بن سلمان يقامر بآخر أوراق القوة السعودية
ملك التنمية الأسطورية المقبل يغطي على الفشل في اليمن..
عبدالحسين شبيب
يمكن الاستنتاج بسرعة من إطلاق ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤية المملكة للعام 2030م أن الصراع على العرش قد دخل طورا جديدا من خلال الرهان على الحصان الاقتصادي بعد فشل الرهان على الحصان العسكري.
يوم الاثنين 25 ابريل كان يوم بن سلمان فقط وبامتياز حيث تصدر المشهد في عملية التسويق الإعلامي، وصادر بصفته رئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية كل المؤسسات والوزارات والهيئات والخبرات. بلغ الأمر ذروته في المقابلة المعدة بعناية على قناة “العربية” السعودية بالتواطؤ مع المقدم تركي الدخيل، وأيضا في اللقاء المسجل والمعد له بعناية مع نخبة الخبراء والمستشارين والإعلاميين في المجالات الاقتصادية والتنموية والتي صممت اسئلتها، كما أسئلة المقابلة، لتنتج صورة جديدة لـ”الملك الواعد للسعودية الملم بأدق التفاصيل المالية والاقتصادية”. جلب بن سلمان بالجملة كل أفكار التنمية الاقتصادية التي نفذت في جميع دول العالم وقدمها رزمة واحدة إلى المواطن السعودي حتى يعرف الأخير أي ملك جديد من جيل الأحفاد سيقدم له “فروض الطاعة والإجلال” بعد انتهاء عهد أبناء عبدالعزيز.
اليمن، بن سلمان، السعودية
المتمعن جيداً في طرح محمد بن سلمان نفسه كقائد جديد في مجال وعود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وطبعًا التعليمية يدرك ان مجال السباق على العرش بات في مكان آخر غير الحرب على اليمن التي تصدر بن سلمان قيادتها وصادر أدوار أبناء عمومته مثل محمد بن نايف ومتعب بن عبدالعزيز حين وضع جميع القوات العسكرية والأمنية تحت سيطرته منذ بدء عاصفة الحزم.
فرص وزير الدفاع تراجعت بعد اخفاق الحرب وبعدما خطف محمد بن نايف زمام الأمور منه عندما قاد بنفسه عملية تواصل مباشرة مع أنصار الله لكي يبدأ مساراً للتهدئة على طول الحدود السعودية – اليمنية يوقف مسلسل الانهيارات العسكرية المتتالية على الجبهة التي كان يفترض ان تشهد تقدماً للجيش السعودي نحو اليمن فإذا بالجيش اليمني واللجان الشعبية يتقدمون في مساحات ومسافات طويلة داخل الحدود السعودية. تم الأمر دون علم بن سلمان الذي اعتبر ان ابن عمه يحاول التسلق إلى العرش على انقاض اخفاقه في اليمن فبدأ يتحدث عن وجود وفد من أنصار الله في الرياض، كأنه يوجه لهم دعوة رسمية لزيارتها والتباحث معه مباشرة في الأمر وليس فقط مع وزير الداخلية. لكن يبدو في الخلاصة أن مسار الاحداث ينبئ بأن حرب اليمن صارت عبئاً على بن سلمان بدرجة أولى، لذلك لا بد من القفز مباشرة إلى مجال آخر، عبر دغدغة أحلام السعوديين بخطة تنموية. هكذا يظن من يستمع الى مشاريع الخطة أن السعودية قد تصبح أهم من المملكة البريطانية المتحدة، وربما تتجاوز الولايات المتحدة عندما تطبق نظرية الـ”غرين كارت” (بطاقة الإقامة الأمريكية الشهيرة) التي تجعل من المغتربين المقيمين نصف مواطنين امريكيين. قال بن سلمان انه يريد ان يشجع المغتربين في السعودية على إبقاء أموالهم فيها ويؤسسوا حياة مستمرة داخلها ولا يعودوا إلى اوطانهم ابدًا.
أحلام السيطرة بالقوة التي راودت بن سلمان في حرب اليمن استحضرها في المجال الاقتصادي هذه المرة. فهو يريد ان يؤسس لصندوق استثماري يستحوذ على عشرة في المئة من حجم الاستثمار العالمي (رقم خيالي)، وأيضا يريد ان تصبح السعودية فقط بعد أربع سنوات (عام 2020م) دولة لا تعتمد على النفط في دخلها القومي، بل يصبح النفط احد الموارد المالية، مذكرا بأن اجداده عندما اسسوا المملكة وقادوها لم يكن هناك نفط. كلام كثير استحضر فيه بن سلمان ارقاما دقيقة ومشاريع “فوق استراتيجية” منها تحويل المملكة التي هي ثالث منفق على شراء السلاح في العالم الى دولة مصنعة للسلاح! وهو أمر ابدى بن سلمان تعجبه منه: كيف ان بلاده ليس فيها مصانع سلاح حتى الآن؟. طبعاً لم ينس بن سلمان ان يصوب على خصومه في السباق على العرش عندما حملهم -ضمناً- مسؤولية بناء قواعد عسكرية في البلاد “تشطيب خمس نجوم” (أراضيها رخام غرانيت) فيما القواعد العسكرية التي زارها في الولايات المتحدة أرضها من الاسمنت العادي التي تعكس طبيعة الحياة العسكرية، ومع ذلك كانت نتائج الجيش السعودي بائسة في اليمن.
لكن الأخطر في وعود بن سلمان انه سيفتح باب المواجهة على مصراعيه مع أبناء عمومته وأبنائهم لكي يصطدم الأمراء مباشرة مع الشعب عندما يريدون الاعتراض على سياساته التقشفية التي سيطبقها على نفسه، فيتوقف الدعم على استهلاك الطاقة والمياه وغيرها في القصور والمزارع والشقق العائدة لأمير واحد مثلاً يتلقى الخدمات بأسعار مخفّضة وربما مجانية فيما العبء يقع على عاتق الشعب المسكين (بما فيه تركي الدخيل الذي مازح الأمير بأنه ليس ثريًا فتوعده بكشف أوراقه على التلفزيون ان اصر). هذا مؤشر واضح على ان طبقة المتضررين من بن سلمان ستتوسع من خلال هذه الإجراءات التي ستستهدفهم، حيث سيشعر آلاف الأمراء ان هذا “الشاب الطموح” يريد ان يسير فوق ثرواتهم ومكاسبهم لكي يبقي حظوظه بالعرش مرتفعة، وهذا الاستهداف لشريحة الأمراء سيفتح الباب امام نمط جديد من الصراعات داخل العائلة الحاكمة.
إذاً الملك المقبل يحمل “رؤية استثمارية” في المال -بعد الاستثمار في الحروب- ستقلب المملكة رأساً على عقب في خمسة عشر عاماً فقط، حتى لو ان سعر النفط هوى إلى ادنى مستوى، وحتى لو صادرت المحاكم الأمريكية الأصول السعودية في الولايات المتحدة المقدرة بسبعمائة وخمسين مليار دولار. المفارقة أن محمد بن سلمان وعد السعوديين بمملكة جديدة كأن الطريق مفتوحة أمامه، وكأنه لا يوجد أي تحديات بعد الهزيمة في اليمن وسوريا والعراق، وكأن موقع المملكة لا يزال هو نفسه لدى الولايات المتحدة وفي الغرب مع بروز الخطر التكفيري ومع تصويب الغرب بمجمله على السعودية كمنتج أول – ليس للنفط فقط- بل للظاهرة التكفيرية بجميع مسمياتها من قاعدة و”داعش” ونصرة وأنصار شريعة وجيوش إسلامية وغيرها ممن غزت أو تتهيأ لغزوات في أوروبا وأمريكا وفي اي مكان فُتحت فيه مدارس وصوامع تدرس الفكر الوهابي، وتنشر التطرف والتكفير بأموال ومدرسين واشراف سعوديين.
باختصار بن سلمان يحاول التغطية على الهزيمة في اليمن عبر المقامرة بما تبقى من قيمة لابرز أوراق القوة المالية في المملكة التي قيل دائما أنها تساوي شركة “أرامكو”، وهذه متى ما تم تخصيصها ولو تباعا ودخلت في لعبة أسواق الأسهم العالمية فإن ذلك قد يفتح طرقا نحو الفشل في الحروب الاقتصادية بعدما فشلت قيادة المملكة في الحروب العسكرية والأمنية.
* نقلاً عن موقع العهد