مستشفيات الموت..
الطفل عبدالله انفجرت العملية وظلت بطنه مفتوحة لمدة أسبوعين
طبيب ينتحل صفة زميله ويقوم بعمليات فاشلة دون رقيب
كتبت/سامية صالح
حجز سرير في قسم الأطفال، بأحد المستشفيات الحكومية لطفل بين الحياة والموت، يحتاج إلى مباحثات خاصة ومشاورات ووساطات على أعلى مستوى.. والاهتمام بالطفل والقاء نظرة عليه، ولو جبر خاطر، يتطلب من والدي الطفل قدرات خارقة في اقناع واستعطاف المعنيين.. ومع طول بقاء الطفل على ذلك السرير المتهالك ما على الوالدين سوى كتم الغيظ والتمسك بالصبر الجميل وتعلم فن المداراة والاستسلام لإهانات هذا الطبيب القانط على الحياة والمتذمر من حظه العاثر الذي أوقعه للعمل في هذا المستشفى.. ومن لم يربه والداه يربه الممرضون، بل وحتى عمال النظافة فيدفع المريض ومرافقوه الضريبة باهضة من كرامتهم وجيوبهم في ذلك المستشفي كل ما هنالك بثمن إلا أرواح المرضى لا قيمة لها وحالات الوفاة نتيجة الاخطاء الطبية والاهمال المتعمد أكثر بكثير من حالات النجاة.. والموت هو الشيء الوحيد الذي يقدم هناك بالمجان..!!
لم تستطع والدة الطفل محمد أن تحبس دموعها وهي تتذكر معاناة صغيرها الذي أصيب بمرض “الاستسقاء الدماغي” وكقلب أي أم سارعت به إلى واحد من أكبر المستشفيات الحكومية بصنعاء أملاً في انقاذ حياته على يد ملائكة الرحمة ولم يخطر ببالها أنها ستؤدي به إلى التهلكة بأيدي أطباء عابثين فحين أجريت لطفلها عملية لزرع جهاز في الراس لسحب السوائل والنزيف من الدماغ متصلا بانبوب يصل من البطن إلى المثانة ساءت حالته كثيرا ولازمه البكاء وأصفر لونه وشحب وجهه ونزل وزنه بشكل مخيف وفي قسم الأطفال هناك، وجدت طفلها ليس الوحيد، فمن يعاني من مضاعفات هذه العمليات وراعها وفاة الأطفال هناك بكثرة وبدأ أملها يتلاشى حين أخبرها الطبيب أن وضع الأنبوب داخل البطن بشكل خاطئ قد اخترق الأمعاء ومزقها وحزق الخصية بسبب وجود طرف اسفل الأنبوب مدبب كالدبوس مما تسبب له بمضاعفات أكثر خطراً مما كان يعانيه وبالرغم من أن هذا الخطأ الجسيم تسبب به أحد الأطباء والذي لو حدث في أي بلد آخر لتسبب بطرده ومنعه من مزاولة المهنة بعد تغريمه أو حبسه.. لكن للأسف هذا الخطأ لم يحرك ساكنا في إدارة المستشفى فقد اعتادوا على مثل هذه التجاوزات التي تودي بحياة المرضى في ظل غياب القوانين وضياع حقوق المرضى معها.. ولم تحرك حالة الطفل السيئة أي مشاعر، للأسف، ووجع الضمير ومحاسبة الجاني على عبثه، والأدهى من ذلك اللامبالاة والبرود تجاه التعامل مع مرضى يئنون ويتواجعون وعدم تفقد حالات المرضى بشكل منتظم فقد تنتهي المغذية وتبدأ بسحب الدم ومرافق المريض يركض هنا وهناك ويناشد الممرضيين بسرعة ازالة المغذية ولا حياة لمن تنادي ليتطوع بعدها أحد المرافقين ممن لديه خبرة في ازالتها. وفي منتصف اليوم يمر الممرض ليلقي نظرة من طرف عينه ولا أحد يستطيع مناقشته في سبب تأخره فقد سئم الممرض من طول بقاء المريض بالمستشفى وأصبح حالة كحال أي قطعة قماش أو كرسي لا قيمة له عندهم.. وظلت حالة الطفل محمد من سيئ إلى أسوأ إلى أن توفاه الله واستراح من هذا العذاب الذي لا يطيقه بشر ليترك سريره لضحية أخرى يحصدها منجل الاهمال بدم بارد.
عملية فاشلة
الضحية الثانية طفلة، غابت ملامحها الجميلة وبهت بريق عينيها وضعها قدرها البائس تحت رحمة طبيب ليس له من اسمه سوى الروب الذي يرتديه. وكغيرها من مرضى الاستسقاء الدماغي في ذلك القسم البغيض لم تزدها هذه العملية إلا معاناة بعد أن اخترق طرف الأنبوب المدبب دبرها لتتوفي سريعا لتلحق بمن سبقها. وقليل جداً من ذلك القسم من كتبت لهم النجاة ليس لصعوبة العملية أو خطورتها أنما بسبب الاهمال والاستهتار وترفع الأطباء ذوي الخبرة والكفاءة عن مثل هذه العمليات التي يرونها بسيطة ليتركوا المجال لمن هب ودب للتجربة..!!
الضحية الثالثة
ظل الطفل عبدالله المصاب بمرض الاستسقاء الدماغي ملقى وهو في حالة غيبوبة لمدة ثلاثة أيام في الطوارئ في أكبر مستشفى حكومي بصنعاء ورغم توسلات والديه للأطباء للكشف عليه إلا أن ذلك لم يحرك فيهم ساكنا إلى أن بعث الله الرحمة في قلب أحدهم في اليوم الرابع وطلب اشعته المقطعية ليشخص الحالة.. نزل والد الطفل مسرعا يستجعل موظف الاشعة لكنه بكل برود قال له (تعالى غدا) نزلت بعدها الأم وهي تضرب الباب بعنف وتتوسل اليه باكية بأن ينقذ حياة طفلها ويسلمهم الأشعة فوراً وبقدرة قادر أخرجها من الدرج وقال لها تفضلي إنها جاهزة من الصباح فأخذتها وسط ذهول الأب من هذه التصرفات اللامسئولة وغير المبررة وبعد أن اطلع رئيس قسم المخ والاعصاب وقع في الكشوفات وفي ملف الطفل الطبي بأنه من سيجري العملية فاستبشر الوالدان خيراً واطمأنا لسمعته الممتازة وخبرته في مثل هذه العمليات وبعد اسبوعين من اجراء العملية ووضع الجهاز في دماغ الطفل والتأكد من عدم عودة السوائل إلى الدماغ سرعان ما أصيب بمضاعفات خطيرة وتورم جسده الصغير ليصبح كالبالونة وبعد عمل الأشعة المقطعية تبين أن الجهاز حينما كان في رأسه وضع بشكل خاطئ. جن جنون الأب وهو يرى ابنه يصارع الموت فأخبره الطبيب بلامبالاة بأنه لم يجر لطفلة العملية من قام بها طبيب آخر ليس مسجلا في الكشوفات وتعهد بأن يصحح الخطأ، فادخل الطفل مرة أخرى إلى غرفة العمليات وفتح رأسه وعدل وضعية الجهاز وتحس لمدة شهرين لكنه أصيب بعدها بحمى شديدة لدرجة أن الجهاز تصلب وانتفخ داخل راسه، فنقل إلى مستشفى آخر علهم يجدون لديهم الاهتمام والرعاية المفقودة بالمستشفى الأول لكن للأسف خابت توقعاتهم وبعد عمل الأشعة في بطنه تبين أن الانبوب كان معطوفا مما سبب انسداداً واحتباسا لخروج السوائل فقرر الطبيب اجراء عملية له هذه المرة ببطن الطفل المسكين والذي لا حول له ولا قوة.. ولم يمكث كثيرا في غرفة العمليات كما هو المتوقع وحين خرج تفحص والداه مكان العملية ولفت نظرهما العشوائية في الخياط الذي رتق به العملية واستغربا أن يكون هذا خياط طبيب متمرس ومما زاد من شكهما وحيرتهما خروج الطفل وهو في سكرات الموت ولم يذق طعم النوم لليلتين بأكملها ووصلت حالته إلى حد لا يرجى منها الشفاء ولم يعد يتبول وإذا بالعملية التي أجراها الطبيب تنفجر وتثقب البطن ليخرج منها البراز والصديد بكمية كبيرة ثم تبين لهم أن رأس الأنبوب قد كون سائلا أحيط بغشاء ضغط على المثانة وكانت السبب في عدم قدرته على التبول إلا بالقسطرة ويرجع السبب الجسيم في هذه المشكلة للدكتور المنحل صفة رئيس قسم المخ والاعصاب وتتجلى فداحة هذا الأمر عندما يعلم الأب أن أسفل الأنبوب مدبب، ومع حركة الطفل قد مزقت أمعاؤه وقطعتها حتى تقيحت وانفجرت ولا أحد من الأطباء يتحمل المسئولية، تهربوا ولم يردوا الرد على اسئلتنا، وتعللوا بانشغالاتهم، ليظل الصغير يصارع الموت وانينه يذبح والديه اللذين وقفا عاجزين عن التخفيف عنه. وبقيت بطنه مفتوحة بعد أن انفجرت العملية لمدة أحدى عشر يوما والبراز يخرج من بطنه. لم يأت خلال هذه الفترة طبيب واحد أو حتى ممرض لتفقد حالته وتنصل الجميع من المسئولية واضطر الوالدان، فترة الأسبوعين مع قلة خبرتهما في مجال التمريض، إلى تنظيف الثقب حتى تقرر ادخاله العمليات لاصلاح ما أفسده الأطباء لكن هذه المرة تم استئصال الأمعاء التي تمزقت بسبب ذلك الأنبوب.. ليتوفاه الله باليوم الثاني من العملية تاركا حسرة في قبل والديه ولعنات تلاحق كل من تسبب في وفاته…!!