مظاهر الاحتفال بسيد الخلق

د. محمد حسين النظاري

مع حلول الثاني عشر من ربيع الأول الأنور من كل عام، تتجلى مظاهر الاحتفال بسيد الخلق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ففي هذا اليوم تغير مجرى العالم، ونزل النور ليحل محل الظلام، وزال الظلم ليتبدل بالعدل ، وتحول الناس من عبادة الناس لعبادة رب الناس.
ليس في هذا الكون من شيء أكثر قدراً من الاحتفال بمولد النور الإلهي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، الذي تجلى للبشرية في ليلة 12 من ربيع الأول
القرار الذي تم إصداره باعتماد المولد النبوي الشريف إجازة رسمية، قرار عرى كل الحكومات السابقة، كونها تفننت في إيجاد عطل لأعياد ما أنزل الله بها من سلطان، فيما سيد البشر ومغير مجرى التاريخ وخاتم النبيين والمرسلين لا يعدون مجيئه للدنيا أكبر خير واعم فرحة، ولأنهما كذلك وجب الاحتفال به، ووجب تعطيل العمل فيه لإظهار الفرحة لأنه غير سائر الأيام..
من المصادفات أن الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه يصادف نفس الأسبوع الذي يحتفل فيه النصارى بميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى سيدنا محمد وبقية أنبياء الله ورسله الصلاة السلام، ومن العيب كل العيب، أن كثيراً منا لا يعلمون بمولد نبينا محمد، فيما يتفننون في إرسال التهاني والتبريكات بميلاد سيدنا المسيح، تقليداً لغير المسلمين.
كم من الناس يعملون قدسية لما يسمونه بيوم الكرسمس، رأس السنة الميلادية، وتراهم يعدون العدة بالمال والوقت والغالي والنفيس لتقليد الفرحة به، فيما يجهلون كل الجهل بيوم ميلاد نبيهم صلى الله عليه وآله وصحبه سلم، وفيهم من لا يعرف أننا قد ولجنا شهر ربيع الأنور من السبت الماضي، وأن الأربعاء هو المولد النبوي الشريف.
على الأسر اليمنية تربية أولادهم على معرفة الشهور الهجرية، لأن أعيادنا الدينية مرتبطة بها، وتعليمهم أن هناك يوماً غير الله به العالم، وأن فيه جاء خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن الاحتفال به مظهر من مظاهر الشكر لله عز وجل على هذه النعمة الكبيرة .
أن قمة الاحتفال به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، تتمثل في الاقتداء به والامتثال لأوامره التي هي أوامر المولى سبحانه وتعالى، ومنها نشر العدل والمساواة، وعدم التمييز بين الناس لأنه كما ورد عنه صلوات ربي وسلامه عليه:  الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، فمن يعمل على عدم إشاعة المساواة فهو لا يطبق منهج رسوله الكريم.
ومن مظاهر اتباع سنته الطاهرة تحريم الاقتتال والاحتراب وتجريم، فكما قال صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ولكننا اليوم نرى فينا من لا يتورعون عن قتل إخوتهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم، فلم يعد المسلم آمنا في بيته و مسجده و سوقه و طريقه ومشفاه و مدرسته ومعهده وجامعته، أن محبة الوطن من الإيمان كما علمنا الرسول الكريم، ولهذا من يهين وطنه ويبيعه ويعتدي عليه أو يستدعي من يعتدي عليه من الخارج ، فيحطم بنيته التحتية، ويدمر منشآته الحيوية ، وينهي كل مظاهر الحياة المدنية الآمنة عبر العدوان بمختلف الأسلحة المحرمة، كما أن هناك من يعين على حصار بلاده وأبناء بلاده برا وبحرا وجوا، تحت مسببات واهية، ولا يلحق الضرر إلا بالمواطن المسكين الذي لم يعد يجد ما يسد به جوعه، أن من يقوم بذلك لا يجسد محبته التي يدعيها ، فمن لم يسلم وطنه منه، أي محبة يمكن أن تستقر بين جنبيه.
ليس الاحتفال به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، مقتصراً على رفع الرايات الخضراء وتعليق الزينة الملونة وإطلاق الأعيرة النارية ، بل الاحتفال به أبلغ قيمة من ذلك، ومنها أن نري غير المسلمين، أن الرسول الأعظم جاء لنشر السلام والمحبة والوئام ، وأن من يقتلون النفس المحرمة مسلمة كانت أو غير مسلمة بحز الرؤس وتفجير المباني والمساجد والكنائس ، بعيدون كل البعد عن تعاليمه السمحة، بل أن غضبه عليهم كبير كونهم حرفوا الدين حسب هواهم.
أن المسلم الذي يحافظ على إحياء شعائره الدينية ، إنما ينقل صورة حسنة عن الالتزام والتقيد بكل جميل وحسن، أما الانكفاء على تقليد كل ما هو غربي، لمجرد التقليد، وقد تكون المناسبات المقلدة عبارة عن آلهة تعبد من دون الله، غرسها الغرب في نفوس شبابنا لا بعادهم عن الطريق السوي والمنهج القويم، فالسيرة النبوية الطاهرة عطرة وحافلة بالقيم النبيلة،
نبارك لا نفسنا ولكم ولكل اليمنيين حلول هذه المناسبة العظيمة، سائلين المولى عز وجل أن يمن فيها على بلادنا بالأمن والأمان وانتهاء العدوان والاقتتال والاحتراب، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا ، نستنير به على رؤية الحق لنتبعه ورؤية الباطل لنجتنبه..اللهم ونحن نحتفل بسيد البشر، حقق فينا نبوءته بالحكمة اليمانية..أمين اللهم آمين.
* اكاديمي بجامعة البيضاء

قد يعجبك ايضا