مثقفون بين حقيقة الوطن ودفء الجيوب
حورية السقاف
* في عصر النهضة وظّفَ كُتّابُ القصة والرواية في أعمالهم الأدبية الكثير من الأحداث السياسية و الحروب العالمية والإقليمية التي كان دافعها السعي إلى الاستقلال و نيل الحرية ،حيث أدهشنا كيفية تعاطيهم وإسقاطهم لتلك الأحداث البطولية بطريقة عجيبة على أبطال قصصهم ، كثوار وشهداء ، يرفضون الاستعمار وينبذون الوصاية ، فكيف بهم فيما لو كان آنذاك عدوان همجي خبيث ينتهك سيادة أوطانهم ؟
إن هذه المعلومة الموجودة في تلك الأعمال الأدبية موجودة حقيقة على أرض الواقع ، فيوصفها الأديب بدقة متناهية على شخصية من شخصيات عمله الأدبي الشاهق، الذي يعكس للقارئ مدى علو الأوطان في قلوب الأدباء فينسكب من حبره مبادئ وأسس توثيق الحقيقة كما يجب أن تكون تجاه الوطن والمواطنة الحقة ، التي لا تقبل المساومة أو الدفع المسبق للتنازل عنها . السؤال يطرح نفسه ..؟:
لماذا نجد الحقيقة كما هي آن ذاك ؟ بل و نجد الآراء موحدة في حقيقة وجودها لا تباين فيها إلا في بعض فروعها ؛ نجدها هي في كتب التاريخ وفي مناهج المدرسة ، كما هي في المتاحف ودور التوثيق العلمي، في الصحف و المجلات وقتئذ ؟! بمعنى أن الروائي لم يفتعل أي حدث من وحي خياله ؛ حيث قد أثّرَتْنَا تلك الأعمال الأدبية بمعلومة وأحداث مُفصّلة غنية بالدهشة والفخر تجاه وطن ما ، صارع الظلم لينال حقوقه المسلوبة من ظلّام الداخل والخارج باعة الأوطان ..!
….إذن ماذا عن الأحداث السياسية والحروب في المنطقة العربية في هذا الزمن، وبالأخص ماذا عمَّ يحدث في اليمن !؟ وكيف سيوظف الأديب والشاعر اليمني ممن عاصر هذه الأحداث ، وهو بهذا الوضع المزري من تأييد أو من صمت وحياد ، ناهيك عن التطبيل للكذب ومحاولة تظليل الحقيقة ؟! وكيف ستتعاطى الأجيال القادمة مع هذا الفسق والفجور الإعلامي ؟ و كيف بهم وللحدث الواحد ألف معلومة من ألف مصدر يتأرجح بين الصدق والكذب ؟ وعليه من أي زاوية سيكتب هذا الأديب المعاصر المطبل العميل للعدوان داخل الوطن ،فضلاً عن أولئك الأدباء والشعراء المتسولين في أراضي العدوان ؟.
…. هل سيكتبون عن وطن جعلوه دون مروءة ؛ مباحاً لدول تفتقر العروبة والشهامة ، تفتقر التاريخ و الدين وحق الجوار ؟ وما مدى مصداقية ما يكتبه ويسقطه من الأحداث والوقائع ! هل من زاوية العملاء الذين ذهبوا للتسوّل من دول الخليج الحفاظ على كراسيهم تحت مظلة الدفاع عن اليمن وعودة الأمل ؟ أم من زاوية الشعب المظلوم الذي تكالبت عليه أكثر من عشر دول لدماره وحصاره ،وأكثر من مائتي دولة مؤيدة ذلك ؟!.
وعليه لو كانت دولة آل سعود ــ المسيطرة على الإعلام بكل أنواعه ــ قد أنشئت في تلك الحقبة التاريخية ، أي عصر النهضة ، أو بمعنى أصح و أفصح ، لو كانت بهذا الترف المادي الذي تشتري به الذمم الرخيصة ؛ لما وجدنا حقائق الحروب والثورات كما هي ؛ ولدُسَّ الكثير من الأكاذيب ، بل وسينبرى لتحريرها والدفاع عنها الكثير من الأقلام : من أدباء و كتاب بالتأييد ، أو بالصمت والحياد ؛الخارج عن الفطرة والإنسانية تجاه العدوان على وطن ، هذا كما لمسناه ونلمسه من خلال كبيرهم الذي علمهم الصمت الوقح أو ذلك المتسوّل في أراضي الرياض ..
…. أعود وأقول : ماذا سيكتب هذا الأديب وذاك الشاعر ؛ وهما يجاهران بصمتهما وحيادهما المخزي ، وتأييدهما الفاضح ؟وكيف ستثق الأجيالُ بهذه الشريحة المثقفة والكاتبة وهي للنفاق و للكذب وجهان لوقاحة واحدة ؟! كيف ستثق بهم الأجيال حين تعرف أن في جيب هؤلاء الذين قلنا عنهم طفرة المجتمع الكثير من العملات النقدية ما بين ريال سعودي ودولار أمريكي ؛ مقابل تأييدهم العدوان على وطنهم، أو كأضعف الإيمان مقابل صمتهم وحيادهم ؛ وهو الوطن ، لكنه اليمن؛ جُلَّ ذنبه أنه طالب في حقه في العيش الكريم ، في الحفاظ على أرضه و عرضه ؛ كما تدعو إلى ذلك الفطرة السليمة لدى الإنسان السوي المتطلع عقلا و قلبا إلى وطن مدني يحتوي الجميع ؛ إنما أُفٌّ و تُفٌّ على أقلام أنتم من يمثلها …!
….فأي خيبة صُفعنا بها من مثقفينا الكبار؛ حين كنّا نجزم بكل ما فينا من إيمانٍ بأقلامهم التي نحاكيها وطناً بكل ما فينا من قداسة الأرض ..! خاصة وأنتم تعلمون علم اليقين بالحقيقة المواربة عن البسطاء ، حقيقة سبب العدوان ، الذي لم يكن قط لمحاربة المد الفارسي ، ولا و لا و لا من تلك الدوافع والعبارات المستهلكة والمزعومة . بل أنتم تعلمون أنها مؤامرة دولية ؛ لغرض مُحّبك في ملفات الدول الكبرى .
فيا سيدي المثقف والأديب : لِمَ لا تكن لوحدك جبهة وسلاحك يراعك ، ليس بالضرورة أن تكون حوثياً أو عفاشياً ، كن اليمن كن أنت ، فالوطن الذي سوّاك رجلا يحتاجك وقلمك ؛ ثق أنه سيعطيك أكثر مما في جيبك ؛ سيعطيك المجد والخلود؛ لأن الذكرَ بعد الموت عمرٌ ثانٍ.