عولمة الهوية- من الداخل للخارج
خالد القزحي

• الهوية مصطلح يكثر فيه الجدل سياسيا ودينيا وفكريا وليس من السهل إعطائه تعريفا ثابتا, ولكن لنفترض أن الهوية هي: أنت, ما تعتقد, ما تفكر به وما تمارسه وتعبر عنه وتدافع عنه . إذا فهي ثقافتك وشخصيتك كفرد ومجتمع. تذكرني دراسة الهوية ومعانيها بكلام أبي حامد الغزالي في (إحياء علوم الدين) وهو يتعامل مع الروح كمادة محركة قريبة من خلايا الجسد وبعيدة عن حواسه وتجعله يعيش… لا أدعي أن الهوية هي الروح بالطبع ولكن هي روح المعنى الذي يميز فرد عنآ ومجتمع عن بقية المجتمعات ومع هذا تظل غير مستقرة وهلامية التحكم بسبب المعطيات المتدفقة والمتسارعة لتكوينها منذ اللحظات الأولى لعملية الإدراك مضافة للخلفيات الموجودة في البيئة المحيطة سواء تم الحفاظ عليها لاحقا أم تم إهمالها. لا أحد يحب أن يغير من هويته ودليل ذلك انزعاج الكثير عند القول لأي شخص بالمعنى العام : لقد تغيرت – ومع هذا فهي لا تتغير بشكل واع غالبا وإنما تتطور كل ما اكتسبت أفكارا ومعتقدات يمكن أن نسميها معلومات جديدة , وهذا التطور يعتبر بحد ذاته تغيرا خاصة إن لم تكن المعطيات المكتسبة أثناء تطور الهوية من نفس المجتمع مستعمرة كانت أم مستوردة . بالتأكيد لا أقف ضد عملية تطور أو تغير الهوية إن كان ذلك سيزيدها بريقا ويكمل أي نقص كما حدث أثناء انتشار الثقافة الإسلامية في أصقاع الأرض ودمج الكثير من الأقطار تحت هوية واحدة صلبة بصلابة وصحة معطياتها. ولكن من يضمن أن ما يتم إدخاله على الهوية اليمنية حاليا دينيا وفكريا يعتبر ذو معطيات صحيحة …¿ بالطبع ستقول كل فرقة سياسية أو طائفية لها ثقافتها التي تعتقد أنها تضمن ذلك الكمال… هذا يعني أن هناك أكثر من تيار وأكثر من فكر وأكثر من فلسفة بعضها يلغي ممارسات وتضيف أخرى وبعضها تلغي سنن حياتية واجتماعية تبدلها بأفكار لم نسمع بها وأخريات يهدمن حضارة وتاريخا, وبعضها يلغي الكثير مما تعودنا على أن نسمعه ونراه ونمارسه على مستوى الدين والثقافة والمبادئ وأشياء أخرى تعتبر مكونات أساسية للثقافة اليمنية الأصلية… ألا يدعو هذا للخوف ¿ ستجيب نفس الفرق : لا ….. ويستمر الجدل وتنصهر الهوية وتنتهي ولا يبقى منها إلا صفة الموقع الجغرافي لا غير. ولكي تكون الفكرة أوضح يجب أن نسأل أنفسنا قليلا : لماذا نخاف من تطور الهوية وإثرائها بما قد تحتاج إليه خاصة ويمكننا الاستفادة من عصر الانفتاح الحضاري والعولمة والحداثة ¿ قبل الإجابة على هذا السؤال يجب توضيح أن العولمة جيدة لمن يستطيع الاستفادة منها والحداثة رائعة لمن يفهم كيف يتصرف معها خاصة وهي مؤدلجة بشكل استعماري واضح يمكن الحديث عنه في مقال لاحق.
المشكلة غالبا تكمن في فهم المصطلحات والأهداف والتي قد تؤثر على الهوية بسبب نوع الانفتاح المفروض بسبب تعدد التيارات وازدياد الخيارات. فمثلا الانفتاح الفكري أخطر من غيره اذا لم يكن هناك ما يغربله ويستخلص ما يمكن الاستفادة منه وبالأخص وهو يأتي مثل الريح من أكثر من مصدر خارجي! .. يمكننا تخيل العولمة أو الحداثة أو الانفتاح الفكري كالفيضان, والهوية اليمنية التي نعتز بأصالتها كبيت مبني بإتقان من الحجارة القوية والطين المتماسك والمتقن الاختيار ويحوي الكثير مما يجعله رائعا متميزا وتاريخه الأصيل يجعله يستطيع مقاومة تيارات الفيضان المندفع … ولكن هناك الكثير من النوافذ وكل نافذة مفتوحة على مصراعيها اثناء تدفق الفيضان من جميع الجوانب . أعتقد بأن الحجارة ستصمد ولكن بسبب تلك النوافذ المفتوحة سيتمكن الفيضان من الدخول واكتساح كل ما أمامه وتبديل كافة محتويات البيت الأصيلة من إرث حضاري وتاريخي وديني وشعبي ومن المؤكد أيضا أنه سيسرق تلك التحف الجميلة والكتب القيمة والصور النادرة الموضوعة على الرفوف ويضع بدلا منها بعض الأحجار الصغيرة التي لا تصلح للبناء وبعض الأتربة من شتى الأصناف والكثير الكثير من الزبد المتزايد.. المشكلة الأصعب هنا أن كل زاوية من البيت سيكون نصيبها نوع مختلف من التراب عن بقية الزوايا ولن يكون من السهل إعادة صنعها لنبدلها بالطين الذي كان يغطي الحجارة من الداخل وإن استطعنا فلن يكون متماسكا لاختلاف أصناف الأتربة وكثرة الشوائب الذي حملها الفيضان معه إلى داخل البيت. وهنا قد تنتهي حتى الأحجار عند حدوث فيضان آخر … وهذا كمثال لما يحصل للهوية اليمنية في المرحلة الراهنة. لقد دخلت العديد من التيارات الدينية والسياسية من خارج البلد فأصبحت الثقافة الدينية مثلا مخلخلة بدلا من أن كانت ملتحمة ولا أحد يكفر الآخر, وأحضر الفيضان معه عشرات التيارات السياسية اليمينية واليسارية والمتوسطة وغيرها من المسميات حتى أصبحت الديمقراطية( لعبة الحداثة الغربية الجديدة) ذريعة للاستيلاء على العقول و( الحقول), ومع دخول هذا وذاك اندثرت الكثير من الثقافات الجميلة المتميزة يمنيا والثابتة تاريخيا .. حتى الملابس أصبح الشباب يستغنون
