العودة إلى الرومانسية


تكرر توصيف »الرومانسيين« على أولئك »الحالمين« الذين يحتوي حلمهم على شيء من الرفض. بل يعتبر البعض أن الرومانسية ملازمة بالضرورة للثورة الفرنسية الكبرى التي قامت عام 1789 وفي أجواء التركيز على أهمية المشاعر والانفعالات بالتزامن مع بروز التيار العقلاني في القرن الثامن عشر المعروف بتوصيف »قرن التنوير«.
إن الناقد الأدبي والفيلسوف والأستاذ في جامعة كورنيل بنيويورك لوران دوبراي يكرس عمله الذي يحمل عنوان »جيل رومانسي« لدراسة ظاهرة الرومانسية في نسحتها الراهنة هذا مع العودة إلى نوع من التأريخ للرومانسية عموما كما تبدت خاصة في فرنسا منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم مؤكدا بروز مؤشرات الانتماء إلى المفاهيم الرومانسية عند الجيل الجديد.
وإذا كان مؤلف هذا الكتاب يتعرض بالدراسة لظاهرة الرومانسية وأشكال التعبير عنها في الأدب منذ رواية جان جاك روسو التي تحمل عنوان »هولويز الجديدة« التي صدرت عام 1762 وحتى اليوم فإنه أي المؤلف يقصد بـ»الجيل الرومانسي« في عنوان الكتاب الجيل الحالي جيله فهو من مواليد عام 1973 ومن جيل ما بعد ثورة الطلبة بفرنسا في شهر مايو من عام 1968.
ويشرح المؤلف أن الجيل الحالي يبدو رومانسيا من حيث حالة الاضطراب النفسي والقلق من الأفق المبهم الذي يراه أمامه »إننا قلقون بالتأكيد« يكتب المؤلف. وهو يستعيد للذاكرة أولئك الفنانين الرومانسيين الأوائل الذي كانوا في فرنسا من الأرستقراطيين الذين كانوا شهودا على انهيار النظام الذي شهدته طفولتهم وترعرعوا في أحضانه لكن انتابهم الشعور وهم بالغون أنهم في عالم من الخرائب«.
وفي مجال التأريخ للرومانسية يشير المؤلف أنها قبل كل شيء حركة أفكار. وتحديد القول منذ البداية إنها تعطي الأولوية للمشاعر الشخصية ولإبداعات والمخيلة.
تتم الإشارة أن ازدهار الرومانسية في أوروبا خاصة في ألمانيا وبريطانيا تزامن مع ازدهار فن الرواية حيث إن توصيف رومانسي كان له في البداية نوعا من الارتباط مع الرواية. لكنه اتخذ تدريجيا مفهوما آخر ذا دلالة حديثة تمثل في استخدام توصيف الرومانسية كنوع من المقابل لتوصيف »التقليدية الكلاسيكية«.
ويشير المؤلف إلى أن الفرنسيين استخدموا على مدى فترة طويلة من الزمن توصيف »رومانسي« بمدلول سلبي. ذلك على أساس أنها تتعارض مع الحس »الواقعي« الذي يحظى بأولوية الاهتمام. لكنه يرى أن الآمر قد تبدل كثيرا اليوم حيث تبنى جيل الشباب خاصة نوعا من السلوك يصفونه هم أنفسهم بـ»الرومانسي الجديد« على غرار »الليبرالي الجديد«.
 ومن مظاهر »الجيل الرومانسي« يحدد المؤلف العودة إلى الطبيعة. ذلك على خلفية الإحساس أن هناك قطيعة تتشكل وتتعزز بين الإنسان والطبيعة المحيطة به والتي تلقى الكثير من التخريب من قبله. والقطيعة مع الطبيعة والوسط الطبيعي يقابلها »الانسياق نحو عالم التقنية والاستهلاك«.
المؤلف في سطور
 لوران دوبراي ناقد أدبي وكاتب وفيلسوف فرنسي. يعمل حاليا أستاذا للأدب الفرنسي في جامعة كورنيل في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية. يدير منذ عام 2008 مجلة »لابيرانت« والتي تبحث في المجالات الأدبية والتاريخية والفلسفية.

قد يعجبك ايضا