حكومة بحاح .. وتحديات المرحلة
عبدالرحمن مراد

مقالة

جاءت حكومة خالد بحاح في وقت بالغ التعقيد فالتجاذب بين الاستحقاق الثوري الداخلي والضغوط ومخاوف الخارج تجعلها في وضع محرج قد يصل إلى حد التعطيل والشلل التام .. كما أن فقدان الخبرة العملية والخبرة والمعرفة النظرية لبعض كوادر هذه الحكومة قد يخلق حالات تضاد وهو الأمر الذي يضاعف من فرص وخيارات التعطيل والشلل ومثل ذلك أمر لانحبذ الوصول إليه في واقعنا الجديد الذي يمتاز بالصراع بل يمكن أن نقول بالتناطح بالقرون فقد كان كل حزب أو تيار أن يصبح وعلا لا هم له ولا سبيل إلا كيف يفتك بالخصم ويستعيد هيمنته على مفردات الواقع وتفاعلاته وقد تبين للكثير من أولئك أن التفرد والتوحد في الهيمنة أصبح أمرا مستحيلا ولا يمكن له التحقق في الحاضر ولا في المستقبل .. فالتعدد أصبح أمرا واقعا ولا خيار لكل أولئك إلا إعادة صياغة الأهداف والمنطلقات بما يتوافق ومعطيات الحاضر وفرضيات المستقبل ومثل طبيعة أي جديد يبعث المخاوف وبالتالي يجدد روح المقاومة إذ تصبح قضيته قفضية وجود ولا سبيل من تخفيف وطأة ذلك على الأفراد والجماعات إلا بالحوار وبالمنطق وبالتعامل المتدرج لا بالتصادم ليصل الجديد إلى سدة التمكن ويذهب القديم إلى إعادة صياغة نفسه حتى يتمكن من التكيف مع ظلال الجديد ومعانيه.
مشكلة حكومة بحاح أنها لم تحتك بالواقع العملي ولذلك “فاليوتوبيا” والصورة الذهنية للدولة ستكون مع صدام وجدل مع الواقع وقد يأخذ ذلك وقتا وفي خلال الفراغ الزمني الذي يمضي في الجدل بين الصورة الذهنية والصورة النمطية للواقع تزداد الدولة ومؤسساتها شللا وتعطيلا وقد نشهد غيابا كليا للدولة بعد كل هذا الغياب الجزئي الذي يتفاوت في نسبة ارتفاعا وانخفاضا بين الفينة والأخرى.
وأمام كل ذلك كان يفترض بحكومة بحاح أن تعلن عام 2015م عاما للثقافة حتى تتمكن من إعادة ترميم ما تصدع في الذات اليمنية والذات الوطنية وتعيد بناء الإنسان وفق قيم حضارية قابلة للتجدد والتعدد والتعايش وتحاول أنسنته بعد أن بلغ به التوحش مبلغه وليس ذلك انتقاصا من قيمة التعليم ومعناه فالتعليم استراتيجية وطنية بعيدة المدى ونحن لدينا إشكالات لا يمكن ترويضها ومعالجتها إلا بالاستراتيجيات ذات المدى القصير وهو الأمر الذي قد يمهد للقضايا الاستراتيجية الكبرى بما يؤثره لها من استقرار وأمن.
لقد قال اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الفرقاء في سبتمبر 2014م بما قالته جمهورية “أفلاطون” وهو ما نحتاجه فعلا في واقعنا اليمني فالبلد الذي لا تترك فيه إدارة دفة الحياة للصدف أو للهوى المتقلب ينهض حيث أن الحياة الخيرة للفرد أو للجماعات لا يمكن أن تتحقق إلا في مجتمع منظم أحسن تنظيم.
ومن هنا فثورة (21 سبتمبر 2014م) أسست قيما جديدة يفترض بنا الاشتغال عليها تنظيرا وتعزيزا حتى تتحول سلوكا وقيما مستقبلية فالسلطة لا يتوجب تسليمها للأفراد والجماعات الذين يتكسبونها بالطرق المألوفة –أي بالغوغائية والقوة الحزبية- فالتركيز على الكفاءات والقدرات الإبداعية والابتكارية والأبعاد المعرفية فيما يقود مقاليد السلطة من الشروط اللازم توافرها في الأفراد فتوجيه المجتمع وإحداث الانتقال فيه لا يتحقق في سياقات عبثية وغير معرفية ومن هنا فالقول بضرورة الثقافة والفنون يبرر أولويتها باعتبار الفنون والثقافة ميدان سيطرة الإنسان الواعية على عالم المواد والحركات الذي ينبغي على الإنسان أن يستوطنه (الوطن) وعلى عالم الدوافع الباطنة والعمليات الآلية التي تؤلف كيانه الباطن (الذات) .. فالذات المستقرة داخليا تبدع كونا مستقرا خارجيا وما نشهده من حالات قلق واضطراب دالة على حاجتنا للفنون وضرورات الثقافة في السياسات العامة لحكومة وهي حاجات وضرورات أكثر إلحاحا في راهننا من التعليم الذي قد يكون نتيجة لمقدمات منطقية ولكنه في مثل هذه الظروف التي تمر بها اليمن لن يكون مقدمة أبدا .. فالتضاد والتنافر وغياب الصيغة الموحدة وشيوع الفوضى في المدخلات وصناعة الأفراد قضايا يعيشها التعليم في اليمن ولن تكون وعيا إضافيا ولكنها تعزز الوعي الصراعي القائم ومثل ذلك لابد من الوقوف أمامه بقدر من المسئولية الوطنية والمعرفية والأخلاقية وسؤال تلك القضايا قد نغفل عنه لكن الفنون الذي تكثف التجارب وتبحث في العلائق بين الأشياء قد تفرضه بحثا عن إجابة واضحة وشافية له وهي بذلك تصنع المستقبل باعتبارها واحدة من أدواته.
