السعودية وخطر الغدر الأميركي
من استمع إلى الخطاب الذي ألقاه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مجلس الشورى أمس الأول (الثلاثاء) وما ورد فيه من لهجة طابعها التحدي وتغلب عليها لغة التهديد يتبادر إلى ذهنه انه استمع إلى جنرال أميركي يقود المعارك من غرفة للعمليات تحت الأرض وليس إلى مهندس الدبلوماسية في بلده.
خطاب الأمير الفيصل يعكس المزاج “التعبوي” العام في المملكة العربية السعودية التي تواصل أسراب طائراتها قصف أهداف لحركة “أنصار الله” الحوثية وتجمعات لقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في العاصمة اليمنية ومدن أخرى مثلما يعكس أيضا السياسة “الصقورية” الجديدة التي يتبناها العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز وتتناقض كليا مع سياسات “القوة الناعمة” التي اتبعها الملوك السابقون في الاعتماد على القوى الخارجية عسكريا في مواجهة أي تهديدات للمملكة على غرار ما حدث أثناء الثورة الإيرانية (اللجوء إلى العراق) واجتياح الكويت (الاستعانة بالقوات الأميركية).
الأمير الفيصل قال “أن المملكة ليست من دعاة الحرب ولكننا جاهزون لها إذا قرعت طبولها” واتهم إيران “بتصدير الثورة” ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ”سفاح دمشق” ورد ضمنا على وصف مسؤولين إيرانيين لبغداد بأنها عاصمة الامبراطورية الفارسية بالقول “أنها عاصمة العروبة الجريحة التي قاست الأمرين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من أطراف خارجية” في إشارة إلى إيران.
هذا الكلام القوي ينطوي على مستودع غضب هائل ولم يصدر مثله مطلقا عندما اعتدت قوات حوثية على الأراضي السعودية عام 2009 واحتلت أكثر من 400 قرية محاذية للحدود اليمنية واستغرق الأمر القوات السعودية بمختلف أسلحتها أربعة أشهر لإخراجها فما هي أسباب هذا التحول في اللهجة والممارسة العملية¿
***
القيادة السعودية شعرت ان حكمها مهدد بشكل جدي غير مسبوق بسبب الاتفاق النووي الأميركي الإيراني الذي سيعيد طهران إلى ما قبل الثورة الخمينية ويتوج السيد حسن روحاني ولكن بعمامة بيضاء وشرعية دينية تعتمد على القوة والنفوذ القوي المهيمن في أربع دول عربية ويتطلع إلى المزيد.
إيران وصلت إلى هذه المكانة لأنها اعتمدت على نفسها وانخرطت في نسج خيوط تحالفات إقليمية ودولية فاعلة وبنت صناعة عسكرية متقدمة وتبنت مشروعا سياسيا معاديا لأميركا وإسرائيل ولم ترهبها الأساطيل الجوية والبحرية الأميركية مطلقا وصمدت في وجه حصار اقتصادي استمر ثلاثين عاما ولم تصرخ أولا في مسابقة عض الأصابع وما لا تفهمه السلطات السعودية السابقة في المملكة أن الأميركان لا صديق لهم وتفاوضوا مع إيران لأنهم لا يستطيعون هزيمتها عسكريا وإذا هزموها فان انتصارهم لن يكون حاسما وكلفته ستكون غالية جدا وباهظة التكاليف ماديا وبشريا واستراتيجيا.
المملكة العربية السعودية في المقابل وعلى مدى الأربعين عاما الماضية اتبعت السياسات غير المناسبة ونسجت التحالفات الخطأ ولم تترك مسافة بينها وبين سياسات الهيمنة الأميركية في المنطقة واعتقدت أنها في تحالف استراتيجي مع الغرب لا يمكن أن يهتز مطلقا ومولت كل الحروب الأميركية سواء في أفغانستان أو الكويت أو العراق لتكتشف أن أميركا لم تتردد مطلقا في طعنها في الظهر وانحازت إلى إيران القوية على حسابها.
جميل أن يتحدث الأمير سعود الفيصل عن بغداد بأنها عاصمة “العروبة الجريحة” ولكن ليسمح لنا الأمير الفيصل ان نعود إلى تصريحاته التي أدلى بها أثناء حرب “تحرير الكويت” أو الحصار الظالم الذي فرض على العراق بعدها والعدوان الأميركي الذي انتهى باحتلالها ونذكره بما ورد فيها من جمل وعبارات لكي يدرك جيدا ان من اختلفوا معه وسياسة بلاده تجاه العراق كانوا ابعد نظرا وأكثر إيمانا بالعروبة ولا نريد فتح الجروح ونكتفي بهذا القدر.
لنكن صرحاء ونعترف بأن المملكة العربية السعودية هي التي قرعت طبول الحرب وهي التي أرسلت 185 طائرة لمنع القوات الحوثية من الاستيلاء على عدن العاصمة المؤقتة للرئيس “الشرعي” عبد ربه منصور هادي في حرب “استباقية” ودون إطلاق رصاصة واحدة على الأرضي السعودية من الحوثيين أو غيرهم هذه المرة والقانون الدولي واضح كل الوضوح في هذا المضمار.
نحن لا نجادل مطلقا في حق السعودية في الدفاع عن أراضيها حتى لو أدى ذلك إلى خوض حروب “استباقية” ولكن ما نجادل فيه هو عدم التبصر مبكرا في استقراء الأسباب التي أوصلت الأمور إلى هذا المنحى الخطير.
فإذا كان “امن اليمن جزء لا يتجزأ من امن المملكة والخليج والأمن القومي العربي” مثلما قال الأمير الفيصل ونحن نتفق معه تماما في كل كلمة قالها في هذا الخصوص فلماذا جرى ترك اليمن وشعبه يواجه الجوع والحرمان والفقر