للحصول على ثورة مُكتملة لامناص من “تصفير” العداد الأمريكي

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

لعبت الولايات المتحدة الامريكية بتعدد اهدافها الجيوبولتيكية وتنوع سياساتها الاستعمارية الطائشة خلال المرحلة التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي دورا أساسيا ومحوريا في اعادة صياغة النظام الدولي ورسمت على ضوء تحرّكاتها الامبريالية العالمية اعقد القوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومررتها على مختلف البلدان “المُطبّعة” بهدف الوصول الى حالة من الاذعان والانقياد الشعبي التام لمشاريعها الشيطانية المتعددة وبما يكفل تمرير جميع اهدافها المستقبلية بسهولة ويُسر الى جميع فئات وشرائح المجتمعات المتباينة لتحقيق هدفها الاساس المتمثل: “بنظام عالمي مستقر يخدم دولة اسرائيل بالدرجة الاولى “.!
ومع سعيها الدؤوب والمثابر طوال الأربعين عاما الماضية لتحقيق اهدافها الاستعمارية تلك واجهت العديد من الصعوبات والعراقيل التي اكتنفت سياساتها التعسفية الرعناء في مختلف الاقطار  العالمية، فالشعوب المقاومة في امريكا اللاتينية والقارّة الاَسيوية حالت دون الوصول الى مبتغى الساسة الامريكان، كما ان الثورات التي انطلقت من أوساط الشعوب الحُرّة كالثورة الايرانية اسهمت هي الأخرى بشكل مباشر في وأد المشروع الامريكي وحالت دون وصوله الى العديد من الأقطار العربية كما تقول الشواهد والأحداث التاريخية الماضية .
وبلاشك فان الانتفاضة العارمة التي اعقبت ماكان يُعرف ” بالربيع العربي ” احدثت  هي الأُخرى هزّة عنيفة على مستوى الخطط والاستراتيجيات الامريكية ورفعت الاوراق المختلفة من على الطاولة (المستطيلة) وكشفتها وبعثرتها ولكن: ونتيجة لغياب المشاريع التحررية الجذرية عادت تلك الاوراق لتطفو على السطح مجددا  ليس لفشل في الثورات وأهدافها ورؤاها  بل  لعدم فهم ابعاد وآفاق الصراع الحتمي وعدم التقدير الدقيق للموقف الآني وماتتطلبه المرحلة من احتياجات مناسبة ورؤى صحيحة وحلول دقيقة تعالج الاحداث المتتالية وتكبح المؤامرات الامريكية الهائلة بدليل مايحدث الساعة من اختلالات عميقة في مصر وتونس وليبيا وسوريا والعراق  .
في اليمن يبدو الوضع مختلفاً تماما فالنظرة الثاقبة لماهية الثورة واهدافها  كانت مُبيّنة ومعروفة سلفاً حتى قبيل انطلاق ثورات الربيع العربي لكنها بدت اكثر وضوحاً وحضوراً وفاعلية بعيد الاحداث التي تخللت المنطقة العربية عموما مطلع العام 2011م فالمشروع الأمريكي الذي هدف الى تجزئة اليمن وتفتيته تم القضاء عليه مبكرا كما أن الأيادي  التي ارتكزت عليها السياسة الامريكية طوال الحقبة الماضية ومررت عبرها مختلف القرارات المصيرية  المتعلقة بالبلد جغرافيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بترت هي الاخرى ولعل السبب في ذلك يعود الى الاخطاء السياسية التي رافقت العمل السياسي الأمريكي في اليمن والتي عجزت الادارة الامريكية عن الإحاطة الدقيقة بكافة السيناريوهات المتوقعة رغم التقارير الدقيقة ألتي كانت تصلها من سفارتها في اليمن على مستوى شبه يومي  طوال المراحل الثورية المتتالية  من عُمر الثورة اليمنية الكُبرى .
على ان المهم هنا ليس الغوص في تفاصيل الاخطاء السياسية الامريكية وايضاحها إنما  الإشارة الى هشاشة الموقف السياسي الامريكي الذي تعرّض للعديد من الضربات الثورية الماضية “رغم دقّة استنتاجاته” ادت بالنتيجة الى خسارته وفشله في تحقيق أي نجاح يُذكر خلال المراحل المتعددة الماضية بدليل قيام الادراة الامريكية بدفع المملكة السعودية ودول شتّى من مختلف اقطار العالم ومشاركتها رسميا بخوض حرب مباشرة على اليمنيين وبهذا تكون قد استنفذت جميع اوراقها المحلية والاقليمية تقريبا .!
وبلاشك فان مجرّد استخدام القوة من قبل الامريكان أو ي من حلفائها الاقليميين أو الدوليين في العالم عموما أو اليمن على وجه الخصوص بحكم مايمثّله من أهمية لمصالحها القومية “الاقتصادية والجيوسياسية والجغرافية  و …إلخ”  يؤكد فشل الهدف الاساسي الذي  تأسست من اجله امريكا وهو: الوصول الى عالم مستقر ومنضبط يقبع تحت هيمنتها  كما يؤكد ذلك مرونة السياسة الامريكية التي اتخذت من الصراعات الطائفية والاقليمية بُعدا آخر لذات الهدف (حماية اسرائيل ) بعد انصدام هدفها السابق برغبة الشعوب في التحرر من القيود الجائرة التي اصطنعتها طوال تاريخها المخزي .
وبلاشك فان الهدف الآخر الذي سعت الولايات المتحدة جاهدةً لتطبيقه في اليمن (خصوصا) استطاع اليمنيون تجاوزه هو الآخر ايضاَ وقضوا عليه “تقريبا” من خلال إيمانهم المطلق  بما ماحوته ثقافاتهم المجتمعية  الأزلية الرصينة  من موروث فكري وقيمي  كالتعايش والتكاتف والقبول بالآخر وتفضيل المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية والمناطقية  والعرقية  وان وجدت بعض التجاوزات الطفيفة لجماعات أو أشخاص فهي لاتعدو كونها مواقف ضعيفة وعابرة تندثر مع الايام  وتتلاشى بانهيار المشروع الاستعماري ذاته كما تقول ذاكرة التاريخ البشري في مجمله العام .
وبالتأكيد فان قيام امريكا بالتدخل المباشر يعني بأن: “اوراقها التقليدية باتت ضعيفة جدا ومهترئة “بما في ذلك الورقة الاقليمية المتمثله بالسعودية ودول الخليج وبقية اقطار العام الآخر” كما يؤكد على ان: “المشروع الأمريكي يتعرض لضربات موجعة على الأرض اليمنية وبقوّة فائقة وربُما بالشكل الذي لم تعهده منذ انتصارها عقب الحرب العالمية الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وهو مايعني بأنها باتت تشعر بقرب انهيار امبراطوريتها الهُلامية التي كانت اشبه بقشّة لو ان العالم فهمها جيداً كما فهمها اليمنييون منفرين .!
وبالمنطق العام فانه من السخافة القول بأن امريكا ستغادر منطقتنا العربية عموما وستترك اليمنيين يصنعون دولتهم بسهولة بعيدا عن هيمنتها الاستكبارية ودون الحاجة الى تضحيات جسيمة “روحية ونفسية ومادية و..الخ ” وان صح ذلك فقد اضفت على نفسها طابع “الغباء” وهي قطعا ليس كذلك انما ستحاول بشتى الوسائل زرع احقادها الاستعمارية بالشكل الذي يسمح لها من العودة لاستعباد الشعوب مجددا وإن بطُرق مختلفة ولقد بدا ذلك واضحا من خلال نتائج حروبها في اليابان وافغانستان والعراق فالى جانب كونها اثخنت في قتل الاطفال والنساء ودمّرت المجتماعات وابادتها كما تصنع اليوم في اليمن عملت على ايجاد مجتمعات تفتقد لابسط مقومات السيادة والنهوض ومحرومة من ابسط الحقوق الذي يكفلها القانون الدولي ومواثيق الامم المتحدة لجميع دول العالم .
وبلاشك فان الذين يعتقدون بأن الخضوع للسيادة الامريكية هو الطريق الأسلم او الأقل ضرراً يخطؤون خطاء فادحاً لأن ماهو مطلوب امريكيا من الآخرين ليس حلاً وسطياً أو شراكة حتى مجحفة إنما القبول بتنفيذ ترتيبات لأتسمح بتقدم أو نهوض فمن جهة هناك توجه لتفكيك الاطراف المتنافسة وتحجيمها واضعافها ومصادرة سلاحها بحيث تبقى اسيرة التهديد باستخدام القوة العسكرية ومن يشك في ذلك عليه ان يدرس بجلاء السياسة الامريكية التي صاحبة ت الثورة اليمنية اذ هدفت الى ايجاد توازن قوى مُخلّ لا يسمح بأي نهوض بل لأيسمح بأي عيش أو تجانس بشري وانما تغلب عليه كل عوامل التفكك والانقسام والتشرذم وتعصف به الحروب المستمرة بدليل مشروع الأقلمة والتفكيك .
وهنا ينبغي الإشارة الى أن ما يجب على الشعب اليمني اليوم ان يقدّمه وهو يخوض حرب وجودية ومصيرية مقدسة تستهدف كل ماله صله بالحياة البشرية ليس التضحيات بأنواعها فهو شعب عظيم ومعطاء يعرف كيف يواجه الغزاة جيدا وله تاريخ حافل بالتضحيات والبطولات في هذا المضمار، ولا “الاستبسال “و”الصمود” و”الثبات” لأنها عوامل متجذّرة في جيناته التي توارثها من الأجداد إنما الإعداد لمرحلة مابعد الهزيمة الامريكية من خلال تفويت الفرصة عليهم في أن ينسجوا خيوطهم بالشكل الذي يمكنهم من العودة للهيمنة مجددا كما صنعوا عقب هزائمهم المتتالية في آسيا وأوربا ودول امريكا اللاتينية وأن يعد نفسه ليكون صاحب القرار السيادي الأول ليس على مستوى اليمن فحسب بل على مستوى المنطقة العربية بشكل عام .

قد يعجبك ايضا