مجمعات الخبرة الأمريكية وخفايا ما وراء الكواليس

هشام الهبيشان
* في مطلع عام 2014سربت منظمة أمريكية، يطلق عليها (مجمعات الخبرة الأمريكية)، وثيقة في غاية الخطورة تتناول حقيقة ما سمي بالربيع العربي، فحسب “لجنة فالمي” الفرنسية التي نشرت على موقعها ما تناولته المنظمة الامريكية بخصوص الربيع العربي الذي اعتبرته حركة بعيدة كل البعد عن عفوية الشعوب العربية المتعطشة للتغيير السياسي ببلدانها، بل على العكس من ذلك هي خطة أمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مشروع مدروس بروية وتعمد من طرف الإدارة الأمريكية والتي كان رائدها “روبرت فورد” رئيس الفريق الاستخباراتي المكلف بالمنطقة العربية حسب وصف المنظمة.
فالتقرير الذي سربته المنظمة يستند على تقرير رسمي للحكومة الأمريكية حول حقيقة ما يجري بالوطن العربي، فقد بينت مواد التقرير تورط البيت الأبيض في الثورات العربية التي عصفت بعدة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث أن الوثيقة المذكورة، المؤرخة بتاريخ 22 أكتوبر 2010م، أطلق عليها (مبادرة الربيع العربي بالشرق الأوسط، نظرة عامة) وهي وثيقة سرية تم الوصول إليها من طرف المنظمة بفضل قانون حرية المعلومات، فالولايات المتحدة الأمريكية، حسب هذه الوثيقة، وضعت في مخططاتها الداخلية العديد من الاستراتيجيات لقلب وزعزعة الأنظمة في البلدان المستهدفة بالاعتماد على (المجتمع المدني) بعدما مهدت لذلك الأرضية عبر عدة أعمال جوهرية مستندة بالخصوص على عمل المنظمات غير الحكومية.
فالمقاربة الأمريكية اعتمدت واستعملت هذه المنظمات غير الحكومية بشكل يتماشى مع السياسة الخارجية الأمريكية وأهدافه، خاصة فيما يخص بالأمن الداخلي؛ فـ(مبادرة الشراكة الشرق أوسطية) تضم برنامجا إقليميا يعزز مكانة مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل تطوير مجتمعات تعددية وتشاركية ومنماة.
ويتضح من الأرقام الواردة في هذا التقييم، حسب نفس المصدر، أن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية تطورت منذ إطلاقها في عام 2002 لتصبح أداة مرنة في المنطقة لتقديم الدعم المباشر يتم دمجها في هذه المجتمعات المدنية الأصلية المدفوعة من قبل دبلوماسية الحكومة الأميركية في المنطقة، فهذا الدعم يستساغ من خلال قراءة محتوى تقرير وزارة الخارجية الذي يستخدم ويتداول اللغة الدبلوماسية بدقة لإخفاء طبيعة هذه الهيمنة التي جاءت بها المبادرة.
فقد حدد القسم المعنون (كيف تعمل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية) بوضوح أن الأهداف الرئيسية للمبادرة هو (بناء شبكات من الإصلاحيين الذين يتبادلون معارفهم ويساعد بعضهم البعض من أجل تحفيز التغيير في المنطقة)، حسب ما جاء في الوثيقة.
فالإدارة الأمريكية بقيادة أوباما لم تبخل بمنح الإمكانيات اللازمة لإنجاح التدخل في الشؤون الداخلية للدول المشمولة بالمبادرة الأمريكية، فهذه المنح المحلية “تقدم الدعم المباشر لمجموعات من السكان المحليين، والتي تمثل ما يناهز نصف تقديرات مشاريع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” حسب ما أشار التقرير.
وقد أثبت التقرير أن هناك مخصصات مالية للعملاء في مختلف السفارات الأمريكية لإدارة التمويل، إذ ترتبط مع مختلف المنظمات غير الحكومية وجماعات داخل المجتمع المدني تستفيد من هذه المنح، كما أن المشاريع الخاصة بكل بلد مصممة لتلبية احتياجات التنمية المحلية كما حددتها السفارات والإصلاحيون المحليون والتحليل الميداني الخاص بناء على التطورات السياسية.
فالبرنامج الأمريكي حدد لكل بلد قدراتها وتحدياته الجديدة لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية بالمنطقة، بحيث تضمن المبادرة (تحويل الأموال) لتلبية هذه الاحتياجات وفق نفس الوثيقة التي صممت لإعادة صياغة المؤسسات المحلية وحكومات المنطقة، وبالفعل، أكدت الوثيقة، وجود مبادرة (للشراكة الشرق أوسطية) متمحورة بالأساس حول دعم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني بهذه الدول من قبل المنظمات غير الحكومية التي مقرها في الولايات المتحدة ودول المنطقة؛ فـ“مبادرة الشراكة الشرق أوسطية لا توفر الأموال لهذه الحكومات الأجنبية أو كانت محل تفاوض معها وفق اتفاقات المساعدات الثنائية بل كانت ذات صبغة سرية وفق نفس التقرير.
ختاما ، تقدم الوثيقة قائمة البلدان ذات الأولوية التي يستهدفها البرنامج وفق دوافع خفية للمؤسسة الأميركية، ويتعلق الأمر بدول اليمن تونس ومصر والبحرين وليبيا وسورية وقد أقر هذا التقرير من طرف وزارة الخارجية الإدارة الأمريكية التي يرأسها أوباما لإعادة تشكيل (الشرق الأوسط الكبير) وفق الرؤية الأمريكية، حيث أنشئ مكتب خاص للمنسق الخاص الذي يرعى تحولات الشرق الأوسط منذ سبتمبر 2011م ، والتي عين على رأسها وليام تايلور، وهذا الدبلوماسي يعرف الكثير عن صياغة الثورات، إذ كان سفيرا للولايات المتحدة في أوكرانيا إبان “الثورة البرتقالية” في الفترة بين 2009-2006 ووفقا للتقرير نفسه ستقوم وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب المنسق الخاص للانتقالات بتنسيق مختلف المساعدات الأمريكية الموجهة لـ (الديمقراطيات الناشئة) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك سورية ومصر وتونس وليبيا واليمن.

قد يعجبك ايضا