المواطنون : انتشار الجماعات الإرهابية ومرتزقة العدوان أفقدنا الأمن والأمان
عدن/صالح الشجاع
عدن, مدينة البحر والرمال الذهبية التي تسحرك بجمال طبيعتها وبساطة ناسها الطيبين, المدينة التي يعشقها كل من زارها, ولا يريد من سكنها مغادرتها, ويحلم بالعودة إليها كل من يفارقها, لم تعد كذلك.
ما الذي جرى لهذه المدينة المسالمة؟ وما الذي فعلته عدن حتى تغرق في جحيم تحالف الغزو بقيادة السعودية والإمارات؟ فكل شيء أصبح يدل فيها على العبث والفوضى, وأبناؤها يعيشون في حالة يرثى لها, جراء الغزو السعودي الأمريكي وتفشي الجماعات الإجرامية والإرهابية فيها, فالمواطن يفتقد إلى الأمن والأمان في عدن, والعديد من المقومات الحياتية والصحة والأمن, بالإضافة إلى انعدام النظافة وانتشار الأوبئة وغياب الخدمات العامة.
عدن حكاية طويلة, “الثورة” تنقل خلال هذه السطور بعض معاناة ساكنيها والوضع المأساوي الذي تعيشه :
في طريقي إلى عدن متوجهاً إليها من صنعاء, ولكن قبل أن أدخل مررت بمحافظة الضالع, ويا ليتني لم أمر عليها, لأنني مررت على ما يقرب من (60) نقطة تفتيش, لا تبعد عن بعضها البعض سوى أمتار, وكلها تفتيش بنفس الحرص الذي تفتش به النقطة الأولى.
وتالله لو كنت أمر على حدود دولة أخرى لما واجهت ما واجهته في الضالع من انتشار النقاط الأمنية التابعة للجماعات الإجرامية والمرتزقة, ومع هذا واصلت المسير إلى عدن.
غياب الدولة والإدارة
الآن أنا في مديرية الشيخ عثمان, وما أدراك ما الشيخ عثمان, هنا حيث لا وجود للدولة أو الإدارة, كل شيء غائب في هذه المديرية, والملمح البارز والرئيسي فيها هو انتشار الجماعات المسلحة وتراكم القمامة التي تستقبلك في كل حي وشارع.
وضع سيئ للغاية استفزني كثيراً, فقررت أن أكون محايداً وأن لا أنقل وجهة نظر مختلفة قد تلتبس على البعض, أن ألتقي أحد أبناء المديرية.
هنا وتحديداً في حافة (حارة) الهاشمي كانت لي وقفة مع الحاج عدنان صالح, وسألته : هل من الممكن أن أستقي منك معلومات حول الوضع العام في مديرية الشيخ عثمان اليوم؟
أخذ الرجل يسترسل في إجابته بعد أن أشعت في نفسه جواً من الطمأنينة ومن دون أي تحفظ قائلاً : يا ابني الوضع في الشيخ عثمان لا يسر عدواً ولا صديقاً, هنا كل شيء جامد لا يتحرك, وكما تشاهد بأمّ عينيك فأكوام القمامة متكدسة أكواماً أكواماً, ولا وجود يذكر للسلطات المحلية حتى تتلافى هذه الكارثة, لقد انتشرت المظاهر المسلحة التابعة لقوات تحالف العدوان من المرتزقة والأجانب.
ويضيف : عن ماذا أحدثك أيضاً, عن الخدمات التي تكاد تكون شبه مفقودة, ففي الشيخ عثمان لا وجود لأسطوانات الغاز إلا المتوفرة في السوق السوداء بسعر يتراوح بين (6000 و7000) ريال للأسطوانة الواحدة, حتى الديزل الذي يقال أنه يباع بسعره الرسمي لا وجود له, وإذا وجد فلا يمكن الحصول عليه إلا بوساطة أو شرائه من السوق السوداء بتسعة آلاف ريال للدبة, والسبب الحصار الظالم الذي تفرضه قوات تحالف الغزو على الشعب اليمني والذي منع دخول المواد الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية, باختصار تريد قوات التحالف إذلال الشعب اليمني عن طريق منع الغذاء والدواء عنه في ظل صمت دولي مريب, المهم يا ابني خليها على الله, فالوضع في عدن كارثي, خاصةً وأن العدوان السعودي يسعى إلى احتلال أراضي بلادنا, خاصةً عدن, وذلك من خلال نشر قوات عسكرية من دول الغزو في عدن, معلنين بذلك استعماراً جديداً, ولكن على هذا العدوان مجرد التفكير في أنهم لن يستطيعون تحقيق مآربهم التي لا تدل إلا على حقدهم على اليمن وشعبه, فاليمن كان ولا يزال واحداً, وسوف يحقق الشعب النصر مهما كانت إمكانياتنا لا توازي إمكانات العدو الغاشم الذي دمر كل ما هو جميل في عدن.
أحبطني كثيراً هذا الكلام الذي سمعته من هذا الرجل الطاعن في السن وقررت أن أخط رحالي باتجاه المنصورة.
مدينة المنصورة
وصلتها في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً ووجدت فيها أن كل شيء جامد لا يتحرك كما وجدته في الشيخ عثمان, الحمدلله أنني وصلت والكهرباء واصلة إلى هذه المديرية, لكن هناك خدمات رئيسية غائبة عن هذه المدينة, فبسبب الحصار وانعدام المشتقات النفطية وجدت أكواماً من القمامة المتكدسة في كل زقاق وشارع, وكذا طفح المجاري بالتجلي الواضح لغياب أي مظهر من مظاهر السلطة الحقيقية في المديرية.
وما يزيد الطين بلّة مظاهر المسلحين المتمركزين في كل شارع, فهذه نقطة للحراك وأخرى للقاعدة, ونقطة لبلاطجة وغيرها من المظاهر, لقد غاب الأمن وظهرت الجريمة والاغتيالات والقتل دون رقيب منذ خروج الجيش واللجان الشعبية من عدن.
عدن تغيرت
ما الذي حدث لعدن؟ ما الذي غيّرها؟ ما كانت هكذا في يوم من الأيام, هذه المدينة التي يؤمّها طلاب المدينة وأصحاب الحاجة إلى الأمن لم تعد كذلك, ما الذي اعترى مدينتي التي عاش فيها والدي وترعرعت فيها والدتي؟
أحدث نفسي وأنا أكاد أطبق يداً على يدٍ لفرط ما شاهدته فيها من مناظر لا تسر عيناً ولا ترضي خاطراً, توقفت أمام أحد المنازل, تجولت بنظري على ما حولي, فرأيت امرأة عجوزاً تجلس أمام باب منزلها, ودار بيننا الحوارالتالي :
– كيف حالك؟
– أجابت : الحمدلله, من أين أنت؟
– أنا من صنعاء, لكنني تربيت في عدن.
ضحكت الخالة وقالت بصوت متهدج : يا ابني كلنا من أبناء الشمال, ولكن آبائنا وفدوا إلى عدن, يعني حالي من حالك, بأيش أقدر أخدمك, عطشان تشتي ماء, أو جيعان تشتي عشاء؟
قلت لها : شكراً يا خالة, لكن أريد أن أسألك عن الأوضاع في عدن, فقالت : أولاً أني جالسة أنتظر ابني الذي خرج من يومين لشراء الغاز من الأماكن التي تباع فيها بالسعر الرسمي وإلى الآن واني انتظر وصوله وبصراحة اني قلقة عليه لو حصل له شيء خاصة وأن عدن تعيش حالة من الفوضى بعد خروج الجيش وانتشر بدلا عنه العصابات الإجرامية وقوات تحالف الغزو ومرتزقته.. واشتي أقول لك حاجة لما قلتلك تشتي عشاء كنت مستحية تقول ايوة وما فيش معانا عشاء لأنه ما فيش معنا أسطوانة غاز.. وهذا بسبب الحصار الذي نعاني منه منذ بدء العدوان وفرض الحصار السعودي على اليمن.
أما عن الأوضاع في عدن فهي لا تسر الأصدقاء والأقرباء فقد غاب الأمن والأمان وانتشرت العصابات والقتل في ظل وجود قوات تحالف الغزو السعودي ومرتزقته.
ثم أخذت تشهق وتقول يا أبني إذا أردت أن تسأل عن أحوال الناس فأذهب إلى المستشفيات هناك حيث لا تطبيب ولا دواء والمرضى يعانون الأمرين وللأسف الشديد دول التحالف التي تزعم بأن هدفها مستقبل اليمن وشعبه ما هي إلا شعارات كاذبة تسعى من خلالها للوصول إلى أهدافها الخبيثة فكل يوم نسمع بأن هناك معونات ومساعدات إغاثية لأبناء عدن لكن كل هذا في مهب الريح فالسعودية ومن معها لا تهتم أبداً بهذا الشعب العريق ولكننا سوف نصمد في وجه هذا العدوان حتى لو مائة عام.
فرزة المنصورة
أنا الآن في فرزة المنصورة انتظر تاكسي (سيارة أجرة) ليقلني إلى المعلا وقد طال انتظاري حتى وجدت تاكسي فاستوقفته بادرني صاحب التاكسي إلى أين؟ وقد كانت الساعة العاشرة مساء أخبرته إلى المعلا فاعتذر مني صاحب التاكسي وعلل اعتذاره بأن الوضع غير آمن وأن عدن مدينة باتت تنام من الساعة التاسعة مساء.. بسبب انعدام الأمن.. كما أن السرقة والسطو انتشر بشكل كبير مستغلين غياب الجيش واللجان الشعبية التي كانت تواجه الغزو السعودي.. هنا قررت العودة للبحث عن مكان أنام فيه حتى وجدت الفندق المناسب الذي وافق على استضافتي.
مديرية المعلا
في تمام الساعة السابعة صباحاً استيقظت من نومي وهناك وجدت العشرات من سيارات الأجرة المستعدة أن تقلني إلى المعلا وجهتي الثالثة في رحلتي إلى عدن وفي الساعة السابعة والأربعين دقيقة كنت في منطقة المعلا وهناك أيضا وجدت كل شيء جامد لا يتحرك مع أني انتظرت إلى الساعة العاشرة صباحا في أحد المطاعم التي تفتح مبكرا لتوثيق انطباعاتي عن المعلا وأهلها وللأسف وجدت أن الملمح البارز في هذه المديرية المظاهر المسلحة للمرتزقة والقاعدة.
يا الله أي مصير أسود ينتظر هذا الشعب جراء التدخل السعودي الغاشم في الشأن اليمني.
دائرة مفرغة
في المعلا التقيت الأخ محمد باسليم تاجر أقمشة وطرحت عليه سؤالاً عن وضع تجارته في الوقت الراهن فقال:
– سأجيبك عن سؤالك وفي الحلق غصة فمحلاتنا باتت خاوية على عروشها لأسباب كثيرة تبدأ بسبب العدوان السعودي والحصار الغاشم الذي تفرضه السعودية على اليمن .. بالإضافة إلى ضيق ذات اليد وعجز المواطن على الاستعانة بها لشراء حاجته بالإضافة إلى عجز أصحاب المحلات عن تلبية احتياجات المواطن وتكاد المسألة قد تكون بالدائرة المفرغة التي يدور من حولها المواطن والتجار.. فالعدوان فرض حصاراً خانقا على الشعب اليمني ودمر البنية التحتية والمصانع والطرق.. لقد قتل الأطفال والنساء والعجزة والله أعلم إلى أين سيصل بنا الحال إذا استمر العدوان والحصار الغاشم على البلد.
كنتونات مغلقة
– قررت أن أنطلق باتجاه التواهي هنا استقبلتني العديد من النقاط الأمنية ويبدو أن المنطقة أغلقت لصالح مليشيات القاعدة في كل نقطة كنت أمر بها يسألوني من أين وإلى أين؟ فأخبرتهم أنني في زيارة خاصة لبعض أفراد الأسرة في التواهي للاطمئنان عليهم وبعض تلك النقاط اشتبهت بي لأسباب لا أعلم بها في المحصلة وجدت عدن وكأنها كنتونات مغلقة لصالح مليشيات تابعة لتحالف العدوان مكونة من جماعات إرهابية وإجرامية كُّل منها تأخذ صبغة ولوناً معيناً تزع الرعب والخوف في نفوس المواطنين وتمارس عمليات القتل والسطو والاغتيالات.
سيئ للغاية
– في أحد شوارع التواهي التقيت بالأخت أم صهيب وطرحت عليها سؤالاً عن الوضع المعيشي في عدن وآثار الحصار المفروض على الشعب اليمني من قبل قوات تحالف العدوان، وقد جاءت نظرتها مغايرة جداً عن الوضع في المحافظة وبدأت حديثها بالقول: الوضع المعيشي في المحافظة سيئ جداً حيث يعاني أبناؤها كثيراً من غياب المواد الغذائية والدواء وانعدام المشتقات النفطية مما أدى إلى تردي الخدمات وانتشار حالات السرقة والسطو على المواطنين.
– وأضافت: لا يوجد أي تطور يمكن الإشارة إليه بعد دخول مرتزقة العدوان السعودي بل زاد الوضع سوءاً، ولم يعد هناك أمن وأمان وانعدمت وسائل المواصلات وارتفعت الأسعار.. فمن حراك مغلق إلى حرب على القاعدة وداعش إلى مليشيات مسلحة إلى عدوان خارجي فانتشار مفجع لظاهرة حمل السلاح ثم إلى حوادث التقطعات والاختطافات والاغتيالات وبروز ظاهرة الفراغ الأمني التي تسبب به العدوان الغاشم بقيادة السعودية التي ومنذ الأزل وهي لا تريد لليمن وأبناء اليمن أن يعيشوا في سلام وتقدم وازدهار.
– وخلصت إلى مناشدة الجيش واللجان الشعبية والسلطة المحلية والمخلصين من أبناء الوطن بضرورة توحيد الصفوف وأن يكون همنا أولاً وأخيراً هو الوطن والحفاظ على ما تبقى من مكتسباته ووحدته قبل فوات الآوان.
الطريق إلى كريتر
أثناء مغادرتي من التواهي إلى عدن كريتر ذهبت إلى الشاطئ الذهبي “جولد مور” الذي كان يعج بالناس والأطفال ولم أصدق نفسي بأنه أضحى شاطئاً خالياً إلا من الرمل.
– لن أتوقف هنا طويلاً وسأواصل السير متجاوزاً منطقة القلوعة إلى عدن كريتر.. هنا شعرت أن محفظتي توشك أن تفرغ فاتصلت بأحد الزملاء ليحول لي مبلغاً مالياً معيناً إلى بريد عدن كريتر، رد علّي زميلي بأن المبلغ سيكون في حوزتي في غضون نصف ساعة وعليه اتجهت بكل ثقة إلى بريد كريتر وتحديداً في شارع ملعب الحبيشي وتفاجأت بطابور طويل من الرجال والنساء ينتظرون حوالاتهم المالية والبعض منهم ينتظر رواتبهم، وعندما سألت عن سبب هذا الاصطفاف الكبير قيل لي بأن الأسباب مرتبطة بأبعاد أمنية خوفاً من وجود انتحاريين أو عملية تفجير.. فقد انتشرت بشكل كبير وملحوظ.. على الفور توجهت بالسؤال إلى أحد المطوبرين في هذا الطابور وهو العم عبيد، وسألته من متى وأنت تنتظر في هذا الصف الطويل؟
– رد عليّ: أنا منذ الساعة السابعة والنصف صباحاً وأنا انتظر أن أقبض راتبي خشية أن يغلق البريد وقد تعودنا أن يفتح ويغلق قبل موعده الرسمي.. رواتبنا ترسل من صنعاء والعدوان السعودي يعتدي علينا ويحاصرنا من البر والبحر والجو لم يترك لنا شيئاً.. لقد انتشرت قوات المرتزقة في كل مكان يقتلون ويسلبون دون رقيب.
– هنا تحسست محفظتي ووجدت أن فيها ما يكفي لسد حاجة اليومين القادمين فقررت ألا انتظر في هذا الطابور الطويل.
مدينة مفتوحة
– في الخلاصة وجدت أبناء عدن يعانون الأمرين في كل المديريات التي مررت منها تعاني من المظاهر المسلحة للجماعات الإرهابية ومرتزقة العدوان.. وتعاني من ارتفاع الأسعار وغياب المواد الغذائية والدواء وانعدام المشتقات النفطية وغياب وانعدام الأمن، وهو الغياب الذي لا يعادله أي غياب آخر للخدمات المفقودة منذ خروج الجيش واللجان الشعبية من عدن.. فعدن مدينة مفتوحة على كل الخيارات.. وللأسف الشديد لا وجود لخيار واحد يمكن أن يصب في مصلحة المدينة سوى خروج قوات تحالف الغزو السعودي الأمريكي وعودة الجيش إلى عدن وعودة عمل المؤسسات الوطنية وإيقاف العدوان السعودي وفك الحصار المفروض على الشعب اليمني من قبل النظام السعودي.. ولن يتم ذلك إلا بتكاتف الجميع ضد العدوان وأن يعود مجلس الأمن إلى صوابه ويضغط على الدول المشاركة في العدوان على اليمن بأن توقف عدوانها الغاشم وغير المبرر.