نجح الملك الجديد للسعودية، سلمان، الابن الـ 25 لمؤسس المملكة في عام واحد فقط في تثبيت دعائم سلطة الشخصية على حساب الفروع الأخرى لعائلته بما في ذلك عائلة الامير بندر بن سلطان والملك السابق عبدالله. ومع ذلك مازال من غير الواضح في ما هي الوعود التي اعطيت للخاسرين كي لا يقدموا على أي فعل في سبيل استعادة مناصبهم. فبعد ضغوط من إخوته في تعيين الامير محمد بن نايف ولياً للعهد عمل الملك سلمان بسرعة في تحجيم هذا الامير باستغلال قدراته لصالح نجله الامير محمد بن سلمان الذي لا يجرؤ مجلس العائلة الذي لم ينعقد بعد في موجهة اندفاعه ووحشيته.
في الواقع العملي يعتبر محمد بن سلمان ووالده الملك هما الحاكمان المستبدان اليوم دون وجود أي معارضة في البلد الذي لم ينتخب فيه على الاطلاق مجلس برلماني ويحظر فيه تشكيل احزاب سياسية. وعلى هذا المنوال يمكن رؤية الكيفية التي تولى فيها محمد بن سلمان رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وقد أجبر مجموعة بن لادن على العمل في مجال آخر جديد وسيطر كذلك على شركة ارامكو.. وما يهمه في كل مرة هو التلاعب بأبناء عمومته وتنصيب الموالين له في أعلى هرم للشركات العملاقة في المملكة. يعتمد النظام الملكي في شؤون السياسة الداخلية فقط على النصف من المجتمع، الوهابية السنية، ويضطهد النصف الآخر. فالأمير محمد بن سلمان هو من أشار على والده بإعدام الشيخ النمر كونه تجرأ في تحديه. وبعبارة أخرى: لقد حكمت الدولة على أهم زعيم للمعارضة بالموت وقطعت رأسه وجريمته الوحيدة أنه قال وردد شعار “لا شرعية للمستبدين”.
وما يدعى اليوم أن هذا الزعيم كان شيخأ شيعياً يعزز من الشعور أن سياسة الفصل العنصري تطال فقط المسلمين غير السنة ويحظر عليهم التعليم الديني والوظائف العامة. أما ما يخص غير المسلمين، أي ثلث الشعب، فليس لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية ولا يستطيعون كذلك الحصول على جنسية سعودية.
وعلى الصعيد الدولي فالأمير محمد بن سلمان ووالده يتبنون سياسة تستند على أسس العشائر القبلية للمملكة. ويمكن استنتاج هذا النهج من خلال مواصلة السعودية في دعم حركة طالبان وتيار المستقبل- (سعد الحريري الذي يحمل جنسية مزدوجة سعودية ولبنانية. فزعيم تيار المستقبل اللبناني يعتبر رسمياً نجلاً لـ رفيق الحريري، وبصفة غير رسمية يعتبر ابن الامير في البلاط السعودي)- ودعمت السعودية كذلك في قمع الثورة البحرينية ودعم المتطرفين في سوريا والعراق وغزو اليمن. فـ آل سعود يدعمون دائماً السنة- المقربين من الدولة الوهابية- ليس فقط المناهضين للشيعة الاثنى عشرية بل أيضا من يقفون ضد المذاهب والديانات الأخرى (الاسماعيلية، الزيدية، العلوية، النصيرية، الدروز، السيخ، الكاثوليكيين، الأرثدوكس، السباتيية اللاهوتية، اليزيديين، الزرادتشتيه، الهندوس… الخ.). ويدعم آل سعود على وجه الخصوص زعماء السنة المنحدرين من القبائل السعودية.
وبجانب ذلك تجدر الإشارة إلى أن إعدام الشيخ نمر النمر أتى في سياق إعلان الرياض تأسيس تحالف موسع ضد الإرهاب مكون من 34 دولة. وكوننا ندرك أن من تم اعدامه كان دائما ضد استخدام العنف فقد صدر عليه الحكم بالموت بسبب “الإرهاب” فهذا التحالف يعتبر تكتلاً سنياً ضد العقائد الأخرى. الامير محمد بن سلمان هو من اصدر شخصياً قرار بدء الحرب ضد اليمن، بزعم إنقاذ الرئيس عبدربه منصور هادي الذي سقط في احتجاجات وانتهت ولايته الشرعية، غير أن الحقيقة تنبئ بأن هذه الحرب تهدف إلى الاستيلاء على حقول النفط واستغلالها بالشراكة مع إسرائيل. وكما توقعنا فهذه الحرب غير موفقة وبدأ ثوار اليمن في شن غارات على السعودية حيث تتلاشى امامهم قوات الجيش السعودي تاركاً آلياته تتعرض لضربات موجعة. المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمثل ملكاً شخصياً لرجل واحد ويهيمن عليها المستبد مع نجله رافضين اي نوع من الجدل العقائدي، ولا يتسامحون مع اي نوع من المعارضة ولا يرضون إلا عن عشائرهم الموالية لهم. غير أنه ما بقي اليوم من ماضيها الطويل الذي ينبغي أن يتأقلم مع العالم الحديث فقد اهترأت هياكله حتى هوية المملكة ذاتها فقد عفا عليها الزمن وشاخت. فسقوط آل سعود يمكن احداثه من خلال تراجع لأسعار النفط. تعجز المملكة فعلا في إجراء إصلاحات لسبل حياة حرة فيها وتعيش اليوم معتمدة على مضخة النفط ويمكن وفقا لمحللين اقتصاديين ان تعلن افلاسها في غضون سنتين من الآن. وربما يمدد البيع الجزئي لشركة ارامكو من صراع المملكة مع الموت غير أنها تفقد بذلك جزءًاً من حكمها الذاتي. أما إعدام الشيخ نمر النمر فما هو إلا لفحة نار فاضت من تنور يغلي ولم يعد هناك مفر أمام انهيار مملكة آل سعود لأنه لا أمل لأولئك الذين يعيشون فيها. هذه المملكة ستسقط حتماً في خليط بين متمرد قبلي وثائر اجتماعي وستسقط فيها دماء أكثر من تلك التي سقطت في الصراعات السابقة في الشرق الأوسط.
فاليوم يترقب الحامي الأمريكي للمملكة على عجالة ويقف بعيداً عن وضع حد لهذه النهاية المأساوية. فهم لا يكفون البتة عن الثناء “لحكمة” الأمير محمد بن سلمان كما لو أنهم يشجعونه على ارتكاب مزيد من الأخطاء.
* صحفي وناشط سياسي فرنسي مناهظ للسياسة اليمينية الفرنسية.
“صحيفة فولنتير الفرنسية الناطقة بالالماني”
Next Post