في اليمن.. شعب عظيم

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - 
خلال فترة الفراغ في المناصب العليا للدولة أثبت أهل اليمن أنهم شعب عظيم يستحق الحياة وأن ما يجري لا يعدو عن كونه سحابة صيف ستنقشع عما قريب لقد قالت فترة الفراغ
خلال فترة الفراغ في المناصب العليا للدولة أثبت أهل اليمن أنهم شعب عظيم يستحق الحياة وأن ما يجري لا يعدو عن كونه سحابة صيف ستنقشع عما قريب لقد قالت فترة الفراغ إن شعب اليمن شعب مسالم يعشق الحياة ويؤمن بالتعايش ويؤمن بمبدأ احترام الآخر المغاير ولا قضية له سوى قضية العيش الكريم.
ودلت الأيام الخوالي أن الصراع شيء طارئ تبعثه قيادات المجتمع التي تعيشه كأزمة نفسية ذات أبعاد تراكمية في الذات وذات مصالح دنيوية زائلة متداخلة مع مصالح إقليمية ودولية. قديما قال أحدهم عن أهل اليمن قولا بديعا لا أراه إلا كائنا فيهم وقريبا منهم إذ قال: “لا يغرنك صبر أهل اليمن ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد بتروا رأسه فانتصروا بهم فهم خير أجناد الأرض وبمثل ذلك يتحدث تاريخهم القديم والمعاصر وقد سبق لي القول في أكثر من مقال خلال السنين الخوالي أن الزامل – باعتباره أحد ركائز الهوية الثقافية الوطنية كتعبير عن موقف – إذا استيقظ فإنه يعمل على تغيير المعادلة الوطنية وسيفرض واقعا جديدا وكان يظن الكثير أنني أنزع من يوتوبيا وخيال لا قيمة له في الواقع الموضوعي.
وتحدثت بالقول: إن اليمن شعب لا يمكن أن تحكمه الغرف المغلقة وعن ضرورة التلاحم والاتصال الجماهيري فلم يكن حظنا سوى السخرية والإقصاء وها هو الواقع يقول تلك الحقيقة التي ظللنا نقولها من باب المسؤولية الأخلاقية والمعرفية وظلوا يعرضون عنها انتقاصا من قيمة قائلها واستمرارا في غيهم القديم.
لقد قال شعب اليمن كلمته الفصل التي تتوافق مع أبعاده الثقافية والحضارية وهويته التاريخية ولا أظنه إلا منتصرا لخياراته المستقبلية ولن يكون الغافلون والذاهلون إلا رمادا في محرقة اشتعال الهوية الوطنية التي استيقظت في لحظة تاريخية فارقة بعد صبر ورباطة جأش ومعاناة بلغت ذروتها وتمامها وحين تبلغ الأشياء كمالها وتمامها تبدأ في النقصان.
لقد ظن الكثير من الذين لا يعرفون طبيعة هذا الشعب ولم يقرأوا تاريخه أننا ذاهبون إلى التشظي والانقسامات والتمزق وقد خاب أولئك الظانون وخسروا إذ أن كل الذي رأيناه يتحرك لم يتجاوز الأبعاد التاريخية ولن يتجاوز المماثل التاريخي له وما لم يدركه أحد أن قانون التاريخ قوة عظمى ترتبط بقوة أعظم أبدعت هذا الكون في سياق من الانتظام ولم تتركه لمحض الصدفة لذلك فالعودة إلى حالة المعيارية والانتظام بعد فقدانها أصبحت حقيقة ظاهرة للعيان ولن يكون الواقع في قادم الأيام إلا واقعا منضبطا وأكثر امتثالا.
وما حدث في اليمن خلال السنين الخوالي كان له ما يماثله في التاريخ بل كادت صورة الواقع اليوم تضارع بعض الفترات التاريخية من حيث الصراع الأكثر عنفا وضراوة ومن حيث المنافسة ومن حيث شروع كل طرف في إعلان النضال المسلح على الآخر وقد تحدث التاريخ عن إمام في شعوب وآخر في الروضة وثالث في بير العزب إلى آخر كل ذلك وهي صورة تشبه كل الذي حدث في 2011م وتحاكيها ومثل ذلك الاضطراب في المعايير وفي المفاهيم أضحى ضرورة حتى تتمكن حركة الحياة من التجدد ونحن على مشارف لحظة تاريخية قد تعلن عن فكرة وتشيعها في الوعي الأخلاقي الوطني وهي في طور التكوين ولعل من أهم وظائفها كما أشرت في مقالي السابق هو منع إثارة الضمير الجمعي وبالتالي الحفاظ على التضامن الاجتماعي وعدم التسامح مع الذنوب التي ظلت تهدد المشاعر الوطنية العميقة كذنوب الفساد واختلال موازين المجتمع في قضايا جوهرية وشائكة كقضايا التوزيع العادل للثروة والسلطة ومثل تلك الفكرة لن تكون حكرا على فئة بعينها ولكنها ستلقي بظلالها حتى على القوى الاجتماعية والقوى السياسية لأنها حركة ذات فاعلية وذات أثر مدوي وقد نشهد تبدلات متسارعة في المشهد الرسمي والمدني في المستقبل المنظور كل رموز الصراع ورموز الماضي سيطوي التاريخ صفحتهم ويبدأ من لحظته الجديدة في تحديد هوية المستقبل الوطنية وفلسفته الأخلاقية التي تعبر عن تصوره وفكرته الدالة على زمنه وعلى مرحلته التاريخية.
لا أكتم سرا إن قلت إنه يخامرني شعور صاف ينزع إلى الأمل والانفراج وأرى أننا تجاوزنا حالة الالتباس وفقدان التوازن واللامعيارية ونحن في طريقنا إلى الاستقرار وإلى الانتظام فقد اكتملت لحظة الانكسار وهي الآن تأخذ نفسها في مسار النقصان لتبدأ الدورة الجديدة.
لقد أثبت أهل اليمن أنهم أهل صبر وقوة .. وكم أشعر بالاعتزاز بانتمائي لهذا الوطن العظيم.

قد يعجبك ايضا