عكس بجماهيره اصرار الشعب على مقارعة العدوان فيما قوافله تؤكد تماسك الجبهة الداخلية :

“ملعب الثورة”.. مشهدٌ من قصة صمود أحفاد أنصار الرسالة المحمدية

محمد محمد إبراهيم

من وسط ركام القصف المعادي الذي خلف آثاراً كارثية على المستوى الإنساني والبنيوي للخارطة اليمنية، ورغم الخطر المحيق بكل مقومات البلد، بل بكل إشارات الحركة الجماهيرية اليمنية من قبل تحالف العدوان السعودي، وتحت أزيز الطائرات ودوي انفجارات الأسلحة المحرمة دولياً، تدفقت قوافل اليمنيين من كل حدب وصوب، من كل ريف ومدينة في كل المحافظات اليمنية إلى العاصمة صنعاء، تدفقوا سيولاً خضراء لا تأبه بالخطر، في مشهد مغاير لتوقعات العالم بعدما شهدته اليمن خلال (10) أشهر متتالية من العدوان والقصف والحشد الخليجي والعربي بقيادة السعودية، وما شهدته من حرب داخلية مفتوحة مع المرتزقة الأفارقة والأمريكان والبريطانيين وغيرهم، ومع التيارات المتطرفة من إرهابيي القاعدة وداعش..

تداعيات التطرف والإرهاب والحماقات والجرائم الكارثية التي ارتكبها الإرهاب وداعش على مستوى المساجد والمعابد والمقابر والأماكن المدنية والعسكرية والساحات العامة والأحياء، ومراكز المهرجانات والاحتفالات.. بالذبح والتفجير والتنكيل الذي تلونت صنوفه.. الطيران الذي لم تسلم منه النساء والأطفال على الآبار وفي الأعراس، وفي المنازل والمشافي، بل لم تسلم مزارع الدواجن والأبقار، وتجمعات الماعز والمواشي، وعلى مدى عشرة أشهر… كل ذلك لم يمنع اليمني من الحياة بشكلها الطبيعي, معتبراً أن الموت ساعة ومرة واحدة وليس ألف مرة.. كل هذا لم يوقف سيول الجماهير اليمانية من المشاركة في هذه المناسبة الدينية الخالدة، أو غيرها.. لم يمنع الدفق البشري الذي شهدته العاصمة صنعاء.. لم يمنعهم من الاحتفاء ابتهاجاً بذكرى مولد النبي محمّد بن عبد الله صلّ الله عليه وسلم..
كيف لا وهو المصطفى من بين جميع أنبياء الله عليهم السلام جميعاً ليكون خير الخلق في الدنيا والآخرة، وهو الذي ختم الله به الرسالات السماوية، بمسكٍ من القيم الفاضلة التي لا تسمو عليها قيم السابقين واللاحقين، والأخلاق العظيمة، التي لا مجال لعظمة جوهرها وحاملها- صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتمم مكارم الأخلاق، ويهدّ بمعاول العدل معاقل الطغيان والضيم الذي ذبح وطارد وشرد المستضعفين في الأرض وسامهم سوء العذاب، وشادت مآذن التوحيد وأنارت دروب الإيمان، فاتحة أبواب التعايش الإنساني والقبول بالآخر على مصاريع الديانات والثقافات بين الأمم والشعوب..
لقد كانت صوراً حية مهيبة أدهشت الأرض والجو.. كالسيل تدفقت الجماهير الغفيرة إلى ملعب الثورة في المدينة الرياضية في يوم تاريخي جديد يضاف إلى أيام العاصمة صنعاء احتفالاً بالمولد النبوي الشريف، تعظيماً لهذه المناسبة، وتأكيداً على الالتزام بنهج النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه.. لقد حولت هذه السيول الملعب الرياضي، إلى محشر بشري أخضر، في لوحة مهيبة رسمتها مئات الآلاف من أبناء اليمن شيوخاً وشبابا وأطفالا (رجالا ونساء).. إنه الاحتفال الأكبر منذ سنوات، كان المميز فيه هو ما سبقته من ترتيبات أمنية وصحية وخدمية وفنية وإعلامية من أجل استيعاب الضيوف الذين توافدوا للحضور في هذه المشاركة العظيمة، وتقديم التسهيلات للوافدين من قبل الفرق التنظيمية سواء في الطرق المؤدية إلى ساحة المناسبة أو في الساحة المعدة للاحتفال .
هذه هي صنعاء.. وهذه هي اليمن.. أرسلت نزراً بسيطاً من سيلها البشري العارم، من أحفاد أنصار المصطفى الميامين.. هذه هي اليمن أرسلت طلائع من جماهيرها.. ليفيض بهم ملعب الثورة الرياضي وصالته الأكبر اتساعاً بين منشآت اليمن الجماهيرية والشبابية والرياضية التي تذكرني بقول شاعر يماني، لا أتذكر اسمه، لكنني أجده معبراً أصيلاً في كل التفافة عن حضور اليمن البشري والإنساني والحضاري، إذ تدفق ولم يزل يتدفق إبداعاً ولو لم أحفظ له سوى هذا البيت الشعري الذي أمطرته دهشة جماهيرية يمانية ذات صبح ضبابي في جبين اليمن:
(هذي طلائعهم أما فلو وفدوا
والله ما وسعتهم سائر السُّبلِ )..
نعم لقد تقاطرت ألوفهم من بين كل جراحات الصراعات التي أثخنت البلاد طولاً وعرضاً، ومن وسط أجداث الخراب التي فرضها العدوان الخارجي وضاعفها احتدام التنافي الداخلي.. حتى ظن العدوان الخارجي أن لا حراك لهم .. لقد تقاطرت قوافلهم الخضراء من وسط اغبرار الحياة القاسية والمعاناة لتملأ جنبات عاصمة التاريخ والحضارة الإسلامية صنعاء العصية على مطامع الغزاة عبر تاريخها العريض والعريق..
تصوير/.فؤاد الحرازي