بحكم حقائق الوقائع
هشام الهبيشان
بحكم حقائق الواقع ..هل تنهار شراكة التركي المعزول والسعودي المأزوم
في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن تطور مسار العلاقات التركية -الإيرانية، وتأثير هذا التطور على مسار حرب السعودية على اليمن وسورية، وعن مسار قضية إعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي وخصوصا من الجانب التركي الذي يسعى لتحويل قضية وملف الإعدام إلى قضية رأي عام دولي وهذا ما أتضح مؤخراً من خلال جولات الرئيس التركي اردوغان على عدة دول غربية وشرقية، ومسار تطور الأحداث على الأرض الليبية التي تشهد ساحتها حالة صراع علني بين تركيا وقطر من جهة والسعودية ومصر والإمارات من جهة اخرى، ومن هنا يمكن قراءة أن هذه الملفات بمجملها ستضع مسار التقارب السعودي -التركي تحديدا على صفيح ساخن، فبعد أن أتضح بالفترة الأخيرة لجميع المتابعين أن مسار العلاقات التركية- السعودية قد تطور بشكل ملحوظ وخصوصا بالفترة الأخيرة بعد قيام الرئيس التركي أردوغان بعدة زيارات للرياض رد عليها السعوديون بزيارات أخرى لأنقرة، والواضح أن هذه الزيارات قد ساهمت إلى حد ما بتحريك المياه الراكدة بين العاصمتين، وساهمت إلى حد ما ببناء جسور التقارب بين البلدين، وخصوصا بعد تعهد النظام التركي حينها بحماية أمن المملكة السعودية ودعم عدوان عاصفة الحزم الذي تقوده اليوم السعودية بتحالفها العشري “ناتو العرب” على القطر اليمني الشقيق، ولكن بالتزامن مع كل هذا وذاك فقد شكلت زيارة اوغلو لطهران مؤخرا ، حالة من الشكوك حول طبيعة وشكل هذا التقارب المستقبلي لهذه العلاقات بين أنقرة والرياض.
وهنا بالتحديد يقرأ بعض المتابعين أن التقارب بين أنقرة والرياض إلى الآن لم تكتمل معالمه بعد، ولم تعلم بعد ما هي المُدة الزمنية المتوقعة لاستمراره ؟، والسبب يتلخص بوجود تجارب تاريخية “فاشلة” لكلا النظامين بعلاقات التقارب فيما بينهما فقد سبق ان لامست حالة التقارب بين “النظامين” حدودا استراتيجية في التقارب “بمطلع عام 2011م تزامنا مع انطلاق ما يسمى بـ ” الربيع العربي “، وقد كانت حينها أنموذجا إقليميا بحالة التقارب تلك وقد اعتقد البعض انها قد تؤسس لحلف اقليمي جديد، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول خلاف دار حول الملف المصري، وانفتاح شهية كلا البلدين للسيطرة على البلد الجريح، وهذا ما أفرز حينها حالة من الاستقطاب وفجر خلافات حول مصر والشرعية للنظام القديم وشرعية النظام الجديد، بين البلدين، تداعيات خلاف كلا البلدين حول دورهما بمصر ما بعد 30 يونيو 2013م قد لا تمحى بسهولة، وخصوصا مع طرح قضية إعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي، فاليوم تنتظر أنقرة سماع رسالة علنية من الرياض حول موقفها من قضية إعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي، هذا الملف بالتحديد قد يحمل تطورات دراماتيكية بالعلاقة بين الرياض وأنقرة، وهذا بطبيعته ما يخشى منه كلا “النظامين “حاليا بخصوص حالة التقارب الأخيرة، فالخشية أن يتكرر سيناريو خلاف التجارب السابقة، لذلك نرى الآن حالة من الشكوك المتبادلة بين الجانيين حول طبيعة هذا التقارب وأطره المستقبلية، فالوقائع التاريخية تقول أن السياسات التركية -السعودية تحمل العديد من نقاط التناقض وعدم التقارب.
وهنا وفي ذات السياق، فلا يمكن للنظام “التركي” في طبيعة الحال، أن يتبع نهجاً إقليمياً جديداً يؤسس لحالة إقليمية جديدة يكون عنوانها “تحالفات الطوائف الإسلامية” كما يريدها النظام السعودي، فالنظام التركي بالنهاية هو نظام براغماتي، ويتعامل مع الكثير من أزمات المنطقة حاليا على مبدئ الشريك الذي لا يريد أن يخسر أحدا، وهذه الحقائق المذكورة سابقا لا يمكن لأي شخص متابع لسياسة النظام التركي في الإقليم مؤخرا بشكل عام أن ينكرها، فهذه الحقائق بمجملها قد تكون هي الانتكاسة الأولى للحلف السعودي -التركي، فالأتراك لا يمكنهم بأي حال من الأحول أن يكونوا شركاء للسعوديين، بمقابل تخليهم عن براغماتيتهم النفعية من الإيرانيين اقتصاديا وامنيا وحتى سياسيا، وهذا ما ظهر واضحا وجليا من خلال زيارة اوغلو الأخيرة لطهران.
فالأترك بدورهم يعلمون أن السعوديين بهذه المرحلة يعانون من أزمة إقليمية خانقة وحربهم على اليمن قد تكون صدىً حقيقياً لهذه الأزمات وقد ترتد نتائج هذه الحرب بشكل سلبي على السعوديين، ويعلم النظام البراغماتي التركي جيدا أن ما دفع السعوديون للتقارب مع الأتراك هو مصلحة مرحلية قد تنهار بأي فترة زمنية مقبلة، فتحالفات المصالح المرحلية هي تحالفات غير دائمة، ومن هنا يبدو أن هذا التقارب المرحلي سيتم دون تأثير وتغيير جذري على استراتيجية كل نظام في المنطقة، وهذا بسبب أن هناك اختلافا في سياسة تعاطي الدولتين في التعامل مع الحرب على الدولة السورية إلى حدٍما والوضع العراقي الفوضوي بشكل خاص، والخلاف حول النظام المصري الجديد.
ختاما، تؤكد زيارة اوغلو لطهران مؤخرا أن النظام التركي مازال يملك من الأوراق ما يجعله قادرا على بناء تحالفات إقليمية بعدة اتجاهات، وأنه مازال يتعامل مع مجمل ملفات المنطقة مؤخرا بناء على براغماتية نفعية لأنقرة، كما تؤكد حالة التصعيد ضد النظام المصري أن الأتراك غير معنيين اليوم بمساعي السعودية لتقريب وجهات النظر بين النظام المصري والنظام التركي، والواضح أن السعوديين يعلمون هذا جيدا، ومع كل هذا وذاك فما زال السعوديون يتمسكون ويناورون بدعم الورقة التركية لهم وحتى وان كان هذا الدعم إعلاميا، المهم بنظر الدوائر الرسمية السعودية هو إيصال رسائل هذا الدعم للداخل السعودي لإظهار حجم قوة الدعم الإقليمي والدولي للسعودية بحربها العدوانية على اليمن، وبذات الإطار فمازالت هناك خشية سعودية من ان تدفع براغماتية النظام التركي إلى ممارسة سياسة مزدوجة لاتخدم الأهداف والأجندات التي يحملها النظام السعودي الجديد، وما تحمله هذه الأهداف والأجندة من متغيرات خطرة ومغامرات ومقامرات جديدة قد تقلب الطاولة على الجميع بالمنطقة كل المنطقة، ومن هنا سننتظر القادم من الأيام وما يحمله من متغيرات جديدة بالمنطقة، لنستوضح التطورات المستقبلية لطبيعة العلاقات التركية -السعودية المستقبلية، وتأثير هذه العلاقات سواء أكانت ايجابية أم سلبية على مسار حرب السعودية على اليمن ومسار وتطورات الأحداث بمصر بما يخص قضية إعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي ومسار الحرب على سورية وتطورات المشهد الليبي ….