عبدالسلام فارع
في العام 75م وخلال العهد التشطيري البغيض كنت في زيارة لمدينة عدن الباسلة والحبيبة امتدت على مدى شهر كامل، شدتني خلالها عديد المحطات السياسية والاجتماعية والصرامة الإدارية المتناهية، إلا أن أهم ما شدني خلال تلك الزيارة التي ما زالت أهم تفاصيلها حاضرة حتى اللحظة ذلك المستوى الرياضي الراقي والمدهش في اَن واحد، حيث تزامنت الزيارة المذكورة بعد أن سبقتها عديد المنغصات المقززة والناجمة عن الإجراءات الإدارية المنفرة والعقيمة لكل من أراد التنقل بين ما كان يعرف بالشطرين مع إقامة عديد المواجهات الكروية بين فرق أندية المحافظة العريقة والرائدة بعد عملية الدمج التي اختصرت عدد الأندية من أكثر من 20 نادياً لتصبح سبعة أندية فقط.
التلال، الوحدة، شمسان، الجيش، الشرطة، الميناء، الشعلة، وكل نادٍ من الأندية المذكورة كان له أكثر من نجم يمثل المنتخبات الوطنية، وفي بعض المحطات والاستحقاقات الرياضية، كانت محافظة عدن أو ما يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً تشارك بمنتخبين مختلفين عربياً وأسيوياً في توقيت وزمن واحدين، وإبان الفترة المذكورة كانت رياضة كرة القدم فيما يعرف بشمال الوطن سابقاً تعيش أزهى مراحل النجومية والازدهار لوجود كوكبة من أبرز النجوم الذين لا يتسع المجال لذكرهم، وهوم موزعون على أندية صنعاء، تعز، الحديدة، إب، وكنت شخصياً أعرف الكثير من قدراتهم وإبداعاتهم وهي قدرات وإبداعات طالما أحببتها.
لكني وفي الزيارة المذكورة لعدن الثقافة والرياضة والفن والتوحد ذهلت إلى أبعد محطات الذهول حينما وطأت قدماي للوهلة الأولى ملعب الشهيد الحبيشي والذي كانت مدرجاته قد امتلأت بالجماهير الرياضية عند الساعة الثانية والنصف ظهراً، ولم يعد فيها متسعاً لموطئ قدم، حيث كان الملعب على موعد مع مواجهة تاريخية وحبية للفريق الصومالي الزائر هورسيد، والذي كان يعد من أشهر الأندية على المستوى الأفريقي يومها لعب هورسيد مع فريق الجيش ومن ثم مع نادي الوحدة في مواجهة لاحقة، وما أذهلني كثيراً هو ذلك الحضور للجماهير الصومالية، حيث شكل الجميع وبدرجة أساسية العنصر النسائي لوحة مميزة في مدرجات الملعب لمناصرة فريقهم هورسيد، والذي كان يدربه النجم اليمني الكبير والراحل الكابتن علي محسن المريسي.
أما المشهد الآخر الذي فتنت به كثيراً في ذلك اليوم فقد تمثل بحالات التسخين والتسديد على المرمى، وهي حالة نادرة لم يسبق لي أن شاهدت مثيلاً لها من قبل يومها عزف الفريقان أجمل السمفونيات الكروية في مباراة جماهيرية وتاريخية انتهت بتعادل هورسيد والجيش.
أما المباراة الثانية أمام فريق الوحدة بنجومه العمالقة علي بن علي -ناصر هادي- عبدالله الهرر، وباقي الكتيبة الوحداوية المتألقة فقد أحسست خلالها بأني أشاهد واحدة من مباريات الدوري الأوروبي واللندي تحديداً، وعقب المباراة اتجهت صوب المقر الخاص بنادي الوحدة في الشيخ عثمان بهدف الالتقاء ببعض النجوم الذين كانوا قد أسروني بتألقهم في تلك المباراة، وكانت ساحة المقر تعج بالجماهير المناصرة للفريق، إتجهت إلى إدارة النادي لكني فوجئت بحراسة لم أكن أتوقعها، وبعد أن عرّفت بنفسي بأني أحد كتاب صحيفة “الجمهورية” وبأني أريد محاورة بعض اللاعبين جوبهت بالمنع النهائي لاجتماع الهيئة الإدارية يومها لم تكن تجربتي الإعلامية تتجاوز العامين، لكني ببديهة سريعة ودون تردد طلبت من ذلك الشاب الذي جابهني بالمنع من الدخول بتسليم ورقة خاصة حددت فيها مطلبي من الدخول، حيث كان اللقاء يضم الجهازين الإداري والفني وأعضاء الفريق، ولم تمض أكثر من ساعتين حتى جاءني الرد بالموافقة من نجم الفريق عصام عبده عمر، وتم الحوار ونشرت المادة في اكتوبر من نفس العام، وبسبب تلك المقابلة وشريط حاصل لأبي بكر بلفقيه كان احتجازي مع الركاب في كرش لأكثر من ست ساعات، أما النجم عصام عبده عمر فما زال يحتفظ بصحيفة “الجمهورية” حتى اليوم، ومن لم يذق مرارة التشطير فإنه من الصعب جداً أن يعرف المعاني السامية للوحدة المباركة.
وكل عام ويمن الــ22 من مايو بألف خير ورخاء إن شاء الله.