قلوبنا تعتصر دما
فتحي الشرماني
من ينظر إلينا نحن اليمنيون¿ من يقف إلى جانبنا بصدق لا لشيء إلا لأننا شعب يتمسك بالحياة, شعب عرف نفسه يوم عرفها وهو محاصر بكثبان المآسي وأسراب من الهموم والأحزان يذهب سرب ويأتي آخر, ومن حقه اليوم أن تسمع الدنيا لصوته الجريح وهو ينادي: نريد أن نعيش .. بإمكاننا أن نكتفي بكسرة الخبز مع شربة ماء .. المهم أن نعيش بسلام لنصنع الفرح ونرسم الابتسامات في وجوه بعضنا¿
نحن اليوم شعب جريح تسيل دماؤه .. الأبرياء يقتلون بدم بارد .. مدننا لا تتوقف فيها أصوات الرصاص ولا المدافع ولا العبوات الناسفة .. سأقف عند هذه الأخيرة (العبوات الناسفة) ومثلها (الأحزام الناسفة) .. لأول مرة تستوقفني كلمة (ناسفة) وكأنني لم أسمعها أو أنطق بها من قبل .. نعم دعوني أتذكر هنا أنها لفظ قرآني ورد في سياق الحديث عن يوم القيامة: (ويسألونك عن الجبال, فقل ينسفها ربي نسفا), ألا ترون أن النسف هنا لفظ محمل بكثير من معاني القوة الخارقة والجبروت الإلهي لدى حديث القرآن عن الجبال رمز القوة والصلابة التي تضعف أمامها أفتك الأسلحة في العالم, ولا يقدر على تدميرها إلا خالقها, صاحب القوة التي تحيلها إلى رماد بما هو أقل من لمح البصر, وهذا هو النسف .. لكنهم يقولون اليوم: (عبوة ناسفة/ حزام ناسف), وهو سلاح تفجير يدمر مبنى أو يوقع العشرات بين قتيل وجريح في لحظة واحدة.. أي أنه سلاح ليس له إلا أن ينسف الأجساد .. رحماك يا رب إنهم يجعلونالأجساد في مقام الجبال .. أجساد اليمنيين التي هي من لحم ودم .. لا صخور ولا كتل رملية.
بالأمس الأول في المركز الثقافي بمدينة إب كان حادث إرهابي مروع, تمثل بتفجير انتحاري لنفسه وسط حشد من المحتفلين بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام, كان فيهم بعض طلاب المدارس .. لم يجد اليمنيون سوى أن يجهشوا بالبكاء وهم يرون الأشلاء والأعضاء وأنصاف الأجساد موزعة على المكان, لا يبكون فقط أبرياء يذهبون ضحية الفوضى والعنف والإرهاب والصراعات المدمرة, بل يبكون أيضا وطنا يضيع, وطنا يتفلت من بين أيديهم.
لست ممن يطيق مشاهدة هذه المناظر المروعة .. لكن عيني خانتني حين اختلست النظر إلى جثة قيادي بالحزب الناصري في إب .. إن قلبي يعتصر دما وأنا أرى تلك الصورة ترتسم بين عيني في كل لحظة, إنها صورة النصف العلوي الذي بقي من جسد هذا الشهيد, رأيته مسندا على الكرسي متبسما شاخصا ببصره إلى الأعلى, بعد أن رأى روحه تفيض إلى باريها, وكأنه يقول: (رب إني مظلوم فانتصر).
يا إخواننا في المؤسسة العسكرية والأمنية ضباطا وصفا وأفرادا: أملنا فيكم بعد الله في حماية هذا الوطن وتحقيق أمنه واستقراره .. بخبراتكم وحبكم لوطنكم وولائكم له تستطيعون أن تفشلوا المؤامرات وتقطعوا الطريق على كل من يريد لهذا الوطن الخراب والدمار, وليكن عام 2015م هو عام الأمن والسلام والاستقرار.