أمة في غيبوبة الزمن ..!!
عبدالله الصعفاني
ليس في الأمر ما يمكن اعتباره استدعاء لنظرية المؤامرة ولكن القفز على كون ملابس الجميع صارت تحترق ونحن في الطريق لأن يصبح الكل ضمن ضحايا اجتراح مخاطر تقليد النعام .
وسأتوقف عند محطة تاريخية واحدة للتأكيد أن المصادفة وسوء الطالع وسوء النازل ليست سوى عبارات في تلافيف الذاكرة العربية .. أما الآخرون فإن كل شيء عندهم بحساب ، فهل يعني لكم شيئاً عام 1992م ؟
في العام 1992م سجّل التاريخ مرور خمسمائة سنة على سقوط غرناطة التي مثلت في التاريخ الإسلامي آخر معاقل انتصاراتنا حيث انشغلنا آنذاك بذروة الضياع في العام 1492م.
في عام 1992م كان المستعمرون القدامى والجدد وأتباعهم قد دفعوا بصدام حسين لغزو الكويت وهدفهم القريب إعادة العراق قرونا إلى الوراء وهو البلد الذي كان أوشك أن يمثل باكورة التطلعات العربية حتى أن الأمم المتحدة نفسها اعترفت بكون الحرب على العراق أعادت الشعب العراقي إلى عصر ما قبل الصناعة ، وما تزال الرقاب نفسها تحت سكاكين المؤامرات .
واللافت أن الهنود الأمريكيين أحيوا العام 1992م حيث مرت خمسة قرون على مقاومتهم لخلفاء المكتشف المستعمر كريستوف كولمبوس دفاعاً عن هويتهم الوطنية الإنسانية بينما لم يعن للعرب هذا التاريخ شيئاً ليكونوا ضمن أجندة هزيمة مفصلية جديدة جعلت من إسقاط بغداد مجرد امتدادٍ لسقوط غرناطة على الطريق لما نشهده في المشرق العربي ومغربه .
أم المصائب أننا ما نزال مختلفين حول ما إذا كان أعداؤنا من الدهاء بحيث يجعلون من مسميات الربيع وزهرة الأقحوان مواد زمنية للإجهاز على الأمة وليس محطة زمنية ربيعية لإصلاح وتصحيح ما يحتاج إلى تصحيح ،وليس أقل من تذكر معاني هنا صنعاء أو هنا طرابلس أو هنا كانت عاصمة الرشيد وهنا كانت عاصمة الأمويين .
بالمناسبة لم تكن ذكرى خمسمائة سنة على سقوط غرناطة موعداً مع مؤامرة على العرب والمسلمين وإنما موعد مع ضرب الشرق الاشتراكي بنسخ الجلاسنوست على طريقة قادة الترهل الروسي قبل أن يعيد الثعلب بوتين القطار التائه إلى القضبان وهو ما عجز عن استحضاره قادة بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد ومن نجد إلى يمن .. إلخ .
ولأننا أمة يتحكم فيها سياسيون يفتقرون للخيال والواقعية السياسية معاً ويميلون إلى التمثيل بشعوبهم درجة الإنهاك المميت سنعاني كثيراً حتى نصل إلى المزاوجة بين الاعتراف بحقيقة نظرية المؤامرة وقرار أن نبقى ضمن أجندة الطامعين وبين القدرة على التقاط اللحظات التاريخية لإعادة البناء خارج الاكتفاء بأن نبقى مجرد سببٍ لانتعاش تجارة السلاح واستنزاف الثروات ليس فقط بذكاء المستعمرين الجدد وإنما برصيدنا المتضخم من الغباء ومن الجاهلية الحديثة .
العالم من حولنا يمتلك وسائل تكنولوجيا القتل الذي يجري تسويقه عبر ماكينات إعلامية هائلة تفاخرت حتى بإلقاء 60 ألفاً من المتفجرات فوق بغداد وستتفاخر بما تقذفه من حجم الصواريخ على صنعاء وعلى كل مدينة عربية ،وليس أمام من تبقى من عقلاء الأمة إلا العودة إلى حضن المتجلي من التأريخ وليس ثقافة الموت أو ثقافة استيراد التجارب الرأسمالية المتوحشة أو الاشتراكية القاتلة للطموح ، فهل من مستقبل إلى جبهة عربية تدرك بأن النظام العالمي الجديد ليس سوى نسخة من النظام الاستعماري القديم فيما نتمسك بحالة عدمية داخل غيبوبة الزمن ؟