العداء السعودي لليمن وأثره على التنمية الشاملة

 

غالب البحري

اليمن منذ عصور الخلافات الإسلامية وحتى العصر الجمهوري الحديث وهو يعيش في صراعات سياسية وقبلية أثرت على عملية الاستقرار والتنمية الشاملة ، في حين أنه في عصور ما قبل الإسلام تميز بتشييد حضارات عريقة حكمت الجزيرة العربية وامتد نفوذها إلى معظم مناطق الحضارات العربية القديمة في العراق والشام ومصر والمغرب العربي ، وبسبب هذه الصراعات التي أضعفت اليمن اقتصاديا وسياسيا فقد تراجع دوره وأصبح يعيش على هامش التاريخ وفي صراع دائم مع السياسة والقبيلة بعيدا عن جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
اليمن يمتلك مقومات الدولة القوية، ويمتلك موارد طبيعية لا تختلف عن موارد دول المنطقة إن لم يكن أفضل منها لعوامل بيئية ساعدت كثيراً على استقرار الحياة واستدامتها في هذا الجزء الحيوي من إقليم الجزيرة العربية الذي شهد نمو العديد من الحضارات الإنسانية ، ويبدو والله أعلم أن دعوة أولئك الأوائل من قوم سبأ الذين أعرضوا عن نعمة الله وظلموا أنفسهم فجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق قد أصابت الذين استخلفوا هذه الأرض من بعدهم ، وذلك ما يتبين من عدم استقرار اليمن وتشتت سكانه بين تجمعات صغيرة في الجبال والوديان وتفرقهم بين السياسة والقبيلة وانعكاس ذلك سلبا على نمط حياة السكان في هذه الأرض الطيبة التي تبحث عن الأمن والاستقرار وعن الرجال الأوفياء أداة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة في عصر النهضة الحديثة التي سادة العالم وأحدثت قفزة كبيرة في حياة الشعوب التي استغلت ثرواتها ووظفت جهدها في مواجهة التحديات بالعمل والإنتاج والإخلاص للوطن .
اليمن في عصر النهضة لم يشهد استقراراً وبالذات بعد ثورة سبتمبر وأكتوبر بسبب عداء النظام السعودي للثورة اليمنية خوفا من انتقال مبادئ الثورة التي تنادي بتحرير الثروة والإنسان وإخراجه من حالة العبودية والظلام إلى حالة التحرر والوعي ، ولذلك فقد تم افتعال صراعات سياسية للنظام الجمهوري ودعم القوى المعارضة للثورة بالمال والسلاح والمرتزقة وإدخال اليمن في حرب أهلية استمرت أكثر من ثمان سنوات حتى تم توقيع اتفاقية جدة بين الأطراف المتصارعة برعاية مباشرة من الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز ، وفي عقد السبعينات بعد إنهاء الحرب الأهلية مع قوى المعارضة في الشمال وتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني قام النظام السعودي بإشعال الفتنة بين الشمال والجنوب وإدخال اليمن في حرب أهلية عام 1972م وعام 1979م وتغذية الصراع السياسي الذي أدى إلى حدوث ستة انقلابات ثلاثة في الشمال وثلاثة في الجنوب ، كما استمر النظام السعودي في التآمر على اليمن خلال عقد الثمانينات وعقد التسعينات الذي شهد ولادة دولة الوحدة التي واجهت تحديات كبيرة ضاعفت من أعباء الدولة اليمنية الجديدة التي لم تتمكن من التفرغ لبناء دولة اليمن الجديد دولة النظام والقانون حيث شهدت هذه الفترة حرب الخليج الأولى التي أدت إلى قطع المساعدات والقروض التي كانت تقدم إلى اليمن بسبب معارضة اليمن للتدخل الأمريكي في العراق ، وكذلك الحرب الأهلية في عام 1994م التي جاءت نتيجة لمكايدة سياسية وصراع على السلطة بعد الانتخابات النيابية عام 1993م والتي فاز فيها المؤتمر بالأغلبية ، ومشكلة جزيرة حنيش مع دولة اريتريا و مشكلة الحدود السعودية التي كانت تستغل الصراع السياسي داخل اليمن وتعمل على تغذية الفتن بين الأطراف المتصارعة.
وفي الأعوام 2004-2007م شهد اليمن ستة حروب على صعدة بقيادة الجنرال علي محسن الأحمر كبير تجار الحروب في اليمن وبدعم سعودي ، وفي عام 2007م أيضاً شهد اليمن حراكاً سياسياً جديداً بعد الانتخابات الرئاسية عام 2006م ، و استمر الحراك السياسي من قبل المعارضة التي وسعت الصراعات السياسية لمواجهة نظام الرئيس علي عبد الله صالح ، حيث تم تشجيع ودعم الحراك الجنوبي للتظاهر والمطالبة بحقوق أبناء الجنوب ، وفي عام 2011م تفجر الوضع السياسي وخرجت المعارضة إلى الشارع تطالب برحيل صالح ومن عام 2011م وحتى العام 2015م واليمن يعيش في حالة احتراب داخلي وصولاً إلى قيام النظام السعودي بشن بعدوان عسكري غادر على اليمن وفرض حصار شامل على الشعب اليمني بهدف إخضاعه وإذلاله لسياسية النظام السعودي الذي كشف عن وجهه القبيح بعد بروز أزلام النظام الجديد بقيادة أبن سلمان عميل المخابرات الأمريكية والصهيونية .
وهكذا نجد أن اليمن طوال العقود الماضية وهو في صراع خفي مع النظام السعودي لم يستقر حتى يتمكن من أحداث نهضة تنموية تخرجه من حالة الصراع والضعف إلى حالة الدولة القوية القادرة على استغلال ثرواتها وبناء دولة النظام والقانون وتحقيق الأمن والاستقرار ولعب دور فاعل في المحيط الإقليمي والدولي وذلك ما يتضح من المحاولات المتكررة للنظام السعودي الذي يسعى لإضعاف اليمن وإبقائه في حالة التخلف لأن نهضة اليمن بالنسبة للنظام السعودي تعني نهاية هذا النظام الذي رهن نفسه للدول الاستعمارية والاستقواء بها في صراعاته الإقليمية وفي الاستمرار في الحكم وهذا هوا البعد الحقيقي لصراع النظام السعودي مع اليمن المشهود له بالقوة والبأس الشديد كما كان الحال في عصور الحضارات القديمة، وإن شاء الله ينتصر اليمن ويصبح قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة تلعب دورا كبيرا في وحدة الأمة ونهضتها وذلك بعكس أنظمة الممالك التي تقف ضد مصالح ووحدة الأمة العربية والإسلامية .
اليمن اليوم يدفع ثمن الصراع السياسي والتمزق بتدمير مقومات الدولة العسكرية والاقتصادية والخدمية وبمساهمة بعض أبناء اليمن الذين تحالفوا مع العدوان السعودي الغادر على تخريب ما تم انجازه خلال 50 عام من عمر الثورة اليمنية التي أزعجت أنظمة الملوك في جزيرة العرب الذين يستغلون ثروات الأمة ويستعبدون البشر لحماية عروشهم التي قاربت على السقوط لأن وإن غدا لناظرة لقريب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والله أحكم الحاكمين .

قد يعجبك ايضا