اليمن يسجل رقماً قياسياً في غياب الكهرباء
كتب/محمد العزيزي
لم يقتصر العدوان السعودي وحلفاؤه على نثر حمم الموت وصواريخ الدمار على كل شيء في اليمن ؛ بل شمل كل جوانب ومناحي الحياة ومع ذلك ورغم كل هذه الحرب الشعواء واجه الشعب اليمني هذه الحرب بالصبر لا شيء غير الصبر وهو سر هذا الصمود الأسطوري منذ بدء الحرب وحتى اليوم .
موضوعنا لهذا الأسبوع سنناقش فيه جانب من هذا الصمود المذهل موضوع الكهرباء التي يعتبرها العالم وكل خبراء الاقتصاد بأنها قاطرة التنمية، بمعنى انه لا تنمية ولا تطور ولا مسيرة للحياة بدون كهرباء ؛ فلا يوجد مجال من مجالات الحياة إلا ونحتاج إلى التيار الكهربائي ؛ وغياب الكهرباء يعني توقف الحياة وكل مناحيها .
أكثر من سبعة أشهر من العدوان على اليمن والكهرباء مقطوعة بشكل تام على المواطن اليمني وهو يتجرع ظلام الليل وساعات المساء .. وهنا يتساءل عموم الناس .. هل يستطيع أي شعب أن يحتمل انقطاع الكهرباء لما يقارب العام غياباً تاماً ؟!!!
سؤال محير في الحقيقة، لكن المواطن اليمني أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه استطاع تسجيل رقم قياسي في الصبر على انقطاع الكهرباء عاماً كاملاً نحن نقوم عاماً لأن الكهرباء كانت قبل العدوان شبه منقطعة طوال اليوم؛ غياب التيار الكهرباء هذه الفترة على الشعب اليمني يعد من غرائب الدنيا خصوصا وأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين عصر السرعة والكهرباء والعالم الالكتروني والرقمي ؛ شعوب العالم لا يمكن أن تعيش ساعات بدون كهرباء لأن حياتهم ستتعطل كون الحياة رقمية تعتمد على الكهرباء .
هذا لا يعني أن وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء خارج إطار المسئولية أو أنها غير مسئولة عن إعادة التيار ؛ بالتأكيد هي مسئولة مسئولية كاملة لإعادة التيار ولو لساعات كما كان في السابق، خصوصا أن هناك عدداً من محطات الكهرباء تعمل بالديزل والمازوت وهاتان المادتان متوفرتان وبشكل كبير ؛ ومن هذه المحطات مثلا محطات حزيز وذهبان وعصر والقاع في أمانة العاصمة ومحطة رأس كثيب والمخا والصليف في مدينة الحديدة وأيضا في مدن تعز وذمار وإب وعمران .. السؤال أيضا أين ذهبت هذه المحطات ولماذا لا يتم تشغيلها؟!!! وهل توقف هذه المحطات يعني جزءاً من العدوان ؟ ومن يقف وراء هذا العمل الإجرامي في محاربة المواطن في حق العيش ؟ بصراحة هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة من الجهات المعنية والقائمة على هذه الخدمة و التوضيح للمواطن عن هذا التوقف غير المبرر وغير المسئؤل .. إعادة التيار الكهربائي للمواطن الصامد والصابر مسئولية وطنية وأخلاقية وإنسانية بطبيعة الحال .. كما أن إعادة التيار الكهربائي للمواطن جزء لا يتجزأ من مقاومة العدوان والإسهام في دعم الصبر الأسطوري والاستراتيجي لهذا الشعب ؛ وكذا لانعاش الحياة و استمرارها وعدم توقف التنمية والعمل اليومي للمواطن .
مع نهاية العام2007م أعلن مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء حينها أن اليمنيين سيودعون الظلام إلى الأبد بداية العام القادم وكان يقصد 2008م ؛ وبتفاؤل قال وداعاً للانطفاء نحن على بعد أشهر إذا لم تكن أسابيع وسينقشع كابوس الإطفاءات المزعج للمواطنين وذلك مع اقتراب موعد تشغيل محطة مأرب الغازية (المرحلة الأولى) بقدرة 341 ميجاوات والتي ستوفر قدرا من الطاقة ؛ ستمكن المؤسسة من القضاء على العجز في الشبكة الوطنية الموحدة ؛ انظروا إلى الحال الذي كنا عليه وكيف أصبحنا اليوم .
لم يقف عزيزي مدير عام مؤسسة الكهرباء عند هذا التفاؤل بل زاد وقال « الطاقة التي ستوفر من دخول المحطة الغازية ستسمح لنا بالتوسع في إيصال الطاقة الكهربائية إلى الكثير من المناطق الريفية وإلى كل بيت وبما يخدم مسيرة التنمية ؛ لأن الكهرباء هي القاطرة الفعلية للتنمية « .
يا لطيف كم كان هذا المدير متفائلاً وكم زرع من الآمال والفرحة على وجوه من استمع وقراء تصريحات صاحبنا المدير ؛ وعشم أبناء الريف الساكنين في المدينة أن قراهم سيدخلها النور أخيرا .. بصراحة أنا واحد ممن بدا متحمسا في إعداد ملف المعاملة لإيصال مشروع الكهرباء إلى قريتي .. واتصلت بعضو مجلس النواب عن الدائرة وقلت له بالحرف أسهل مشروع يمكن أن يدخل المنطقة هو مشروع الكهرباء .. همّتك .. منطقتنا محرومة من كل المشاريع منذ أن قامت الجمهورية .. هذا التفاؤل تبخر مع دخول البلاد حالة الفوضى منذ العام 2011م و حتى الآن .
لا يهم ماذا رد عليّ عضو مجلس النواب خلال تلك المكالمة الهاتفية .. ما يهم هو كيف هو حال الكهرباء اليوم .. والحال الذي وصلت إليه خلال العامين الماضيين .. وما تسبب به العدوان من مآس و ظلام دامس طوال هذه الأشهر الماضية ؟ .. أعود وأقول إننا إذا مالم نأخذ بعشم وتفاؤل ذلك المسئول ..هل تحركت قاطرة التنمية وتوقفت الانطفاءات ؟! هل هي آمنة وعملت على تأمين احتياجات المواطن والاستثمارات التي شحبنا من دعوة أصحابها القدوم إلى البلاد ..
ما أريد أن أقوله هو أننا في اليمن نفرط بالتفاؤل ونزرع الدنيا بالورد وبالمقابل نحطم كل شيء وندمر كل ما يخدم حياتنا ويساعدنا على العيش بأيدينا وبكل سذاجة وبدم بارد .. من منا كان يتوقع أن تضرب خطوط الكهرباء وتهدم أبراجها ويعيش أبناء اليمن في ظلام دامس لشهور في ظل أمل حملنا مشاعله لسنوات .. أما أننا لم نفهم الواقع السياسي والإداري والثقافي الذي تدار بها البلاد وتخاذل كل القيادات العليا والحكومة والبرلمان في حماية المواطن ومصالحه ؛ وتوفير أبسط الخدمات هي الكهرباء .. الجميع كانوا يتنافسون على نقل بشرى خبر الاعتداء على الكهرباء وخطوطها بكل سعادة ودون مراعاة لمعاناة المواطنين المتضرر الأول و الأخير .
أما اليوم فلا عزاء الكهرباء مقطوعة تماماً منذ فترة طويلة تقترب من إتمام عامها الأول والجهات المعنية لا تحرك ساكناً ولا ندري إلى متى سيظل هذا الحال والمعاناة ؟