> الأندية والمنتخبات تخوض مبارياتها خارج الوطن للعام السادس على التوالي
تقرير / خالد النواري
لم يكن أحد يتوقع ما تعرضت له الملاعب اليمنية من قصف وحشي وتدمير ممنهج على مدى قرابة العام من قبل طيران العدوان السعودي الغاشم الذي صب حقده الدفين على خيرات ومقدرات الشعب اليمني وبنيته التحتية وفي مقدمتها منشآت الشباب والرياضيين التي كانت في طليعة أهداف العدو في إشارة إلى السعي لتدمير كل ما ينبض بالحياة وكل ما له علاقة بالأمل.
وجاء العدوان السعودي على الملاعب الرياضية ليعمق معاناة تلك الملاعب التي كانت تحت طائلة العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) منذ أحداث عام 2011م التي تسببت في حظر إقامة المباريات على ملاعبنا الكروية وأوجدت حالة من العُزلة الرياضية بالنسبة للأندية والمنتخبات الوطنية التي اضطرت لشد الرحال خارج الديار وخوض جميع مبارياتها في مختلف الاستحقاقات الخارجية بعيداً عن الأرض والجمهور وهو الأمر الذي جعلها تفتقد لمبدأ تكافؤ الفرص ، وكان آخرها مشاركة المنتخب الوطني في التصفيات الآسيوية المزدوجة المؤهلة لنهائيات كأس آسيا وكأس العالم حيث خاض جميع مبارياته خارج بلادنا تطبيقاً لقرار الحظر الذي دخل عامه السادس ، وتلقى المنتخب في تلك المشاركة ست هزائم وفوز وحيد وبات خارج حسابات التأهل كما هو الحال بالنسبة لمشاركات مماثلة للمنتخب الأولمبي وغيرها من منتخبات الفئات العمرية الأخرى التي خاضت مشاركات إقليمية في ملاعب المنافسين.
أسباب أمنية
وبالعودة إلى بداية الحظر الدولي فقد استند الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلى دواعٍ أمنية بعد نشوب الأحداث التي شهدتها بلادنا مطلع عام 2011م وتحديداً منتصف شهر فبراير والتي تزامنت مع موعد أول استحقاق خارجي للمنتخبات الوطنية والمتمثل في المباراة التي كان من المقرر أن يخوضها المنتخب الأولمبي أمام منتخب سنغافورة على استاد المريسي بصنعاء ضمن مرحلة ذهاب الدور التمهيدي للتصفيات الأولمبية المؤهلة لأولمبياد لندن لكن الفيفا رأى أن الوضع الأمني في بلادنا لا يساعد على استضافة المباراة وتم إقرار تأجيل المباراة على أن يتم الاستمرار في تقييم الوضع الأمني وبحث إمكانية إقامة المباراة بصنعاء في وقت لاحق.
وتضمن خطاب الاتحاد الدولي لكل من الاتحادين اليمني والسنغافوري أن سبب التأجيل يتمثل في ضمان إقامة المباراة في ظل مناخات جيدة ، مؤكداً أنه في حال عدم تحسن الظروف واستقرار الوضع في بلادنا خلال فترة أسبوعين فسيتم نقل المباراة إلى مكان محايد بحيث يتم اختياره بالتشاور والاتفاق مع الأطراف المعنية.
19مارس .. تطبيق الحظر
ومع تدهور الأوضاع وتعقد الأزمة في بلادنا والتي رافقتها بعض الاختلالات الأمنية أقر الاتحاد الدولي لكرة القدم حظر إقامة المباريات الودية والرسمية للمنتخبات والأندية في بلادنا ورافق ذلك القرار نقل مباراة المنتخب الأولمبي ونظيره السنغافوري إلى مدينة العين الإماراتية التي تم اختيارها كمكان محايد لمواجهتي الذهاب والإياب.
وتطبيقاً لقرار الفيفا فقد أقيمت المباراتان يومي 19 و21 مارس 2011م على استاد خليفة بن زايد بمدينة العين الإماراتية ، حيث اعتبرت المباراة الأولى على أرض منتخبنا الأولمبي والتي فاز فيها منتخبنا بهدفين نظيفين ، واعتبرت المباراة الثانية على أرض منتخب سنغافورة والتي حقق فيها منتخبنا فوزه الثاني بهدف وحيد ليتأهل للمرحلة الثانية من التصفيات الأولمبية.
وشكل قرار نقل مباراة المنتخب الأولمبي إلى الإمارات بداية لحظر إقامة المباريات في بلادنا حيث لم يسمح لفرقنا الكروية من خوض مبارياتها المقررة على أرضها داخل اليمن وذلك في بطولة كأس الاتحاد الآسيوي حيث خاض فريقا الصقر والتلال جميع مبارياتهما في البطولة التي أقيمت عام 2011م خارج اليمن الأمر الذي أثر على حظوظهما في المنافسة بسبب الافتقاد إلى مبدأ تكافؤ الفرص واللعب بعيداً عن الأرض والجمهور.
ومع استمرار سريان الحظر على ملاعبنا فقد تم نقل مباراة المنتخب الأولمبي ونظيره الاسترالي إلى الإمارات والتي أقيمت خلال شهر يونيو 2011م ضمن المرحلة الثانية من التصفيات الآسيوية الأولمبية وعلى إثرها خرج منتخبنا من التصفيات جراء خسارته من نظيره الاسترالي ذهاباً وإيابا.
واستمرت معاناة المنتخبات والأندية اليمنية حيث جاء الدور على المنتخب الوطني الأول لكرة القدم الذي اضطر لخوض مباراته أمام نظيره العراقي في مدينة العين الإماراتية ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2014م والتي أقيمت في 28 يوليو 2011م وانتهت بالتعادل السلبي وعلى إثرها خرج منتخبنا مبكراً من التصفيات بعدما كان قد خسر بهدفين نظيفين في مباراة الذهاب التي أقيمت في مدينة أربيل العراقية في 23 يوليو 2011م.
عُـــــزلة كـروية
حرمان الملاعب اليمنية من احتضان المباريات الدولية للمنتخبات والأندية ، أحدث حالة من الاستياء لدى الجماهير الرياضية التي وجدت نفسها بعيدةً عن أجواء المنافسات الكروية بالإضافة إلى افتقاد الفرق والمنتخبات الوطنية لعاملي الأرض والجمهور واللعب خارج اليمن لخوض الاستحقاقات الخارجية على ملاعب محايدة وهو ما أفقدها مبدأ تكافؤ الفرص.
كما أن حرمان ملاعبنا من حق الاستضافة لمختلف المنافسات الإقليمية والقارية جعلها في حالة عزلة كروية وولد انطباعات سلبية لدى الشارع الرياضي الذي اعترته مشاعر الحسرة وخيبة الأمل نتيجة الجمود الذي شهدته اللعبة على خلفية قرار الحظر وما ترتب عليه من عزوف جماهيري عن الملاعب بعدما كان الجمهور اليمني يشكل رقماً صعباً في المعادلة الرياضية من خلال تفاعله الإيجابي والتوافد بأعداد هائلة لمتابعة المباريات واحتلال مقاعد المدرجات وإضفاء نكهة خاصة للمنافسات من خلال التشجيع المثالي والتحلي بالروح الرياضية العالية .. ويمكن الاستدلال على ذلك بالجماهير التي واكبت أحداث بطولة خليجي 20 التي احتضنتها بلادنا نهاية العام 2010 في ثغر اليمن الباسم عدن والتي كانت خير دليل على تميز الجمهور اليمني الذي احتل المرتبة الأولى في تاريخ دورات الخليج من حيث التواجد في المدرجات طوال فترة إقامة البطولة.
ستة أعوام حرمان
ومع حلول مارس الجاري دخل الحظر عامه السادس ، حيث حُرمت منتخباتنا الوطنية وأنديتنا من اللعب على أرضها وبين جماهيرها باستثناء حالة واحدة للمنتخب الوطني الذي استضاف نظيره الفلسطيني في مباراة ودية أقيمت على ملعب المريسي بصنعاء في 18 يونيو 2012م في إطار الاستعدادات للمشاركة في بطولة كأس العرب التاسعة وفاز المنتخب الفلسطيني في المباراة بهدفين لهدف ، كما سجلت حالتين للأندية حينما استضاف فريق شعب إب كل من النجمة اللبناني والبقعة الأردني ضمن بطولة كأس الاتحاد العربي للأندية للموسم 2012م حيث أقيمت المباراتان على استاد المريسي بصنعاء وكانت الأولى يوم 18 سبتمبر 2012م والتي فاز فيها الشعب على النجمة اللبناني بهدفين نظيفين ، وأقيمت المباراة الثانية بصنعاء يوم 27 نوفمبر 2011م وفاز فيها شعب إب على البقعة الأردني بهدف وحيد.
محاولات فاشلة
وعند الحديث عن جهود رفع الحظر فقط تم مخاطبة الاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم والمطالبة برفع الحظر والتأكيد على استقرار الأوضاع في اليمن وعودة الحياة إلى طبيعتها (قبل العدوان الغاشم على بلادنا) ، وجاء الرد للاتحادين الدولي والآسيوي بالمطالبة بتوفير الضمانات الأمنية والتي تم توفيرها بالتعاون مع وزارتي الداخلية والشباب والرياضة.
ولم تتوقف جهود رفع الحظر وتم إرسال مندوبين إلى الاتحادين الدولي والآسيوي ونقل معاناة أسرة كرة القدم اليمنية بسبب استمرار سريان الحظر على الملاعب اليمنية وتم تحميل الفيفا مسئولية تدهور الكرة اليمنية وتراجعها غير المسبوق بسبب عزل الكرة اليمنية وحظر المباريات الدولية على الملاعب اليمنية والتأكيد على زوال مسببات تلك العقوبة التي تجاوزت الفترة الزمنية المحددة لها ويعد استمرارها خرقاً لمبادئ وقيم لعبة كرة القدم التي تقوم على العدل والمساواة وتجسيد مبدأ تكافؤ الفرص.
خيبة أمل
الاتحاد الدولي لكرة القدم أقر الاستجابة لمطالب رفع الحظر بعد توفير الضمانات المطلوبة حينما تم إقرار إحالة الطلب إلى اجتماع اللجنة التنفيذية للفيفا خلال مؤتمر الكونجرس الذي عقد في جزيرة مورسيوش نهاية شهر مايو 2013م ، وتم إدراج موضوع طلب رفع الحظر ضمن جدول أعمال اجتماع اللجنة التنفيذية للفيفا.
وسبق اجتماع تنفيذية الفيفا حالة من التفاؤل في الشارع الرياضي اليمني بصدور قرار ينهي المعاناة التي تكبدتها الأندية والمنتخبات الوطنية نتيجة خوض جميع الاستحقاقات الخارجية بعيداً عن الملاعب اليمنية ، إلا أن الاجتماع جاء مخيباً للآمال حينما أقرت اللجنة التنفيذية للفيفا رفض إلغاء حظر إقامة المباريات الدولية الودية والرسمية على الملاعب في بلادنا لأسباب أمنية استناداً إلى التقارير التي حصل عليها الفيفا من المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الدولي ، ليشكل ذلك القرار صدمة كبيرة كونه قضى باستمرار سريان القرار واستمرار حرمان المنتخبات والأندية اليمنية من خوض مبارياتها على ملاعبها في مختلف الاستحقاقات الكروية الخارجية.
خارطة الطريق
وبالتنسيق مع رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم سلمان بن إبراهيم تم إقناع الاتحاد الدولي لتنفيذ خطة خارطة الطريق تهدف إلى توفير متطلبات استضافة المباريات الدولية وتمهد لرفع الحظر من خلال زيارات ميدانية للجان تفتيش على ثلاث مراحل للاطلاع على الإجراءات المتبعة في تنظيم المباريات وتوفير كافة الضمانات الأمنية والإدارية المطلوبة التي تضمن إقامة المباريات الدولية للمنتخبات والأندية بحسب المعايير الدولية المتبعة.
تقصير الجهات المختصة
وظل التأجيل والتسويف ملازمان للجهات المختصة والتي تقاعست في تنفيذ الملاحظات التي اشترطها الفيفا لرفع الحظر لتستمر المعاناة ويدخل الحظر عامه السادس بسبب العدوان السعودي الغاشم على بلادنا وبسبب عدم استكمال تنفيذ جميع الملاحظات المنبثقة على ضوء الزيارات الميدانية للجان الفيفا ، وفي مقدمتها تأهيل استاد المريسي ، وذلك بسبب تعقيدات الروتين الإداري الذي لم يراع الوضع الاستثنائي الذي يتطلب سرعة الانجاز ، وهو ما حال دون استكمال جهود رفع الحظر بسبب عدم استكمال تأهيل استاد المريسي لاستضافة المباريات الدولية من خلال صيانة وتشغيل أبراج الإنارة وتجهيز غرفة التحكم وكاميرات المراقبة وتأهيل دورات المياه وبناء مبنى خاص بالمولد الكهربائي بالملعب وتأهيل أكشاك التذاكر وتجهيز منطقة الميكس زون الخاصة باللقاءات الصحفية وتجهيز مواقف السيارات وإسقاطها في كروكي توضيحي وإعداد مخطط للغرف الملحقة بالاستاد ، بالإضافة إلى تدريب الكوادر بالملعب في جوانب الأمن والسلامة ، وإسقاط خطة الإخلاء على مخطط إرشادي ، وإعداد مخطط لخطة السير للبعثات الرياضية مع كروكي توضيحي ، وإعداد تقرير حول الوضع الأمني بالعاصمة صنعاء.. وقد تم تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالجانب الأمني بينما لم يتم تنفيذ الأعمال الإنشائية بالملعب.
وإجمالاً فإنه لن يكون بمقدور أحد إقناع الشارع الرياضي باستيعاب حالة الاتكالية واللامبالاة التي كانت ولا زالت ترافق حالة الحظر غير المسبوقة في تاريخ الرياضة اليمنية والتي يتحمل مسئوليتها كل من يمتلك القدرة على وضع حد لتلك المعاناة التي لا تقتصر على شريحة الشباب والرياضيين كونها تمس ضمير ووجدان كل من له علاقة بالوطنية والانتماء لهذا الوطن ، حيث غاب التفاعل المطلوب من أصحاب القرار ولم يقوموا بمسؤوليتهم على أكمل وجه في توفير متطلبات رفع الحظر وهو ما أطاح بالجهود التي بذلت في إنهاء الحظر الذي طال مداه وبعده الزمني.
همجية العدوان تطال الملاعب
ولم تقتصر معاناة الملاعب اليمنية على الحظر المفروض عليها من قبل الفيفا حيث كانت تلك الملاعب في مقدمة أهداف العدوان الغاشم الذي تتعرض له بلادنا منذ قرابة عام ، حيث لم تستثن همجية العدوان السعودي مقدرات الشباب والرياضيين من قصفها الوحشي البربري ، وكانت منشآت بطولة خليجي 20 في صدارة الملاعب الرياضية التي تعرضت للتدمير الوحشي وفي طليعتها استاد 22مايو الدولي الذي كان في مقدمة الملاعب التي تعرضت للتدمير قبل أن يطال الحقد السعودي استاد الوحدة بأبين ملحقاً بالملعبين أضراراً بالغة وتدميراً كبيراً بعدما كانا يشكلان لوحة رائعة واحتضنا مباريات البطولة الخليجية التي أقيمت في بلادنا نهاية عام 2010م.
وإلى جانب ملعبي 22مايو بعدن والوحدة بأبين ، فقد طالت همجية العدوان البربري مدينة الثورة الرياضية بصنعاء ومرافقها المختلفة وفي المقدمة ملعب الفقيد المريسي الذي لحقت به أضرار بالغة جراء استهدافه واستهداف المدينة الرياضية من قبل العدوان أكثر من مرة ، وملاعب 22مايو بإب والصقر بتعز واليرموك بصنعاء ومشروع المدينة الرياضية بالحديدة ، إلى جانب تضرر ملعب معاوية بلحج وملاعب أخرى في الضالع وصعدة وعمران وحجة والمحويت والحديدة وإب والبيضاء وغيرها من المنشآت الرياضية التي تصل تكلفتها إلى أكثر من 50 مليار ريال.
العدوان يلغي كل المحاولات
وفي الوقت الذي كانت تبذل فيه العديد من المحاولات والجهود الحثيثة لرفع الحظر من خلال الزيارات المتعاقبة للجان الفيفا ، فقد جاء العدوان السعودي الغاشم على بلادنا ليلغي جميع تلك المحاولات ويشكل عبئاً جديداً على الملاعب اليمنية التي أصبحت بحاجة إلى إعادة تأهيل في المستقبل قبل الحديث عن رفع الحظر وعودة المباريات الدولية إلى بلادنا.