لقابوس …الشفاء..
عبدالرحمن بجاش
ذات لحظة من مرحلة يمنية مكثفة, كان قابوس بن سعيد كلما مر من الشارع الرئيسي في المعلا, قيل والعهدة على الراوي أن خياله كان يذهب سريعا إلى مسقط ويتمنى شارعا شبيها بشارع المعلا, مر وقت ليس بالطويل, ليعود سلطانا على بلاده, وسريعا نقلها, وبإمكانات متواضعة قياسا بمن حولها من عصر المكنس إلى عصر الكرامة, ومن عصر النوارة إلى عصر مسقط المضاء بنور النزاهة الشخصية, والتي تكون ضوءا يقود الحاكم إلى نهايات المدى, ليس مهما أن يكون جمهوريا أو ملكيا, يقاس الأمر بما تقدمه للناس فكم جمهوريات عربية صارت ممالك مطلقة!!, هي هكذا المعادلة, فإن يكون الحاكم نزيها, فيكون قادرا أن يرنو بنظره إلى الأفق البعيد!!, ليس هو وحده شارع المعلا من انتقل إلى مسقط نماذج أرقى وأروع, بل إن مسقط التي تشبه في جغرافيتها عدن, حيث في كلا المدينتين يحتضن البحر الجبل, وفيهما تدري الأمواج أين تذهب إلى أين تعود!!, تحولت بتخطيط هادئ رزين, إلى مدينة يسكنها الهدوء والبساطة, ورؤية تخطيطها رأت ألا ترتفع طوابق عماراتها عن خمسة طوابق حفاظا على هوية الإنسان, حيث المدن التي تعتليها الأبراج المتغولة والمتكبرة تسحق الأنفس البسيطة!!, حيث يمشي الإنسان في الشوارع وكأنه بين عمالقة غلاظ شداد, هي رؤية في الأول والأخير, ولم يحتل مسؤول سلطاني أو قريب أو حبيب تلك الأكام الجميلة في المدينة, فحين ترتفع بالسيارة إلى قمة تلك الأكمة المشرفة على البحر يستقبلك مطعم ممتاز بنكهة هندية, وإمكانية النظر من وراء الزجاج إلى نهاية الأفق بحرا!! أنت بحاجة إلى أن تذهب بنظرك بعيدا كلما أقدمت على خطوة كبيرة, وفي مسقط وهي نموذج عصري لعمان لا تجد شرطيا للمرور ولا تواجدا لأي مظهر أمني , فالضمير الوطني هو من يقود الناس في الشوارع ويمنعهم من تجاوز أحمرار إشارة السير !! (ربي وأترك), ولأن هناك رؤية تبني وتربي, فلن تستغرب حين يقول لك مرافقك وقد دلفت إلى منطقة الخوير وهي ضاحية جميلة من ضواحي مسقط (هذه المربعات والمستطيلات والمثلثات حدائق نسقيها من مياه المجاري), وحين بدأ خطواته الكبيرة للحاق بالعالم كانت هناك جبهة ظفار ولأن الرجل لا هدف له سوى بناء عمان فقد دعا رموز الجبهة وسألهم سؤاله المحدد: ما الذي تريدون¿- نريد بناء عمان, وبكل هدوء وببساطة قالها لهم: تعالوا وتولوا أرفع المناصب, لم يخدعهم, ولم يبلفهم, ولم يكذب عليهم, واليوم عمان استطاعت بفضل وعي السلطان دولة تعرف كيف تسيس علاقتها بمن حولها وبالعالم عبر معادلة بسيطة جدا (تلك مصالحكم هذه مصالحنا), مارس الرجل سياسة الأرض المحروقة فأعطى كل قطاع فرصة أن ينمو بقدرة الأجانب حتى يمتلك العمانيون في القطاع القدرة على الإدارة, شكر القائم عليه وأكرمه وسلم العماني مكانه !!, وهكذا ظل هذا الرجل يبني الدولة, بالقانون, حتى إذا قال العمانيون: نريد أن يظل الخنجر عنوانا لعمان, قالت الدولة: لا مانع, لكننا سنلحمه بداية من السلطان, وهذا ما كان, و(السلاح)¿- لا مانع أن يحمل الريفيون أسلحتهم الشخصية في مناطقهم, لكن كل قطعة يظهر رقمها في أسفلها !! نتحدث عن بندقيه وليس مدفع !!, كل ذلك وغيره تم بهدوء وبدون ضجيج, ولا استعلاء, ولا خطابات, ولا مهرجانات, ولا مواكب, ولا (ديمقراطية) وثلاث جرائد ومجلة ……, والعمانيون على المستوى الرسمي أكثر من يهتمون باليمن وبضرورة وجود الدولة وهذا من حقهم بل هو حق عليهم يدركونه وباهتمام, ولن أنسى ما قاله لي الأستاذ الزرقة عطفا على ما قاله له صديقه المسؤول العماني الكبير وسأختصر (……..نريد دولة في اليمن لنتعامل معها …..), لم أذكر هنا كل ما قاله لي وسيأتي وقته, ما يهمني أن أشير إليه هو أن عمان بقيادة قابوس ومن العام 70, انظروا إليها فقد أصبحت بعد 44 عاما وسيطا بين الكبار, وهو دلالة على حكمة السياسة البعيدة عن الشطط والشعارات ……هذا الرجل السلطان قابوس بنى دولة, وهو الآن كإنسان يعاني وحوله من كل اتجاه مشاعر العمانيين, نضيف إليها مشاعراليمنيين البسطاء من يحلمون بدولة (نتمنى لك الشفاء).