف الحجج» وفي ظل «مختلف أنماط الأنظمة القائمة».
وشرح أن الأدباء والمبدعين من شعراء وغيرهم تعرّضوا للاضطهاد والنفي وحرق أعمالهم في ظل مختلف الأنظمة الحضارات التي عرفتها البشرية منذ الأزمنة القديمة حتى اليوم. وهو لا يتردد في التأكيد أن ذلك كان باستمرار تعبيراً عن «الجهل وانعدام الثقافة» اللذين عرفهما الغرب منذ الأزمنة القديمة حتى الوقت الراهن.
وهو لا يتردد في التأكيد أيضاً أن الأدب في الغرب يواجه تهديدات حقيقية كبيرة بالانقراض. ويكتب أننا يعيش في «عالم فقد فيه الأدب كل سلطة تقريباً وغداً بمثابة قوقعة فارغة، بينما يزداد الاهتمام بوسائل تسلية أخرى».
وما يشرحه المؤلف بإسهاب هو أن الأدب كان في الغرب، الذي يمثّل مجال بحثه، منذ الأزمنة القديمة هدفا لمختلف أشكال النقد والاتهام ليس من قبل السلطات السياسية الرسميّة فحسب، ولكن أيضاً، وخاصّة، من قبل الفلاسفة ورجال الدين والتربية والعلم والاجتماع وغيرهم.
ومن خلال المواقف السائدة حيال الأدب والأدباء يقوم المؤلف بنوع من كتابة التاريخ الأدبي في الغرب منذ أصوله القديمة حتى تبدياته الراهنة. وهذا ما يعبّر عنه المؤلف زمنيا بـ«منذ أفلاطون حتى نيكولا ساركوزي»، الرئيس الفرنسي السابق.
وتحتوي الصورة التي يقدّمها للأدب الغربي تاريخياً على مزيج من أشكال «الرياء والجهل والنزاعات والمعارك والهزائم والانتصارات…والخونة والأبطال» وغير ذلك مما يجمله المؤلف تحت عنوان «بغض الأدب»، كما جاء في عنوان هذا العمل. وفي جميع الحالات يكشف المؤلف عن هذا «الوجه المخبوء للتاريخ الأدبي الغربي» من بداياته حتى اليوم.
الأمثلة التي يقدّمها المؤلف لاستهداف الأدب والأدباء من أصحاب الثقافات السائدة في الغرب كثيرة. مثل الروائي غوستاف فلوبير الذي كتب في رسالة له تعود إلى عام 1867، أي بعد 11 سنة من نشر روايته الشهيرة «السيدة ــ مدام ــ بوفاري» التي جرّت عليه مثوله أمام المحكمة على خلفية أنها كانت تمثّل إساءة لـ«الأخلاق العامّة»، ما مفاده: «من أين جاء هذا البغض الكبير للأدب» هل من الحقد أو من الحماقة؟. من هذه وذاك دون شك، بالإضافة إلى جرعة كبيرة الرياء. ذلك الكمّ من «البغض للأدب الإبداعي» يمثّل «الخط الناظم» الذي عرفه التاريخ الأدبي الغربي، كما يشرح المؤلف. ويجد أحد نقاط انطلاق مثل تلك الذهنية الاتهامية للأدب لدى افلاطون في «بغضه الكبير» للمبدعين، حيث إنه قرر «نفي الشعراء بعيداً من المدينة اليونانية الفاضلة، المثالية».
ينقل المؤلف عن افلاطون ما مفاده «عندما تفتقر تعبيرات الشاعر إلى تلاوين الموسيقى…فإنها تشابه عندئذ وجوه أولئك التي تبدو فيها معالم الشباب.. ولكنها تفتقر إلى الجمال». وهذا ما يجد صداه في جملة للمفكر الفرنسي، ارنست رينان، في القرن التاسع عشر مفادها، سيأتي الزمن الذي سيكون فيه الفن من متاع الماضي.ثم التأكيد أن مثل ذلك «البغض» الذي أظهره، لم يفارق أعداء الأدب الذين لم يلقوا أبدا أسلحتهم، حيث يبقى الأدب «هدفاً مثالياً» بالنسبة لهم. ويحدد المؤلف أنهم شنّوا معاركهم في مختلف الأزمنة وعلى مرّ القرون تحت أسباب عدة، أولاها باسم السلطة على أساس أن الأدب يسعى لـ«تكريس سلطات أخرى». هكذا تمّ اتهام الأدب أنه ليس «نبيلاً ما يكفي» عندما سادت الأرستقراطية الغربية وأنه «نخبوي» عندما سادت منظومات باسم الديمقراطية.
وسبب آخر، هو التحرّك أيضاً ضد الأدب باسم «الحقيقة» على أساس أن «الأدب لا يساوي شيئاً بمواجهة العلم». وسبب التحرّك ثالث باسم الأخلاق حيث «يساهم الأدب في تخريب جميع المعايير الأخلاقية السائدة». وأخيراً التحرّك باسم المجتمع، حيث ينبغي «منع الكتّاب من أن ينصّبوا من أنفسهم ناطقين باسمه».
امبراطورية
يبدأ المؤلف تحليلاته بالإشارة أن وزير التربية الياباني طلب قبل فترة وجيزة من الجامعات اليابانية أن «تغلق أقسام الدراسات الأدبية فيها» وأن تستعيض عنها بأنماط من التعليم «تكون ذات فائدة مباشرة أكبر بالنسبة للمجتمع». ويعتبر «وليام ماركس» أن مثل ذلك التصرّف يعبّر عن ذهنية أولئك الذين ناهضوا العداء لـ«امبراطورية الأدب» في الغرب قبل ستة قرون من العصر الميلادي وحتى الحقبة الحاضرة.
المؤلف في سطور
وليام ماركس ناقد أدبي ومؤرّخ للأدب الغربي. خريج مدرسة المعلمين العليا وحائز على شهادة التأهيل العليا في الأدب الكلاسيكي ــ أغريغاسيون. قام بتدريس الأدب لسنوات في الجامعات الأميركية واليابانية. ويدرّس حالياً في جامعة باريس العاشرة. سبق له وقدّم عملاً شهيراً تحت عنوان «وداعاً للأدب».

قد يعجبك ايضا