العدوان على اليمن الأبعاد والتداعيات (9)
عبدالله عبدالرحمن الكبسي
ثانياً: على المستوى الإقليمي العربي والإسلامي:
لقد حرص النظام السعودي وربما بمشورة أمريكية لا ينقصها الدعم المعنوي الناعم، والتسهيلات الدبلوماسية الضاغظة – على تكوين – اصطفاف عربي – مؤازر ومؤيد لعدوانه على اليمن، والسعي الحثيث وبشتى الوسائل والأساليب الجاذبة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الدول العربية للانخراط في مغامرته العسكرية ودعمها – مادياً وعسكرياً – بأي مقدار وعلى أي مستوى ممكن من أنواع الدعم والمؤازرة، متوخياً بذلك: أن يصل سريعاً جداً، وعبر ما قد أعده سلفاً من وسائل العدوان والكم المهول والخرافي للنيران التي تم إلقاؤها على الأهداف المختلفة منذ اللحظة الأولى – إلى إحداث صدمة عنيفة – نفسية وذهنية – عارمة في أوساط الشعب والجيش اليمني المأخوذ على حين غرة، وبما يضاعف من حالة الذهول والارتباك لدى الأخير ويعمل على شلِّ قدرته نهائياً على الصمود والمقاومة، مستفيداً في الوقت نفسه وأعني نظام العدوان السعودي من ذلك الغطاء العربي الأثيم في اصطناع المبررات الكاذبة والملفقة لهذا العدوان وتضليل الشعوب عن مقاصده الفاجرة .. هذا من جهة.
ومن أخرى فإن حرص النظام السعودي الواضح على جمع تلك- التوليفة البائسة من أنظمة – الخزي والرذالة – وشن العدوان على اليمن باسمها وتحت يافطتها، وبقدر ما استبطن الحاجة إلى إشراكها قسرياً في المسؤولية – القانونية والأخلاقية – عن العدوان وإرغامها على الصمت والتغاضي المشين عن جرائمه المروعة، كما هو حاصل بالفعل.
فإنه إلى ذلك وبالمزيد عليه قد أراد حتماً أن يُضَمِّنَ ذلك الحشد المأجور معنىً ردعياً يداري به هواجسه المظنونة إزاء الاحتمالات غير المحسوبة.
على أنما جهلته دول التحالف – الإعرابي – بداية، أو بعضها على الأقل، وقد علمته الإدارة الأمريكية وأرادته حتماً وتماماً، مثلما عمل ويعمل عليه – آل سعود – من مخاطر عدوانهم وانعكاساته السيئة على الساحة الإقليمية – إنما يتمثل عند التعيين والتحديد في النقاط التي سنحاول إيجازها هنا قدر الإمكان، وكمايلي:؟
1- زرع بذور – البغضاء والكراهية – بين شعوب الأمة الواحدة، وتمزيق أواصر الإخوة وحقائق الانتماء الجامعة بين أبنائها، بما تستدعيه المواقف المغايرة لمقتضاها وثوابتها من أسباب – الفرقة والتباعد – وبما تعمل عليه السياسيات الغبية للأنظمة من إيجاد الشروخ والتصدعات الشنيعة في الذهنية العربية البسيطة، خدمة لمصالحها النفعية وأهدافها الأنانية الضيقة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالحروب العدوانية وتداعياتها المتمادية سوءً وتأثيراً في الأنفس والمشاعر على سواء .
وهنا نتساءل قائلين بكل بواعث الأسف، ومبررات الدهشة والاستغراب: لماذا عمدت السلطات المصرية إلى أذيَّة اليمنيين العالقين في القاهرة وجلهم من – المرضى الذاهبين للعلاج – ومضاعفة معاناتهم الإنسانية، ضاربة عرض الحائط بدواعي المروءة وحقوق الإخوة الواجبة – شرعاً وأخلاقاً – وبخاصة في حال “الانقطاع والتحير” إن كان لا يزال يذكرها من يُدعى هناك – بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر – وكل ذلك إرضاءً لأجلاف الرياض من بني سعود، واستدارا لأموالهم القذرة، ودعك من شرعية الإفك والخيانة الغارقة في آثامها وعمالتها حتى – ما لا حتى لها بعد تحدها، ولا مدى تنتهي إليه.
ثم ألم يكن بوسع تلكم السلطات حفظاً لما لا غنى لها عن حفظه أن تقوم لأولئك العالقين المقهورين، وقد منعوا من العودة إلى ديارهم، وأُقفلت في وجوههم – شبابيك التحويلات المالية، وبخاصة منهم الذين كانت قد نفذت أموالهم ولم يعودوا يمتلكون منها ما يفي لهم بأجرة السكن وتكاليف المعيشة البسيطة، نقول: ألم يكن بوسعها أن تقوم لهم بواجب الضيافة الاضطرارية، وإن في الحدود التي تقوم لهم بالأود وتصون لهم شيئاً من الكرامة بدلاً من مطاردتهم في الحدائق العامة ومعاملتهم كالمنبوذين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
2- وكما أن البدايات الخاطئة غالباً ما يستتبعها أشباهها وأمثالها من الأخطاء وتستدعيها بالضرورة والاستخذاء لتلك البدايات المضللة والانسجام مع ملحوظها المدلس إمعانا في مغالطة النفس عنه وصرف الأنظار عن حقائقه الكاشفة تجاه من يهمه تفسير التصرفات الخاطئة للأنظمة ومعرفة خلفياتها ومبرداتها وبخاصة الرأي العام – المحلي أولا والعربي والعالمي ثانيا – وهذا بالضبط ما انتهى إليه الموقف المصري في تدحرجه الميكانيكي المريع – فعلا وتبريرا – وهكذا وكمثال على ذلك فإن السلطات المصرية وقد قررت إرسال بعض جنودها وبوارجها لحصار الشعب اليمني والمشاركة في العدوان الواقع عليه من تسعة أشهر تباعاً استجابة لآل سعود ومن خلفهم من قوى الاستكبار العالمي
لم تجد لها بداً من أن تبرر فعلها هذا بكونه – واجباً, وربما أضافوا ضرورة أيضاً لحماية الأمن القومي المصري والعربي .
اي والله – الأمن القومي المصري والعربي – وممن يا ترى؟ من اليمن العربي المسلم وليس من أحد سواه أو : بحسبهم من – مليشيات الحوثي وجيش المخلوع صالح – لكأن مصر – السيسي- قد فرغت من كل مشاكلها وأوجاعها واستراحت من كل خطر يتهدد أمنها القومي – المصري – إلا من مليشيات الحوثي وصالح – ونقول: وعلى فرض صحة ما لا يصح – (المصري) وليس – العربي – المكذوب والمفترى عليه في ظل استكلاب المصالح الأنانية ورواج قيم القطرية والنفاق السياسي والأخلاقي المستحكم في عالمنا اليوم، وإلى الحد الذي أضحت معه المصالح العليا للأمة وقضاياها المركزية مجرد بضاعة مزجاة ومقولات جوفاء لا معنى لها مثلها في ذلك مثل – الجامعة الإعرابية – وأمينها العام منقلب الصفتين واللامين نبيل العربي الذي لم يعدله من عمل غير تعديد مكاسب الوظيفة وترقب الفرص بغية تحبير التعازي الحزينة جداً لأمراء النفط في قتلاهم على أرض اليمن ولله في خلقه شؤون فهذا ما يمكن قوله الآن من التأثيرات السالبة للعدوان وتعلقاته السيئة بالشقيقة الكبرى مصر العربية .
على أنما قيل هنا عن مصر العروبة يمكن أن يقال عن السودان الشقيق الذي أتحفنا رئيسه – البشير – اليوم بإرسال كتائبه من مليشيات الجنجويد والجيش السوداني لتحرير اليمن من أبنائه الشرفاء متناسيا جنابة ما بين الشعبين الشقيقين اليمني والسوداني من الصلات والروابط الحميمة ومتجاهلا كذلك وبطريقة تنسف عنه – هالة الشرف والبطولة – التي ارتسمت له سابقا في أذهان الكثير من أبناء اليمن – إنه إنما أراد ويريد بموقفه هذا أن يرمم علاقاته بالمتآمرين على شعبه وأمنه من قوى الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا وأذنابها من أعراب العمالة والنفاق الذين يعرفهم البشير نفسه حق المعرفة, حتى وإن جاء ذلك وتأتى له على حساب استقلال اليمن ودماء أبنائه .
3- كنا أشرنا فيما سبق إلى أن -آل سعود- قد حرصوا ومنذ بداية عدوانهم اللئيم, وربما من قبل المباشرة به على توفير غطاء عربي وإسلامي لهذا العدوان رغم إعتدادهم الشديد بما كانوا قد أعدوه ووفروه سلفاً من وسائل الحرب والعدوان وثقتهم الكبيرة بقدرتهم على حسم المعركة وتحقيق أهدافها في أسرع وقت ممكن.
وكان المعتقد بداية وعلى نطاق واسع أن مرد ذلك الحرص المبذول فيه أغلى الأثمان وأجزلها إنما يرجع في بعض مناحيه وأوجه توخياته المغرورة إلى هوس سعودي في التعظم والرغبة المحمومة لدى قادة نظامهم العنجهي في تسيد المشهد السياسي – العربي والإسلامي – وإرسال الرسائل المعمدة بدماء أبناء الشعب اليمني، لِمَن أرادوا إيصالها إليهم من دول الجوار – القريب والبعيد – تأكيداً على اقتدارهم وأحقيتهم في الهيمنة والسيطرة في المحيط والمنطقة وفقاً لملحوظ القوة المادية ومعادلاتها الفرعونية في تصوراتهم الغبية، إلا أن تطور المجريات المتصلة بالعدوان على اليمن وتبرجاته المذهلة على الصعيد الاستراتيجي المتصل مباشرة بأمن الأمة وسلامتها من الأخطار التي تتهددها جدياً في قابلها القريب والمنظور، تتعدى تلكم الأهداف والمقاصد الذاتية المباشرة لمتصدري العدوان، ليصبح البعد – الصهيوأمريكي- بتعلقاته الهيمنية بالمنطقة حاضراً بجلاء في ثنايا العدوان وعلى النحو الذي يجعل منه بمثابة – الحامل المريح والمجاني – لأهداف هذا – الثنائي – الشرير ومخططاته الماكرة لتصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها وتعلقاتها الوجودية المعبرة عن هوية الأمة وثقافتها وتاريخها.
وإلاَّ فليخبرنا – جهابذة التنظير العدمي المستحم في مياه البركة الأميريكانية – والمتعبون جداً حتى – الإعياء والتعثر – إشفاقاً من حمل أثقال العزة وأعباء النضال والكينونة الشريفة الحرة والمستقلة، نعم ليخبرنا هؤلاء مشكورين، عن مغزى اتجاه – آل سعود – ومنذ وقت مبكر نسبياً إلى مساومة قيادة حماس بغية إرسال ما تعداده (سبعمائة رجل) من مجاهديها المرابطين على خطوط التماس مع جيش الاحتلال الصهيوني في – قطاع غزة – للإسهام والمشاركة مع جحافل الغزاة الأمميين في العدوان على اليمن؟.
هل رأيتم هذا الخبث – السعودي الوهابي – وما ينطوي عليه من الوقاحة الشديدة والانحطاط القيمي المفرط؟.
وهل يظن ظان – أيا ما يكن حظه، وواقع حاله من النباهة، أو لنقل: حتى من – حسن الظن – سيان أن طلبا كهذا في ظروف كهذه قد جاء بمعزل عن وسوسة الشيطان الأكبر، وإيحاءات حليفتهم القديمة الجديدة إسرائيل؟.
لقد رأينا وكل العالم كيف أن آل سعود بأموالهم المبعثرة في شتى النواحي والأقطار، قد استطاعوا أن يشتروا معهم حتى – الأمم المتحدة – والكثير الكثير من المنظمات الحقوقية التابعة وغير التابعة التي خرست ألسنتها، وعميت أبصارها، وصُمَّت أسماعها عما يجري اليوم في اليمن من مآسي عدوان آل سعود وجرائمهم التي لا نظير لها في العالم، ونعلم بالتالي أن الباب مفتوح لهم والمجال متاح كذلك لجلب المزيد من مرتزقة الحرب عبيد الدرهم والدينار، ولا سيما ذوي رحمهم وقرباهم من – الدواعش – الذين بدأوا في التدفق على اليمن عبر تركيا – أردوغان -، فلماذا ولأي شيء هذا الحرص السعودي على استقدام المجاهدين الفلسطينيين والزج بهم في معركة العدوان على اليمن؟.
وهل تراهم سيشكلون فارقاً مهماً في مسار المجريات حتى يمكن إناطة القصد السعودي من وراء استقدامهم بهذه الغاية دون غيرها؟.
أوليس إخلاء ساحة المواجهة مع العدو الصهيوني من هذا العدد المدرب من المجاهدين من شأنه أن يقدم خدمة لا تقدر بثمن للكيان الصهيوني الذي يحرص كثيراً على إخلاء ساحة القطاع، لا أقول: من المجاهدين الواقفين قبالته على خطوط التماس وحسب.
وإنما كذلك من السكان المدنيين – من الجنسين ومن شتى الأعمار طمعاً في – تجفيف الينبوع البشري الثَّر الذي يمد فصائل الجهاد بالمقاتلين الجدد ويعوض عن شهدائهم العظماء دوماً وباستمرار؟.
ثم وعلى فرض نجاح السعوديين في هذا المأرب الخبيث والخطوة الإبليسية بحق وحقيق، فكيف هو الأثر السيئ الذي سيتخلف عنها حتما ويقينا على مستوى – الشعور والعواطف الحميمة الفوارة – التي يكنها الشعب اليمني تجاه اشقائه الفلسطينيين في أرض الرباط والمعركة المقدسة؟.
أوليس إماتة المشاعر النبيلة الزاخرة بحقائق الاخوة الكفاحية، وبواعث التقدير والإكبار لنضالات شعبنا الفلسطيني المجاهد،ومحاولة – تحييدها – عن معركته التي يخوضها اليوم بعزيمة وصبر نيابة عن الأمة بأسرها – هي هي ولا سواها- ذات القصد والنتيجة – التي رسمها لنفسه – قرن الشيطان – وتوخي الوصول إليها كخطوة هامة وتكميلية في إطار حروبه القذرة التي يشنها مباشرة، وعبر صنائعه ومرتزقته ضد خط – الصمود والمقاومة – في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، خدمة لأمريكا وإسرائيل.
وأخيراً وليس آخر: أوليس كل هذا الذي أتى ويأتي به – آل سعود – من الموبقات المنكرة ويقترفونه من الجرائم الفظيعة بحق الأمة وضد أمنها ومصالحها منطلقين في ذلك من – عقيدة تكفيرية وهابية – جعلت حَدَّها ونكايتها على أبناء الأمة العربية والإسلامية – دون غيرهم، نقول: أليس كل هذا الهوس السعودي الوهابي بالقتل والتدمير وارتكاب الفظاعات، والسادية الإعرابية التي تتلذذ بعذابات الآخرين ومعاناتهم يبرزهم خطراً حقيقياً على الأمة وكينونتها مثلهم في ذلك مثل الكيان الصهيوني سواء بسواء؟.