مدن السراب وحضارة الدخان..

في حكايات السندباد والرحالة التائهين كان للسراب عالم وكان للوهم مدن وجنات وحدائق غناء وحياة..
كان للوهم عالم لا نهائي الخيال وكان للسراب حضارة ومدن وقصور بهية القباب مسورة بالنخيل والحدائق والواحات وعذب الينابيع..
كان للسراب حضارة شيدها الرحالة التائهون ورسموا تفاصيلها على صفحة آخر قطرة حياة في عيون الظامئين وفي مساحات شاسعة من الرمال والجفاف مسكونة بالظمأ والأوهام ترك الموت للتائهين لحظات قصيرة ومنحهم فرصة لبناء وتشييد مدنها وقصورها وجناتها وينابيعها كآخر أمنية لهم في الحياة قبل اندماجهم في الرمال والعدم وتلاشيهم في السراب وما أكثر مدن وجنات اللحظات الأخيرة التي شيدتها خيالات التائهين في صحراء السراب الكبير..
لكن ورغم أن مدن الوهم ملأت كل ما قرأنا في حكايات السراب إلا أن الناجي الوحيد الذي يفترض أنه عاش ورأى مدن الوهم وجنات السراب ونقل للرواة حكايات الظامئين ظل مجهول الاسم والوجهة والعنوان..
اليوم وبعد زوال كل ذلك الإرث الصحراوي الكبير وبعد أن تلاشت حضارة ومدن السراب وانطوت صفحة مدونات التائهين بدأت حكايات جديدة وحضارة صحراوية أكثر اتساعا وأكثر قدرة على ترجمة الخيال البشري وتجسيد الامنيات..
اليوم انتهى عصر حضارة السراب وبدأ عصر حضارة الدخان وهاهو الدخان يصنع حضارة شاسعة المدن شاهقة القصور مدهمة الجنات متعددة الدول والحكومات مسكونة بالأمراء والملوك والأثرياء..
حضارة زيف جديد تمتد خارطتها فوق مساحات شاسعة من صحراء السراب القديم..
حضارة وهم جديد تزداد مدنها اتساعا وبهرجة بازدياد ما تنفثه عوادم السيارات من أدخنة وتزداد مبانيها ارتفاعا كلما ازدادت أبخرة المصانع ارتفاعا وما أكثر ما تنفثه المصانع وعوادم السيارات من أدخنة وملوثات تمنح امراء وملوك حضارة الدخان المزيد من الرفاهية والترف والمزيد من الغرور والذنوب..
لكن ومهما كان حجم ما صنعه وشيده الدخان – حتى وإن بدا لنا ما يعيشه ملوك وامراء الوهم الجدد نعيما لا يزول- فستظل حضارة الدخان حضارة لحظة سرعان ما ستتلاشى عند انقشاع سحابة الدخان ومثلما تلاشى كل ما رسمه وشيده الرحالة التائهون في آخر قطرة حياة في عيون الظامئين سيتلاشى كل ما نراه حولنا من زيف عند نضوب واحتراق آخر قطرة نفط في صحراء الزيف والسراب القديم الجديد..

قد يعجبك ايضا