> حاكم الشارقة: كانت عدن جزءاً من الإمامة وميناء اليمن الوحيد الذي كان يستقبل السفن التجارية الكبيرة
> ابن خلدون: ليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم وحضرموت ابن قحطان
> ابن كثير: الأحقاف جبال الرمل وكانت باليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر
> أمين عام الاشتراكي: بتحقق الوحدة اليمنية عادَ اليمنيون إلى تاريخهم الخاص ولم يكن في الأمر غرابة
> الإدريسي: سقطرى تتصل من جهة الشمال والغرب ببلاد اليمن، بل هي محسوبة منه ومنسوبة إليه
> امرؤ القيس: دمون إنا معشر يمانون وإنّنا لأهلنا محبون
> فيض الله الهمداني: لما فتح الملك علي الصليحي مكة عاملَ الناس بالحُسنى ونشر العدل وخدم الحجاج المسلمين
> خالد القاسمي: تمثل العصور اليمنية القديمة أعظم وحدة اندماجية لشطري اليمن، بل والجزيرة العربية بأكملها
حققه من بطون الكتب/ فايز محيي الدين
لم يعرف العالم عبر حقب التاريخ المتتالية إلا أن الجزء الجنوبي لشبه الجزيرة العربية بأكمله هو اليمن، وكل قبائله كما يؤكد المؤرخون والنسّابة ينحدرون من أبٍ واحد هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر وهو نبي الله هود عليه السلام. ويعرب كان يُسمى يمناً وبه سُميت اليمن كما نص على ذلك ابن هشام وذكره ابن خلدون في المقدمة.
وفيما يلي سنستعرض بإيجاز بعض الأدلة الدامغة لحقائق التاريخ المنتشرة في كثير من كتب التاريخ العربي القديم والنقوش، وفي مؤلفات مؤرخي العصور المتلاحقة حتى اليوم، ممن ينتمون لغير اليمن ولليمن بمختلف مناطقه.
ونبدأ بذكر حضرموت، حيث ذكر المؤرخ محمد حسين الفرح في كتابه (اليمن في تاريخ ابن خلدون، وزارة الثقافة، صنعاء2004م، ص29): أن أولاد قحطان بن هود أربعة وعشرون ولدا، منهم حضرموت، وآزال، والمعافر، وحضور، وثمود..وأشار إلى أن سفر التكوين في التوراة قد ذكرهم أيضا.
فيما يشير المؤرخ محمد بن يحيى الحداد في ص81 من الجزء الأول لكتابه الشهير (التاريخ العام لليمن) إلى أنّ من كهلان بن سبأ قبيلة كندة بن عفير التي سكنت حضرموت، ومنها حالياً المشائخ آل باراس، وآل باسودان، وآل باكثير، وآل مخاشن، وآل باكرمان، وآل باقيس.
ويؤكد الباحث المهري سالم لحيمر القميري في كتابه (المهرة بلاد الأحقاف) أنّ إقليم المهرة هو أرض نبي الله هود، وفيها كانت تسكن قبيلة عاد، وأن المنطقة التي يوجد فيها قبر نبي الله هود والتي هي من عِداد محافظة حضرموت اليوم إدارياً، هي جزء من إقليم المهرة التاريخي الذي ظل مترابطاً مع جزيرة سقطرى تحت حكم سلطنة آل عفرار حتى نوفمبر 1967م.
وهذا الإقليم بدوره يُنسب لمهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وإلى هذا الإقليم اليمني تنتمي جزيرة سقطرة التي يسكنها قومٌ من قبيلة مهرة، وكانت ضمن سلطنة المهرة حتى عام 1967م، وبعدها لحقت بمحافظة عدن، ثم محافظة حضرموت، وهي اليوم محافظة يمنية لوحدها.
وفي نفس المسار يؤكد الباحث السقطري أحمد سعيد الأنبالي أنّ السلالات والأجناس التي عاشت في جنوب شبه الجزيرة العربية هي نفسها التي كانت تعيش في جزيرة سقطرى منذ فجر التاريخ، والآثار الباقية من تلك الأمم خير شاهد على ذلك. فهناك من الآثار ما يطابق قوة قوم عاد الذين سكنوا وادي حضرموت، ومن أشهر مدنهم مدينة الشحر، وتعد جزيرة سقطرى من أوطانهم، وقد أوضحت الدراسات التي قام بها بعض الباحثين في مقارنة الهياكل العظمية للإنسان السقطري وسكان مناطق جنوب شبه الجزيرة العربية حيث تبين أنها من جنس واحد. (تاريخ جزيرة سقطرى، أحمد بن سعيد بن خميس الأنبالي، ص56) وفي نزهة المشتاق في اختراق الآفاق،القاهرة1980م،1 /50 للشريف الإدريسي:
(سقطرى تتصل من جهة الشمال والغرب ببلاد اليمن، بل هي محسوبة منه ومنسوبة إليه) الأنبالي ص40.
وهذا ما يعضده وصف ابن كثير لقبيلة عاد قوم هود بالقول: “وقبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف وهي جبال الرمل وكانت باليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر” (البداية والنهاية، ابن كثير، الجزء1، ص120).
وكثير من الكتب كمروج الذهب للمسعودي تؤكد على وقوع المهرة بين حضرموت وعُمان وأن قصبتها (عاصمتها) هي مدينة الشحر التي تتبع اليوم محافظة حضرموت. والأهم من كل ذلك هو وصفها بأنها من اليمن، وأن سكانها ينتمون لسبأ القبيلة الجامعة لكل اليمنيين.
والأحقاف التي يُجمع المؤرخون ومفسرو القرآن الكريم على وقوعها بين عُمان وحضرموت من بلاد اليمن تتسمى بها المهرة بشكل عام، وأحياناً تُطلق التسمية على مدينة الشحر. كما جاء ذلك في كتاب (الشحر عبر التاريخ، خميس حمدان، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء2005م،ص15).
الشعر الجاهلي ويمنية حضرموت
ومما يدل على يمنية حضرموت مطلقاً أرضاً وإنسانا، ما أكده الشاعر اليمني النجراني عبد يغوث ابن وقاص الحارثي حين أسره بنو تيم يوم الكلاب وربطوا لسانه كي لا يهجوهم، فأنشد:
أَلاَ لا تَلُومَانِي كَفى اللَّوْمَ ما بِيَا = فما لَكُما في اللَّوْم
خَيْرٌ ولا لِيَا
أَقُولُ وقد شَدُّوا لسانِي بِنِسْعَةٍ: = أَمَعْشَرَ تَيْمٍ أَطْلِقُوا
عن لِسَانِيَا
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عبْشَمِيَّةٌ = كأَنْ لَمْ تَرَى قبْلِي
أَسِيراً يمَانِيَا
كأَنِّيَ لم أَرْكَبْ جَوَاداً ولم أَقُلْ = لِخَيْلِيَ كُرِّي نَفِّسِي
عن رِجَالِيَا
فَيَا راكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ = نَدامَايَ مِن نَجْرَانَ
أَنْ لا تَلاَقِيَا
أَبَا كَرِبٍ والأْيْهَمَيْنِ كِلَيْهِمَا = وقَيْساً بِأَعْلَي
حَضْرَمَوْتَ اليمَانِيَا
وهو هنا يؤكد يمنية حضرموت كما يؤكد يمنية نجران التي ينتمي إليها، وهي ترزح اليوم تحت الاحتلال السعودي.
وقد أنشد أبياته تلك ليطلقوا لسانه فينوح على نفسه، ففعلوا، فكان ينوح بهذه الأبيات، فلما أنشد قومه هذا الشعر قال قيس: لبيك وإن كنت أخرتني”[البيان والتبيين للجاحظ: (3/ -273 274)].
وعن يمنية حضرموت وقبيلة كندة التي تسكنها ومنطقة دمون الشهيرة بوادي حضرموت يقول الشاعر الجاهلي الشهير امرؤ القيس بن حجر بن آكل المرار الكندي:
تطاول الليل علينا دمون
دمون إنا معشر يمانون
وإنّنا لأهلنا محبــــــــون
قال البيهقي: “بلاد كندة من جبال اليمن تلي حضرموت والشحر، وكان لهم بها ملوك، وقاعدتهم دمون، وهي مذكورة في شعر امرئ القيس”. (نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب ج1 ص244).
امرؤ القيس من قبيلة كندة، ومن بيت السيادة فيها، وهي قبيلة يمنية كانت تنزل في غربي حضرموت (ج1 ص232 تاريخ الادب العربي العصر الجاهلي).
التاريخ ويمنية يافع
والآن ننتقل للحديث عن إحدى المناطق الشهيرة وهي يافع، وهي تُنسب إلى يافع بن قاول بن زيد بن ناعتة بن شرحبيل بن الحارث بن زيد بن يريم ذي رُعين الأكبر، كما جاء في كتاب (الحياة الاجتماعية ومظاهر الحضارة في يافع سرو حمير) ص29، لمؤلفه الباحث اليافعي/ عبداللاه سالم الضباعي.
فيما يقول الدكتور علي صالح الخلاقي عن اللهجة اليافعية: “إن الكلام اليافعي عربي حِميَري، ولا غرابة في ذلك إذا ما علمنا أن يافع هي المنطقة المعروفة تاريخياً بـ”سرو حِمْيَر”, وما زالت لهجتها تحتفظ بكثير من عناصر اللغة الحِمْيَرية, وهذا ما يفسر وجود مسميات وكلمات حِميَرية عتيقة في اللهجة اليافعية المعاصرة, كما في غيرها من اللهجات اليمنية, كإرث لغوي تاريخي له جذوره ذات الصلة بحضارة حِمْيَر ولغتها التي “يسود اعتقاد شعبي بأنها هي بذاتها لغة نقوش أقيال اليمن”.
وبالنسبة لمحافظتي لحج وأبين فهما حميريتان بالكامل، وهذا ما يؤكده نسبهما، حيث وأبين ولحج هما ابنا الهميسع بن حمير بن سبأ (الحداد ص87).
فيما كان الملوك اليزنيون ومنهم سيف بن ذي يزن من وادي عبدان بمحافظة شبوة، والتي انتقل منها الملك الحميري ملشان أريم ذي يزن، الذي يعتبر أول تبابعة الدولة الحميرية، إلى صنعاء واستقر فيها منذ العام275م حتى عهد سيف بن ذي يزن الذي هو من نسله، وقد حكم بعد سيف من صنعاء ابنه معدي كرب بن سيف، وهو الذي قتله الفرس وليس والده سيف كما يخلط بعض المؤرخين، ثم انتقل الحكم لأخيه زُرعة بن سيف بن ذي يزن، والذي عاد إلى عبدان بعد أن أحكم الفُرس سيطرتهم على صنعاء، فتفككت الدولة المركزية، وعاد أقيال حمير ليستقلوا بمناطقهم حتى ظهور الإسلام. (الجديد والمتجدد في تاريخ وحضارة دولة سبأ وحميَر، محمد حسين الفرح، الجزء الثاني، وزارة الثقافة، صنعاء2004م، ص893 وما بعدها).
الأدب العربي يشهد بوحدة اليمن
وبالمناسبة فقد ذكر الشاعر الأعشى قبل الإسلام في مقطوعة من شعره بعض مناطق اليمن وأقيالها حين قال:
ألم ترَ أني جلتُ مابين مأربً
إلى عدنٍ فالشام والشامُ عائدُ
وذا فائشٍ قد زرتُ في متمنِّعٍ
من النيقِ فيهِ للوعودِ مواردُ
ببعدان أو ريمان أو رأس سلبةٍ
شفاءٌ لمن يشكو التمائمَ باردُ
وبالقصرِ من إرياب لو بتَّ ليلةً
لجاءكَ مثلوجٌ من الماءِ جامدُ
ونادمتُ فهداً بالمعافرِ حقبةً
وفهدٌ سماحٌ لم تسده المواعدُ
وقيساً بأعلى حضرموت انتجعته
فنعم أبو الأضيافِ والليل راكدُ
فهل كان الأعشى متعصباً لليمن حين ذكر أسماء أهم مناطق اليمن وأقيالها الذين زارهم حينها وهم شبه مستقلين بحكم مناطقهم في حضرموت والمعافر بتعز وإرياب في جبل سُمارة محافظة إب، أم أنه يعرف أنهم ينتمون لدوحةٍ واحدة وإنْ تفرقت بهم الأهواء السياسية، لهذا جمعهم في أبياته.
الفتوحات اليمنية
وعلى ذلك ظل اليمن واحداً بأرضه وتاريخه وإنسانه، وإن كانت تمر فترات تتراخى فيها الدولة المركزية فتحصل الأطراف على ما يشبه الحكم الذاتي، لكن دون أن تفرط في روابط القربى والنسب، وكان يتضح ذلك من وقوفهم جميعاً صفاً واحداً إذا داهمهم الخطر الأجنبي، وهو ما تجلى بوضوح منتصف القرن العشرين الميلادي حين اندلعت المقاومة اليمنية للاستعمار البريطاني في عدن وبقية مناطق جنوب الوطن، فهب أبناء المحافظات الشمالية في المقدمة أمثال الشهيد عبود الشرعبي، والرئيس عبدالفتاح إسماعيل. وبالمثل كان أبناء المحافظات الجنوبية في مقدمة المدافعين عن الثورة السبتمبرية الخالدة حين داهمها خطر الفلول الملكية منذ عام 1962م وحتى حصار السبعينى يوماً عام 1967م، والذي أبلى فيه المناضل الوحدوي الأستاذ عمر الجاوي ابن لحج الخضيرة بلاءً حسناً في قيادة المقاومة الشعبية لفك الحصار عن صنعاء (حصار صنعاء، الجزء الأول، مركز الدراسات والبحوث اليمني).
ومع ذلك وباستقراء التاريخ القديم لليمن ومن خلال المصادر التاريخية المتعددة لمؤلفين أجانب وعرب ويمنيين قدماء، نجد أن الجميع لم يعرفوا جنوب الجزيرة العربية بأكملها إلا وطناً واحداً اسمه اليمن، يمتد من البحر الأحمر غرباً حتى الخليج العربي شرقاً، ويدخل في ذلك سلطنة عُمان التي سكنها الأزد اليمنيون، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي سكنها بطونٌ من قبائل يمنية متعددة على رأسهم حكامها اليوم آل نهيان السبئيون الماربيون.
وتحدثنا كتب التاريخ أن فتوحات الدولة اليمنية في عهد التُبّع أبي كرب أسعد الكامل وصلت إلى بلاد فارس والهند والصين، فيما ظلت معظم الجزيرة العربية تحت حكم السبئيين والحميريين، بما في ذلك مكة ويثرب، وكان أسعد الكامل أول من كسا الكعبة بإجماع المؤرخين، ولهذا لُقِّبَ بالكامل.
أما الجغرافيون الأوربيون منذ قرون ما قبل الميلاد فيؤكدون على تحديد بلاد العربية السعيدة بأنها كل الجزء الجنوبي لشبه جزيرة العرب بلا استثناء، بما في ذلك الجغرافي الشهير بطليموس.
اليمن تحكم مكة
لقد ظلت الدول اليمنية المتعاقبة تمد نفوذها حين قوتها على معظم شبه الجزيرة العربية، بدءاً من السبئيين والحميريين والمعينيين، وحتى الصليحيين والرسوليين.
ونعلم أنّ الملك علي بن محمد الصليحي قُتل (459هـ) وهو في طريقه إلى مكة ليشرف على الحج باعتباره والي أرض الحرمين. ويذكر العلامة العرشي في كتابه (بلوغ المرام) ط2، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء2014م بالقول: “لم يقع لأحد فيمن ملك اليمن ما وقع لعلي بن محمد الصليحي فإنه استولى على اليمن سهله وجبله وشماله وجنوبه وشرقه في مدة يسيرة بعد أن قهر ملوكه”.
ويقول المؤرخ الشهير حسين فيض الله الهمداني في كتابه (الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن) وزارة الثقافة، صنعاء2004م، ص106: “ولما تم له فتح مكة عاملَ الناس هناك بالحُسنى واستمالهم بما كان معه من أموال جليلة، ونشر العدل، فأدب القبائل التي كانت تتعدى على الحجاج، فطابت قلوب الناس هناك، ورخصت الأسعار، ولهجت الألسن بالدعاء له لما قام به من خدمات لحجاج المسلمين”.
ويقول أيضاً في الصفحة نفسها: “ولما دان له جميع اليمن، بنى في عاصمته صنعاء قصوراً وأسكنها الملوك والسلاطين تحت رعايته وفي ضيافته. ولما قام لأداء فريضة الحج سنة 459هـ أخذ معه هؤلاء الملوك. وهذا يدل من غير شك على مبلغ حرصه لإعلاء كلمة اليمن ورفع شأن اليمنيين في المؤتمر الإسلامي”.
وبعد ذلك كانت دولة بني رسول قد بدأت بالانسلاخ عن الدولة الأيوبية في مصر والاستقلال باليمن بحدوده الطبيعية الكبرى، بعد أن كان عمر بن علي بن رسول هو مندوب الدولة الأيوبية في اليمن على مكة واليمن بأسره، وحين آنس من نفسه قوة ولمس ضعف الدولة الأيوبية في مصر أعلن استقلاله باليمن (626هـ) بما في ذلك مكة، ودان بالولاء الشكلي للدولة العباسية في بغداد، رغم ضعفها الشديد كونها كانت تعيش عهد الضعف الذي سبق موتها، وكان ذلك فقط ليضفي على نفسه شرعية فعلية بارتباطه وولائه لعاصمة الخلافة الإسلامية الأولى، فيما لم يكن لهم أية صلة في اليمن التي حكمها آل رسول حكماً مستقلاً جعل منها محجة عظمى لكل العقول النيرة، وازدهرت في عهدهم مختلف العلوم، وأُلِّفت العديد من الكتب في شتى العلوم، وعلى رأس مؤلفيها وعلماؤها ملوك بني رسول الذين جمعوا بين المُلك والعلم، فأوجدوا بذلك دولة مثالية لا تزال آثارها الخالدة حتى اليوم تشهد على عظمة تلك الدولة.
ولا تزال آثارهم في مختلف مناطق اليمن من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه تشهد بوحدة اليمن التاريخية التي تجسدت في أبهى صورها إبان تلك الدولة.
ومما يدلل على امتداد دولة بني رسول إلى مكة ما جاء في كتاب تاريخ الدولة الرسولية تحقيق عبدالله الحبشي ص31: “جهّزَ مولانا السلطان المظفر (المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول نجل مؤسس الدولة والملك الثاني في قائمة ملوك آل رسول) الأميرَ المبارز بن برطاس إلى مكة المشرفة حرسها الله وذلك في شوال سنة 652هـ”.
طبعاً جهز الحملة في شوال لتصل في ذي القعدة للإشراف على الحج وليس للقتال، باعتبار مكة ضمن مناطق نفوذ الدولة الرسولية.
الوحدة السبئية
يقول الدكتورعبدالله أبو الغيث في ورقته ضمن كتاب (الوحدة اليمنية والألفية الثالثة) الصادر عن جامعة إب لأوراق الندوة المنعقدة خلال الفترة من13 إلى 15 مايو 2007م: إنه لايوجد في تاريخ اليمن القديم كله ما يضاهي تاريخ وحضارة سبأ، حيث عمت شهرة سبأ آفاق العالم القديم، وباتت صفة (سبئي) تطلق على كل أهل اليمن.
واستناداً إلى آثار سبأ وانتشارها نجد أنّ مُلك سبأ كان يمتد من مأرب ليشمل اليمن كله، إلى جانب المستوطنات السبئية في الحبشة وشمال غرب الجزيرة العربية على امتداد طرق التجارة الى فلسطين.
وعندما تنافس الحميريون مع سبأ حلَّوا بدلاً منها في أواخر القرن الثالث الميلادي، ونجد أنهم قد لُقِّبوا بلقب: «ملك سبأ وذي ريدان (وذو ريدان هو حمير)، أي إنهم عدوا أنفسهم أسرة جديدة حاكمة للدولة السبئية. وبعد أن تمكن (شمر يهرعش) من ضم حضرموت استطاع بذلك أن يُوحِّد اليمن كلها، وحملَ اللقب الملكي الطويل «ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة» ليصبح بذلك أول التبابعة إنطلاقاً من ذكر المصادر العربية التي تشير إلى أنّ التبع هو الملك الذي تمتد سيطرته الى حضرموت والشحر.
وقد تمكن خلفاء (شمر يهرعش) من المحافظة على تلك الوحدة التي تمت في عهده، بل إننا نجدهم خلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادي قد توسعوا ومدوا سيطرتهم نحو مناطق شمال الجزيرة العربية؛ حيث وصلوا الى نجد وسواحل الخليج العربي، كما يذكر ذلك نقش عبدان الكبير، وقد مهد ذلك للتبع (أسعد الكامل)«أبي كرب أسعد» أن يضيف الإضافة الأخيرة الى اللقب الملكي في مطلع القرن الخامس الميلادي، وأصبح يحمل اللقب الملكي الأطول في تاريخ اليمن القديم وهو «ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم طوداً وتهامة»، والمقصود بالطود وتهامة هي الجبال والسهول في منطقة شمال الجزيرة العربية، وكأنه أراد القول بأنه قد أصبح ملكاً للجزيرة العربية كلها وليس لجنوبها فقط.
وبذلك أصبح التبع الحميري حاكماً تلتجئ إليه كل قبائل الجزيرة العربية، وأصبح التبع للعرب بمثابة الخليفة للمسلمين، كما حدثتنا بذلك كتب أهل الأخبار العرب. وقد استمرت الأوضاع على ما كانت عليه في عهده حتى مطلع القرن السادس الميلادي حين بدأت الدولة بالضعف نتيجة الصراع الديني الذي شهدته إثر امتداد الديانتين اليهودية والمسيحية الى اليمن، حيث انتهى الزمن باحتلال الاحباش لليمن حتى طردَهم منها (سيف بن ذي يزن) بمساعدة الفرس، الذين سرعان ما دبروا مؤامرة لاغتياله، وجعلوا من اليمن ولاية فارسية حتى ظهور الإسلام. {الصحيح أنّ الذي قتله الفُرس هو ولده معدي كرب بن سيف بن ذي يزن}.
ويحذو حذوه في الكتاب نفسه الدكتور علي محمد الناشري في ورقته المعنونة بـ (الوحدة السبئية)، وهي بمجملها تؤكد بالأدلة التاريخية القاطعة ما كان لليمن من وحدة وتلاحم في عهد دولة سبأ العظيمة.
حدود اليمن الطبيعية
وهنا لابد أن نذكر حدود اليمن الطبيعية كما ورد في كتب التاريخ، ومن ذلك ما ذكره الهمداني في الصفة والإكليل: “حدود اليمن من وادي تثليث ووادي الدواسر في الشمال(هما اليوم في عداد مملكة بني سعود التي تحتل أجزاء كبيرة من اليمن الطبيعية بما في ذلك صحراء الربع الخالي الغنية بالنفط، وإقليم عسير وجيزان، ومنطقة نجران ووادي بيشة والطائف حتى مكة المكرمة عند الركن اليماني من الكعبة) إلى الليث ( يقع اليوم تحت سيطرة الاحتلال السعودي) على ساحل البحر الأحمر، وشرقاً إلى عُمان، وجنوباً إلى عدن، وأُلحق بها الجُزر المحاذية في البحر الأحمر كجزر فرسان الواقعة بالغرب من جيزان (كلاهما ترزح اليوم تحت الاحتلال السعودي جيزان وجزر فرسان) وجزيرة كمران الواقعة بالغرب من الصليف، وجزر دهلك الواقعة في الجنوب من البحر الأحمر وجزر زُقَر بغرب زبيد، وجزيرة بريم (ميّون) وجزر فاطمة المحاذية لها من الغرب عند باب المندب، كما ألحق بها جزر سقطرى وكوريا موريا الواقعة جنوب المهرة، وجزيرة مصيرة التي تسيطر عليها حالياً سلطنة عُمان”. (اليمن الكبرى، كتاب جغرافي جيولوجي تاريخي، حسين بن علي الويسي، ط2، مكتبة الإرشاد صنعاء1991م، ص20).
حد اليمن من وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعمان إلى عدن أبين وما يلي ذلك من التهائم والنجود واليمن تجمع ذلك كله “. “معجم البلدان” (5 /447).
أدلة أخرى
قال ابن خلدون في كتاب المبتدأ والخبر «ليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم».
وقال ابن منظور مؤلف معجم لسان العرب الشهير: «أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يعرب بن قحطان وهو أبو اليمن كلهم وهم العرب العاربة».
وولدَ زهيرُ بن أيمن بن هميسع بن حمْيَر عربياً، وأبين، وبهِ سُمّيَتْ عدن أبين. (كتاب نسب معد واليمن الكبير ص535) وهذا ما أكده الطيب بامخرمة في كتابه الشهير تاريخ ثغر عدن، مكتبة مدبولي، ط2، القاهرة1991م، ص4)
وذكر نشوان بن سعيد الحميري أن إرم ذات العماد التي ورد ذكرها في القرآن الكريم هي مدينة عظيمة وهي بتيه أبين باليمن، وكان بها من أعمدة البناء ما ليس في غيرها) فهل كان نشوان الحميري متعصباً لمنطقة معينة وهو الذي عاش قبل ثمانمائة سنة، وقبله لسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني مؤلف الإكليل وصفة جزيرة العرب، الذي يؤكد على أنساب اليمن ويعزوها لأصلها الذي تفاخر فيه كل قبيلة يمنية حتى اليوم، من المهرة بن حيدان إلى أبين بن الهميسع ويافع بن إلى قبائل وائلة في بلاد صعدة وقبائل ألمع وقحطان في عسير.
عدن تتبع صنعاء عام1801م
وهنا دليل قاطع على أنّ عدن كانت تتبع الدولة المركزية بصنعاء حين بدأت تحاول بريطانيا احتلالها عام 1801م، حيث لم تتمكن بعد ذلك عام 1839م من احتلالها إلا بعد ضعف المركز بصنعاء ((وقد وافقت حكومة الهند على طلب الإمام (ملك اليمن) فعيّنت في عام 1801م مقيماً بريطانياً كان بمثابة أول سفير لبريطانيا في اليمن. وبناءً على توصيات اللجنة السرية التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية كان الاقتراح الأول الذي تقدم به السفير البريطاني إلى عاهل اليمن هو عقد معاهدة تجارية تضمن امتيازات خاصة للشركة في استثمار ميناء عدن، إلا أن العاهل اليمني رفض العرض، ولكنه وعدَ في المقابل بتحريم استخدام المرافئ اليمنية من قبل السفن الفرنسبة، وذلك في محاولة منه لطمأنة البريطانيين من مخاوف المنافسة التجارية الفرنسية.)) (كتاب اليمن الجنوبي-علي الصراف، ط1، دار رياض الريس، لندن1992م ص28) وبالعودة لكتاب (مئة عام من تاريخ اليمن الحديث) للدكتور حسين عبدالله العمري يتضح أنَّ الذي كان يحكم آنذاك الإمام المنصور علي بن الإمام المهدي عباس.
وهكذا يتضح لنا أنّ عدن كانت تتبع الدولة اليمنية المركزية بصنعاء، حيث وأنه لم يكن يُسمى أي حاكم يمني بالإمام إلا من هو حاكم في صنعاء والمناطق الشمالية، فيما ساد وصف من يحكم في المناطق الجنوبية حينها بالسلاطين الذين هم عبارة عن مشائخ مناطق لا ملوك دول، بدليل أن بعضهم كان يتم تعيينه من إمام صنعاء، وحين تضعف الدولة المركزية بصنعاء يستقل بمنطقته، كما فعل السلاطين آل الفضلي في أبين، والذين تم تعيين جدهم الأول بواسطة الإمام المهدي عباس، وهم من آل فضل بمخلاف آنس محافظة ذمار كما نص على ذلك كتاب حوليات يمانية تحقيق عبدالله الحبشي، وكذلك آل العبدلي سلاطين لحج الذين عينهم الإمام المهدي عباس على لحج وبندر عدن، وهم من آل عبداللاه بأرحب. (حوليات يمانية، دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر، ط1، صنعاء1991م).
سبب تهميش العثمانيين لجنوب اليمن
يذكر الدكتور محمود السالمي في كتابه (اتحاد الجنوب العربي،ط1، جامعة عدن2010م) أن مبررات العثمانيين بعد احتلالهم لليمن سنة 1538م في عدم السيطرة المباشرة على المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن كثيرة، أبرزها أن تلك الجهات على الرغم من اتساعها إلا أنها أراضٍ قاحلة وصحراوية. ص17 ويقول أيضاً ص20: “وجّهَ الإمام إسماعيل بن القاسم ،في أوقات مختلفة، حملات عسكرية كبيرة بقيادة ابن أخيه أحمد بن الحسن، تمكن من خلالها من فرض سيطرة دولته على تلك المناطق. وعلى إثر ذلك أصبحت جميع أقاليم اليمن تقريباً خاضعة لسلطة الدولة القاسمية المركزية بصورة لم يستطع العثمانيون من قبل تحقيقها”.
ثم يذكر في هامش الصفحة نفسها عن تلك الحملات التالي: الحملة الأولى إلى عدن في سنة 1055هـ/1645م، والثانية إلى مأرب والجوف في 1058هـ/1648م، والثالثة إلى مناطق الشُعيب وما إليها التابعة لابن شعفل في1061هـ/1650م، والرابعة إلى البيضاء ويافع والمناطق المجاورة لهافي1065هـ/1655م، والحملة الأخيرة إلى حضرموت وظفار في 1067هـ/1657م.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يكتب مؤرخو حضرموت والمهرة وظفار” تتبع سلطنة عُمان حالياً” وأبين وشبوة ولحج ويافع والشُعيب والبيضاء ولحج وعدن وكل تلك المناطق بأنّ ما قام به الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم هو احتلال؟!!
الجواب ببساطة ماذكره المؤلف وهو الأستاذ بجامعة عدن، بأنها أقاليم اليمن وأصبحت خاضعة لسلطة الدولة المركزية.
العلّامة محمد علي عوض باحنّان في كتابه (جواهر تاريخ الأحقاف) الصادر عن دار المنهاج في جدة 2008م، يؤكد يمنية حضرموت والمهرة وسقطرى وظفار وكل المناطق الشرقية من خلال النسب الواحد، ولم يقل حتى مرة واحدة أن دولة يمنية احتلت دولة حضرمية أو جنوبية!! ويحذو حذوه المؤرخ المهري سعد بن سالم الجدحي في كتابه (تاريخ المهرة) ط1، دار المستقبل للطباعة والنشر2013م.
حاكم الشارقة يشهد بيمنية عدن
يقول الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة في كتابه الشهير (الاحتلال البريطاني لعدن) ط2، وزارة الثقافة اليمنية، صنعاء2010م، ص14-15: “كانت اليمنُ جزءاً من الدولة الإسلامية حتى ضعف حاله؛ فاستقلَّ في سنة 935م عن الدولة العباسية، ليتعاقب على حكمه أئمة اليمن، وكانت عدن جزءاً من تلك الإمامة، وكانت ميناء اليمن الوحيد الذي كان يستقبل السفن التجارية الكبيرة”.
أليس في ذلك ردَّاً مفحماً اليوم للاحتلال الإماراتي الذي يحتل عدن نفسها، وينعق بعض أبواقه كضاحي خلفان أن عدن والمحافظات الجنوبية ليست من اليمن!! وشهدَ شاهدٌ من أهلها.
شهادة أوروبية قديمة
ورد في تاريخ ديودرو الصقلي الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد وعاصر يوليوس قيصر وخلفه أغسطس ما يلي: “ويبقى أن السبئيين لا يتفوقون بما لديهم من ثروات ثمينة من شتى الأنواع على ما عداهم من جيرانهم العرب فحسب، بل وعلى كافة شعوب العالم أيضاً. وتمنحهم مبادلة البضائع وبيعها، وإن كانت في أدنى حجم ممكن، ربحاً أوفر من ذلك الذي يجنيه من تجارته غيرهم من التجار الذين يبادلون بضائعهم بالمال في مختلف الأسواق.
وبالتالي فقد نتج عن ذلك وعن كون أنه لم يسبق أبداً فيما تعيه ذاكرة الإنسان أن خضعوا لسيطرة أيٍّ كان، بسبب بُعد أماكنهم، خاصة بعد أن أصبح الذهب والفضة يغرقان، إذا جاز التعبير، البلد الذي يعيشون فيه، وبالذات مدينة سبأ المشيد فيها قصر الملك”. (بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية..
جمع وترجمة/ د.حميد العواضي، د.عبداللطيف الأدهم، صنعاء2001م)
خالد القاسمي ووحدة اليمن
يقول الباحث الإماراتي خالد بن محمد القاسمي: “تمثل العصور اليمنية القديمة أعظم وحدة اندماجية لشطري اليمن، بل والجزيرة العربية بأكملها، فقد اتحدت هذه الكتلة العربية بقيادة دول خلّد ذكرها التاريخ، فقد كانت ممالك معين وسبأ وحمير تمثل كُلٌّ منها وحدة عربية كبيرة ومتماسكة ودانت لهما ممالك ودول كثيرة وأصبحت حدود شطري اليمن تشمل البقاع الواسعة في الجزيرة العربية، وقد ذكر مؤرخو اليمن بأن حدودها في ذلك الحين كانت من مشارف مكة إلى جبال ظفار”. (دراسات في تاريخ اليمن والخليج، ط1، 1993م، ص10-9).. ويقول في كتابه (الوحدة المينية مسيرة وإنجاز) ص20-19: “قد يتساءل المرء عن سبب عدم تحقيق هذه الوحدة منذ استقلال الشطر الشمالي من اليمن عام1962م ، وخروج آخر جندي بريطاني في عدن عام 1967م. إلا أن الإجابة على ذلك توجب النظر إلى التجارب العربية الأخرى، والتي أخفقت خلالها الوحدة العربية ولم يُكتب لها النجاح، لابد من أخذ العبرة من تلك التجارب، لأن أي فشل في مشروع الوحدة اليمنية قد يقتل الشعور لدى اليمنيين وإلى الأبد، وأيضاً لابد من الأخذ بعين الاعتبار العوامل الداخلية والخارجية التي وقفت دون تحقيق الوحدة، فالتباين في وجهات النظر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الشطرين يحتاج إلى فترة طويلة لبلورته وللوصول إلى صيغة وحدوية في جميع الأُطر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
كما لا يفوتنا ذكر ما تعرضت له الثورة اليمنية من انتكاسات بدءاً من حصار1967م مروراً بالحروب بين الشطرين في 1972م و 1979م وانتهاءً بأحداث يناير في الشطر الجنوبي من اليمن عام 1986م”.
ترابط اليمنيين شمالاً وجنوبا
يقول الأستاذ محمد عبدالسلام منصور في مقدمة كتاب ثورة 14 أكتوبر: (إن أدبيات الثورة (يقصد ثورة 26سبتمبر 1962م) وبخاصة وثيقة الأهداف الستة التي أعلنتها من إذاعة صنعاء، قد أثبتت حقيقة أنها كأخواتها العربيات ثارت ضد استبداد محلي واحتلال أجنبي صادرا سيادة الشعب وثروة الوطن، وعملا على تعميق التخلف والإقليمية) (ثورة 14أكتوبر من الانطلاق حتى الاستقلال، راشد محمد ثابت، صنعاء2007م، ص9).
11فبراير 1934م تم توقيع اتفاقية بين الإمام يحيى حميدالدين وبريطانيا تم بموجبها رسم الحدود الشطرية بين مملكته في الشمال والمحميات الجنوبية التي تخضع لسيطرة بريطانيا. “ورغم هذا التقسيم الاستعماري على أرض الواقع، إلا أن وحدة اليمن أرضاً وشعباً ظلت لدى جماهير الشعب اليمني محفورة في الوجدان والذاكرة، يعبر عنها كلما أُتيحت له الفرصة” (الوحدة اليمنية والنظام الإقليمي العربي، د.سمير العبدلي،ط2، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء2010م، ص15).
في كتاب (ندوة الثورة اليمنية، الجزء الثالث المعنون بـ “واحدية الثورة” ط2، صنعاء2010م) يؤكد كل المشاركين فيه على أنّ ثورة 26سبتمبر لم تنطلق إلا وفي ذهنها اليمن بأسره، جنوباً وشمالاً، لهذا نصّت في أهدافها على ضرورة التحرر من الاستبداد والاستعمار على السواء.
ولأن المحافظات الشمالية لم تكن ترزح تحت الاحتلال فقد كان ذلك يؤكد أن الثوار الأحرار يقصدون به تحرير جنوب الوطن المحتل من بريطانيا. وهو ما أكدته التشكيلة الحكومية الأولى عقب الثورة السبتمبرية حين تم تعيين الرئيس المناضل قحطان محمد الشعبي وزيراً لشئون الجنوب اليمني المحتل. ورسخ ذلك التلاحم تواكب الآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية للاشتراك في الدفاع عن ثورة سبتمبر، ليمثلوا فيما بعد نواة تفجير الثورة الأكتوبرية ضد الاستعمار البريطاني، والتي أشعل فتيلها المناضل راجح بن غالب لبوزة الذي عاد من جبهات الدفاع عن ثورة سبتمبر ليفجر أولى شرارات ثورة 14 أكتوبر من جبال ردفان الشماء.
وبالمثل سارعَ الآلاف من أبناء المحافظات الشمالية للانخراط في ثورة 14 أكتوبر ليحرروا جزءاً غالياً من وطنهم الحبيب. وكانت محافظة إب ومحافظة تعز أبرز نقاط تجمع الثوار الأكتوبريين ومنطلقهم نحو جبهات القتال، ومصدر تمويلهم بالمال والسلاح والعتاد، كما أكد ذلك المناضل علي عنتر، والمناضل علي محمد السعيدي، والمناضل علي محمد القفيش، والمناضل حسين شرف الكبسي وآخرون.
وقد أكّدَ على مضمون ذلك التلاحم أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني الدكتور عبدالرحمن عمر السقاف في مقابلة أجريتها معه ونُشرت في صحيفتنا الثورة يوم 22مايو 2013م بقوله: (بتحقق الوحدة اليمنية عادَ اليمنيون إلى تاريخهم الخاص ولم يكن في الأمر غرابة. ويقول أيضاً: الجنوبيون تثقفوا على الانتماء إلى اليمن وعلى الوحدة،والدعوة لفك الارتباط ردّة فعل تعيد الاعتبار إليهم).
ضعف المركز يهيئ للانفصال
في كتابه (عدن في التاريخ بين الازدهار والانهيار من عهد الزريعيين إلى عهد الاشتراكيين) يؤكد الباحث الدكتور علوي عبدالله طاهر على أن عدن لم تنفصل عن الوطن الأم إلا حين كانت تضعف الدولة المركزية. بدءاً من عهد الزريعيين الذين انفصلوا بها بعد وفاة الملكة أروى وضعف الدولة الصليحية، وانتهاءً بالاشتراكيين الذين استغلوا ضعف المركز في صنعاء في 30نوفمبر1967م عقب جلاء آخر جندي بريطاني من عدن، وكانت حينذاك صنعاء ترزح تحت وطأة حصار السبعين الخانق من قبل فلول ومرتزقة الإمامة، والذي بدأ بـ28 نوفمبر، أي قبل الاستقلال عن بريطانيا بيومين، مما دفع بالجبهة القومية أنذاك (وهي التي تأسس منها فيما بعد الحزب الاشتراكي) لتعلن انفصال عدن والمحافظات الجنوبية كدولة مستقلة، مستغلين بذلك ضعف الدولة المركزية بصنعاء وانشغالها بمواجهة فلول ومرتزقة الملكية فيما سُميَ بحصار السبعين يوماً الذي امتد من 28نوفمبر 1967م حتى 8فبراير 1968م.
فيما الباحث أحمد محمد بن بريك في كتابه (اليمن والتنافس الدولي في البحر الأحمر، ص17-16) يقول إن المؤرخين على مر العصور قد اختلفوا فيما يتداوله مدلول اليمن وحدوده، فالرومان واليونان يعنون به شبه الجزيرة العربية تقريباً، أما أهل الأخبار فإن اليمن عندهم أرض واسعة ويحدها من الغرب البحر الأحمر ومن الجنوب البحر العربي ومن الشرق الخليج العربي، وتصل حدودها الشمالية إلى حدود مكة.
أدلة من التراث الإسلامي
قال الإمام النووي : حضرموت إسم لبلد باليمن . (تهذيب الاسماء 1 /1077) وقال أيضا: عدن مدينة معروفة مشهورة باليمن ، شرح النووي لصحيح مسلم ج18 /28.
وفي نهاية ابن الأثير: “عدن أبين مدينة معروفة باليمن أضيفت إلى أبين بوزن أبيض وهو رجل من حمير عدن بها أي أقام”. وفي القاموس: “عدن أبين
محركة جزيرة باليمن أقام بها، وعدن لاعة قرية بقربه”. (لوامع الأنوار لبهية وسواطع الأسرار الأثرية – العلامة العاشرة).
قَالَ أَبو عُبَيْدَة: الْأَقْيَال: مُلُوك بِالْيمن دون المَلِك الْأَعْظَم، واحدهم قَيْل يكون ملكاً على قومِه ومِخْلافه ومَحجَره.(تهذيب اللغة ج9 ص230).
قال التابعي الجليل المفسر مقاتل بن سليمان عند تفسير قول الله تعالى:
{إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ} [الأحقاف:21] “الأحقاف: الرمل باليمن في حضرموت” [تفسير مقاتل بن سليمان ص23].
وقال التابعي الجليل المفسر قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى عند تفسير الآية السابقة: “ذكر لنا أن عاداً كانوا حيَّاً باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشحر” [رواه الطبري].
أخرج ابن المنذر عن التابعي الجليل المفسر مجاهد رحمه الله تعالى في قوله: {بِالْأَحْقافِ} قال: “تلال من أرض اليمن” [الدر المنثور:7/ 449] للسيوطي.
وعن السدي: “أن عاداً قوم كانوا باليمن، بالأحقاف” [رواه الطبري].
قَالَ عبدالرحمن بْنُ زَيْدٍ بن أسلم رحمه الله تعالى: “رِمَالٌ مُشْرِقَةٌ بِالشِّحْرِ مِنَ الْيَمَنِ” [ذكره أبو حيان في البحرى المحيط].
ابن كثير: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ. ثم ذكر وفود العرب إليه، ومن ذلك: ” وِفَادَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ يَعْمَرَ الْحَضْرَمِيِّ أَبِي هُنَيْدٍ ، أَحَدِ مُلُوكِ الْيَمَنِ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “. (البداية والنهاية) (7 /330-231).
وختامُهُ شِعْرٌ
ونختم بهذه الأبيات للشاعر الكبير حسين أبو بكر المحضار، التي قالها عقب تحقيق الوحدة:
سـمـعت عن صنعا، ولما رأيتْ
رأيـت أكـثـر مـن سمـاعـي
الـفـن لـه فـيها عماره وبيتْ
والـحـب خـَصْبَتْ له المراعي
من حضرموت الخير بالبشر جيتْ
نـاشـر عـلـى الوحدة شراعي
الـلـي بها فوق السماك اعتليتْ
وازداد فـي الـنـاس ارتـفاعي
وهذان البيتان للشاعر عمر بن أبي ربيعة خير رد على دعاة الانفصال ومروجي الأكاذيب بوجود دولة جنوب، وقد قالهما في إحدى زياراته لأخواله في اليمن:
تقول عيسي وقد وافيت مبتهلاً
لحجاً وبانتْ ذرى الأعلامِ من عدنِ
أمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا؟
فقلت كلا ولكن منـتهــى الـيــمـــنِ