غياب المشروع.. قاصمة الظهر

محمــد محمــد إبراهيـــــم

 - 
 ( أمسنا كان كريما معدما / وزمان اليوم أغنى وأشح
كيف كنا ننطوي خلف اللحى/ ونواري من هوانا ما افتضح
كل
محمــد محمــد إبراهيـــــم –

( أمسنا كان كريما معدما / وزمان اليوم أغنى وأشح
كيف كنا ننطوي خلف اللحى/ ونواري من هوانا ما افتضح
كل شيء صار ذا وجهين لا / شيء يدري  أي وجهيه أصح..¿
يا (علي).. انطرú ألاح المنتهى/ لا انتهى المسعى ولا الساعي نجح!
لم يعد شيء كما نألفه/ فعلى ما الحزن أو فيما الفرح.. ¿
دخلت (صنعاء) بابا ثانيا / ليتها تدري إلى أين انفتح )

في قصيدته(ذكريات شيخين) المنشورة في ديوان (مدينة الغد) الصادر في أبريل-  1967م لخص أديب اليمن الكبير الرائي عبدالله البردوني حال اليمن الراهن وكما لو أن حالنا اليوم هو غد ذاك الزمان..
(يمن بلا رئيس ولا حكومة) والأدهى والأمر وقاصمة الظهر هو غياب المشروع السياسي.. فأن يصبح بلد الحضارة والتاريخ بلا رئيس ولا حكومة بين عشية وضحاها فهذا أمر يعني وصول الجميع إلى طريق مسدود في تقاسم المصالح وليس المسؤوليات فتقاسم المسؤوليات لا يقبل الاستماتة على مصلحة ولا يتطلب البيانات والخطابات والتظاهر أمام البشر بالوطنية بقدر ما يتطلب أرواح سامية وقلوب صادقة مع نفسها ومع الناس ومع الله فيكون تحمل المسئولية بصمت انعكاس لحقيقة الوطنية والتنازل على المصالح الذاتية لصالح المصلحة العامة..
كما يعني هذا الوضع (يمن بلا رئيس ولا حكومة) أن الحوار الوطني الشامل بحد ذاته وبكل دواماته وأعاصيره التي شهدها موفنبيك وشهدتها البلاد طولا وعرضا منذ مارس 2013م حتى 25 يناير 2014م وما تلا هذه المرحلة ليس سوى تحصيل حاصل لمعضلة اليمن المستجدة منذ فبراير 2011م وهي غياب المشروع الحاضن للتنوع الوطني ونقائض الاختلاف السياسي والفكري والعقدي..
المؤسف أن وضع اليمن في اللحظات الراهنة لا يعكس غياب المشروع السياسي لدى كل القوى السياسية التي تصارع وتقاتل في كل مكانـ فحسب بل يؤكد أن ذلك الحوار- الذي لفت إعجاب العالم- كان بمثابة تكتيك حرب أشد عداوة على طريق الصراع السلطوي المادي وليس المذهبي أو الطائفي كما يروöج البعض ممن يريدون لليمن مصير العراق الشقيق الذي يجني ثمار الديمقراطية المنشودة دماء ودمارا لا يستثني أحدا.
إن ما جرى في اليمن منذ فبراير 2011م وحتي انتهاء الحوار الوطني الشامل من حروب عبثية سفكت الدماء وقوضت أمن وسلام المجتمع اليمني المسالم في كل مكان يعني خلو أدبيات كل الأحزاب بل خلو وخواء عقول من يديرونها من بذور المشروع السياسي الوطني الكفيل بنقل البلد من حال سيئ إلى حالة جيدة تشهد مسيرة بناء جديدة وبلمسات حداثية تستفيد أكثر من أخطاء الماضي.. لكن هذا لم يحصل بل حصل العكس (إقصاء خطاب معاد إنتاج صنميات جديدة من الإنجازات الوهمية) والشعب وحده يعاني الفقر والتشظي وتراكم الأزمات والمشكلات..
وما جرى منذ انتهاء الحوار الوطني من احتراب أشد ضراوة (إقصاء ونزوح ودمار وقتل تحت مسميات المصلحة العامة ولافتات مغايرة منطقا وعقلا) وصولا لاتفاقية السلم والشراكة- التي اعتبرها اليمن والعالم محطة ختامية لمسلسل الصراعات وأن البلد تتجه صوب المدنية وتحويل المعسكرات ومخازن البارود إلى حدائق ومتنفسات في المدن الكبرى- يعني أيضا نفس المعضلة المزمنة لدى كل القوى السياسية صراع سياسي سلطوي توسع جغرافي سياسي ونهب وتسلح من جسد الدولة المنهك باسمها وعلى شرف دفنها وكان أخرها نهب كتيبة بكامل عتادها من الحرس الجمهوري –سابقا – كانت في طريقها من مارب إلى صنعاء..
أما ما جرى منذ توقيع اتفاقية السلم والشراكة في 21 سبتمبر 2014م حتى فراغ اليمن الرئاسي والحكومي يعني نفس معضلة فبراير 2011م خصوصا بعد سيطرة الإخوان على مفاصل الساحات وثورة الشباب السلمية.. بفارق أن المعضلة الآن لا تعترف بالمدنية شعارا وسلوكا على أرض الواقع وأظهرت حتى اللحظة الوجه الأكثر قتامة لغياب المشروع الحاضن للتنوع الوطني الذي ليس من العقل والمنطق تغييب اعتباراته الموضوعية والوجودية والظرفية..

قد يعجبك ايضا