المرأة وكتابة التاريخ
أراد المؤرخان الفرنسيان الشهيران «اندريه بورغيير» و«برنار فانسان» تكريم عشرين سيدة كان لهن مساهمات كبيرة في كتابة التاريخ خلال القرن العشرين فكان هذا الكتاب الذي يحمل عنوان «قرن المؤرخات».
يحتوي هذا العمل على عشرين مساهمة ـ فصلا ـ كتبها مؤرخون وباحثون في مجال التاريخ من جنسيات مختلفة وقارات مختلفة من بينهم مشاهير يشار لهم بالبنان مثل «جاك لو غوف» وآخرين أقل شهرة لكنهم من أهل الاختصاص في المجال التاريخي الذي يكتبون فيه. ويشار إلى أن جميع هؤلاء المساهمين هم من المؤرخين «الرجال».
لكن هل هناك طريقة «أنثوية» لكتابة التاريخ ¿ وهل هناك رؤية تتفرد فيها النساء للتاريخ¿. بتعبير آخر هل المؤرخات من نفس الصنف الذي ينتمي إليه بقية المؤرخين من الذكور¿. على مثل هذه الأسئلة يحاول المساهمون في الكتاب تقديم إجاباتهم.
تتم الإشارة بهذا الصدد إلى أن مشرب الدراسات التاريخية في فرنسا بقي ذا «طابع ذكوري» حتى القرن العشرين ولو كان ذلك بدرجة أقل من علوم الفيزياء والرياضيات. لكن مع حلول القرن العشرين بدأ اهتمام قسم مهم من النساء بالقضايا العامة وبالمسائل الإيديولوجية وازداد ذلك الاهتمام بقضايا التحرر من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الأمور كلها يذكرها المساهمون في الكتاب كعوامل للاهتمام «النسائي» بالتاريخ.
وهناك ميزة يتم التأكيد عليها في عمل السيدات ـ المؤرخات هي كفاءتهن العالية في مقاربة مختلف مشارب العلوم الإنسانية ووضعها في خدمة رؤية أكثر شمولا وأكثر وضوحا للمسائل التاريخية. والإشارة أن العديد من المعنيات «مررن» بميادين أخرى مثل علم الاجتماع والانتروبولوجيا قبل ولوج مجال كتابة التاريخ.
تجدر الإشارة أن نصف السيدات ـ المؤرخات اللواتي يشكلن موضوع مساهمات هذا الكتاب هن من الفرنسيات. لكن هناك عدد من المؤرخات «الأجنبيات» غيرهن اللواتي عرفهن القرن العشرين وتحظى كل منهن في مساهمة. هكذا يكتب المؤرخ الفرنسي الشهير جاك لوغوف الأخصائي بتاريخ العصور الوسطى الأوروبية عن المؤرخة الإيطالية «صوفيا بويش غاجانو» أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة روما.
ويشير إلى مساهماتها الكبيرة في كتابة تاريخ إيطاليا في نهاية القرن السادس حيث عرفت البلاد حالة من السلام أوصلت البابا «غريغوار الأول» إلى رئاسة الفاتيكان ويؤكد لوغوف أن المؤرخة موضوع مساهمته هي التي عرفت حتى الفرنسيين بأعمال ذلك البابا الذي ترك أثرا «إصلاحيا» مستداما على الكنيسة الكاثوليكية والكثير من الكتابات وقام بـ «تحديثها».
ويكتب المؤرخ «جاك ريفيل» عن المؤرخة الأميركية «لين أفيري هونت» المولودة في باناما وتعمل أستاذة للتاريخ في جامعات لوس انجلوس وكاليفورنيا.
وتحظى المؤرخة الإيطالية «شيارا فريغوني» بمساهمة كتبها الباحث بالتاريخ الإيطالي «الان بورو». وكانت قد مارست مهنة تدريس تاريخ العصور الوسطى في العديد من الجامعات كان آخرها جامعة روما قبل أن تحال على التقاعد. ويحدد الكاتب القول انها أخصائية بتاريخ «العصور الوسطى» الأوروبية مثل والدها «ارسينيو فريغوني».
ومن المؤرخات الآسيويات في القرن العشرين تحظى اليابانية «تاكامور اتسوي» وحدها بمساهمة كتبها «بيير فرانسوا سويري». ومن بين السيدات المؤرخات التي يشكل هذا العمل تكريما لهن «منى اوزف» المؤرخة الفرنسية التي اشتهرت بأعمالها عن الثورة الفرنسية.
والنمساوية «لوسي فارغا» التي اهتمت بالتأريخ لألمانيا والنمسا في فترة ما بين الحربين. والمؤرخة الأرجنتينية رينا باستور الأستاذة في جامعة بيونس ايرس ثم في جامعة مدريد والأخصائية بالعصور الوسطى حيث قدمت كتابا شهيرا عن «الصراعات الاجتماعية والحياة الاقتصادية في أسبانيا خلال العصور الوسطى».
في خاتمة الكتاب يتم التأكيد على مقولة مفادها ان التاريخ إذا كان كتابه من الرجال أو النساء فإنه يتعلق قبل كل شيء بـ «حساسية« المؤرخين» و«درجة الفضول لديهم». أما طرق كتابته فتبقى نفسها.