شرعيات من ورق

د. شاكر علي الشايف

يعتبر مبدأ الشرعية من أهم المبادئ الدستورية في الدول الحديثة المعاصرة, ويقصد به “وسيلة إسناد السلطة ” وطريقة الوصول إليها ولذلك يجب أن يتم تولي السلطة وفقا لما تنص عليه القواعد والنصوص الدستورية والقانونية, وبالوسيلة المحددة سلفا, فمنصب رئيس الجمهورية سنده الشرعي هو الدستور الذي يحدد شروط ووسيلة تولي هذا المنصب ولأن مجمل القواعد المنظمة لتولي هذا المنصب منصوص عليها في الدستور فإنها تسمى بالشرعية الدستورية .
ويرتبط مبدأ الشرعية ارتباطا وثيقا بالوسيلة التي تتم من خلالها إسناد السلطة ,فالشرعية تمنح للوسيلة المشروعة وليس لأشخاص الحكام, والذي لم يمنحوا الشرعية الدستورية إلا بمناسبة توليهم السلطة وفقا للوسائل والطرق المشروعة.
وكذلك ترتبط الشرعية الدستورية بالشعب وتعبر عن رأيه وهي أيضا إحدى ضماناته, ولذلك يجب أن لا تستخدم هذه الشرعية في إذلال الشعب أو عدم أخذ رأيه بعين الاعتبار,فمثلا قد يتضح أن شخص الرئيس الذي تم إسناد السلطة إليه غير قادر على الاستمرار في هذا المنصب , فحينئذ نغلب الشرعية الشعبية التي هي أساس للشرعية الدستورية , ولكن يجب أن يتم ذلك بالطرق المشروعة التي تحدد كيفية اتخاذ مثل هذا الإجراء, لأن الشعب عندما يحترم القواعد القانونية يجبر السلطات على أن تحترم أيضا الدستور والقانون .
ومبدأ الشرعية من أهم المبادئ التي زاد الطلب عليها في الدول العربية خصوصا منذ عام 2011م, ومع كثر الحديث عن هذا المبدأ أصبح ينظر إليه وكأنه الحل السحري للأزمات العربية , في حين لا يوجد ذكر لهذا المبدأ في دول العالم ,وقد يرجع السبب في زيادة الطلب عليه واستهلاكه في الدول العربية , إلى أن حكامها عندما يغرقون يتذكرون هذا المبدأ, وذلك محاولة منهم للبقاء في السلطة والإيحاء للشعب بأنهم يحترمون الشرعية الدستورية, ويحترمون الدستور والقوانين في الدولة بالرغم من صعودهم لكرسي الحكم وبقائهم فيه لعقود مخالفة للدستور .
ويختلف مبدأ الشرعية في الدول ذات الأنظمة الجمهورية عن الدول ذات الأنظمة الملكية , ففي الدول الأولى تستمد الشرعية من القواعد الدستورية للدولة , والتي صاغها الشعب وتعبر عن إرادته فهو مالك السلطة ومصدرها وليست منفصلة عنه, أما في الدول ذات الأنظمة الملكية فتعتبر الشرعية حقا شرعيا أو شخصيا تتوارثه أسرة حاكمة , وبذلك تنفصل الشرعية عن الشعب ولا تعبر عن إرادته .
 والدول العربية وهي خليط من أنظمة جمهورية وملكية , فكثيرا ما سمعنا بمبدأ الشرعية وتغنت به الأنظمة السياسية وبشدة, وهي في واقع الأمر بعيدة عنه ولا تعرفه إلا عند الشدة , ففي الدول ذات النظام الجمهوري نجد عدم التزامها بأبجديات هذا المبدأ وهو مدة الولاية للرؤساء , فمنهم من أمضى عقودا على كرسي الحكم ومنهم من لا يزال يخوض انتخابات للمرة الخامسة ومكتسحا بـ99.99%, ومنهم من لم يحترم النظام الجمهوري ويحاول توريث السلطة ,أما في الدول ذات الأنظمة الملكية فهي لا تعير الشعب أي أهمية ولا تزعج نفسها بهذا الخصوص وكأن الأمر لا يعنيها ,فتظل شرعية حكامها حتى يدخلوا في غيبوبة سريرية أي إلى مالا نهاية وتصعد روحه مع شرعيتها , وإذا كانت الأنظمة الجمهورية تقوم بانتخابات ولو كانت صورية فذلك اعتراف منها وتأكيد على أن هذا الحق يمنحه الشعب للحكام , على عكس الدول الملكية التي تمنح شرعية الحكم بمجرد تقبيل اليد والمبايعة بعد أن يعلن نفسه ملكا.
وإذا كان ذلك هو حال الشرعيات في الوطن العربي , فإن النظرة إليها اختلفت وفقا لشخص الحاكم وليس للوسيلة الشرعية , وقد شهدنا في الوطن العربي واقعا عمليا مع الشرعيات العربية,فهناك شرعيات أعدمت وأخرى قتلت وأخرى سجنت وأخرى عوقبت وهناك شرعيات جار إسقاطها,وكل هذه الشرعيات العربية والمتنوعة لم تحرك أو تهز عروش الحكام العرب, أو مشاعر أو إنسانية المنظمات الدولية ,وذلك لأنهم نظروا إلى شخصيات الحكام ولم ينظروا إلى شرعياتهم الدستورية , واليوم ماذا يرون وكيف ينظرون إلى الشرعية في اليمن, والتي هي أضعف وأوهى الشرعيات العربية السابقة , لأنها شرعية توافقية وليست دستورية ,كما إن مدتها التوافقية انتهت بالإضافة إلى تقديم الرئيس استقالته, وذلك اعتراف منه بعدم قدرته على إدارة شئون البلاد خلال أربعة أعوام تمتع خلالها بدعم شعبي وسياسي وإقليمي ودولي غير مسبوق, وقد يكون السبب في ذلك لأنهم يرون فيه أشياء قد سبق للشعب اليمني أن رآها في شخص الرئيس, وهي تبعيته وعدم استقلالية قراره, فهم ينصرون ويسقطون أشخاص الحكام وليس شرعياتهم الدستورية ,والأهم من هذا كله أن ما يسمى اليوم بقادة دول التحالف يتوزعون بين فاقد للشرعية أو من لا يعرفونها من الأنظمة الوراثية غير الديمقراطية ,وبين حكام عرب مشكوك في شرعيتهم .
 والحقيقة أن شماعة الشرعية ليست هي السبب الحقيقي لكل هذا العبث باليمن,فكل دولة لها سببها الخاص,

قد يعجبك ايضا