رواية فرنسية تعالج موضوع الرق والتمييز العنصري:
»حكاية عن البر والبحر«
أصدر مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة رواية «جورج الموريسي حكاية عن البر والبحر» لألكساندر دوما ونقلها إلى العربية الكاتب والمترجم المغربي محمد آيت حنا. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «كلاسيكيات الأدب الفرنسي» التي استحدثها مشروع «كلمة» ويحررها ويراجع ترجماتها الشاعر والأكاديمي العراقي المقيم في فرنسا كاظم جهاد.
هذه الرواية الضخمة هي العمل الأدبي الوحيد الذي كرسه الكاتب لمعالجة موضوعات الرق والتمييز العنصري والاستعمار. تدور الأحداث في جزيرة موريس (سماها الفرنسيون يومذاك «جزيرة فرنسا») في بدايات القرن التاسع عشر أثناء الصراع الفرنسي-الإنجليزي للسيطرة على الجزيرة. عائلة من المولدين لا تقبل القوات الفرنسية بأبنائها بين صفوفها بسبب لون بشرتهم فيشكلون فرقة من المولدين والسود تهزم فرقة إنجليزية وتعود بلواء الإنجليز غنيمة ظفر وعلامة افتخار. يستنكر القائد الفرنسي أن يكون مولد هو من حظي بشرف الاستيلاء على راية العدو فيرسل ابنه لانتزاعها من يدي ابن المحارب المولد ذاك ألا وهو الصغير جورج. فيكرس هذا سنيه القادمة للرد على الإهانة بصورة باهرة: يرحل إلى باريس ولندن لاكتساب العلوم والآداب الحديثة ولتحقيق ثروة ثم يعود إلى جزيرته الأصلية ليجابه مقولات التمييز العنصري والتراتبية الاجتماعية مخالفا بذلك تماما مسار أخيه البكر جاك الذي استهوته المغامرات البحرية فاعتنق حياة القرصنة ومارس تجارة الرق بحق الزنوج في مجتمع يقمع فيه البيض السكان المولدين ويسخر فيه المولدون رفاقهم السود. إنه عالم حافل بالتناقضات والغرائب يصوره ألكساندر دوما بكل دقائقه وبكل ذلك الولع بالتفاصيل والتعاطف الإنساني المعروف عنه و تتميز الرواية بسحر أخاذ في وصف الوقائع والمناظر والعادات.
في تركيبة جميلة وبالغة الانسجام تجمع هذه الرواية بين مختلف مواهب دوما من السرد التاريخي المتمكن جمع فيه وقائع وشخصيات فعلية وأخرى من بنات خياله الخصúب إلى شعرية العشق والغرائبية الجغرافية فبراعة المحاورة والتعمق السيكولوجي ورصد الطبائع والأهواء الفردية والجماعية والتصعيد الدرامي والتشويق والاستطراد والدعابة والنقد الإيديولوجي. هي رواية البحر والجزيرة الوئام الجذري والعائق الاجتماعي الغطرسة المدانة ومهانة الجرح التي تنقلب إباء ومجدا إنه باختصار عمل متعدد بوليفوني. وبهذا كله لا يقدم دوما أنموذجا بليغا لفن الرواية الذي يظل هو أحد صانعيه ورواده فحسب بل كذلك شهادة إنسانية مهمة ولا غبار على عصريتها.
ألكساندر دوما (1802-1870) روائي فرنسي معروف بغزارة إنتاجه وبكونه رائد الرواية التاريخية. كان أبوه أفريقيا من جهة والدته خدم في جيش فرنسا إبان الثورة وفي عهد نابليون بونابرت. فقد دوما والده وهو في سن الرابعة فعنيت أمه بتنشئته. تقرب من أدباء التيار الرومنطيقي وبدأ بكتابة مسرحيات هزلية ثم اتجه إلى القصص التاريخي وروايات مغامرات الفرسان مستعينا في بعض أعماله بكتاب مساعöدين كانوا يساهمون في التحضير لها. من أشهر رواياته “الكونت دو مونت كريستو” و”الفرسان الثلاثة” و”المكلة مارغو”. وقد تم نقل رفاته إلى مدفن العظماء (البانتيون) بباريس في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2002 بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لولادته.
أما محمد آيت حنا فكاتب ومترجم مغربي مهتم بالفلسفة والأدب والجماليات. ولد سنة 1981 في الرباط وبها أكمل مساره التعليمي في الفلسفة. يعلم حاليا في معهد إعداد المعلمين في الرباط. صدر له «عندما يطير الفلاسفة» (مجموعة قصصية منشورات أجراس المغرب 2007) و»الرغبة والفلسفة – مدخل لقراءة دولوز وغواتاري» (منشورات توبقال المغرب 2010) و»القصة والتشكيل – نماذج مغربية» (منشورات وزارة الثقافة المغربية 2012) إضافة إلى العديد من الدراسات والترجمات المنشورة في منابر وطنية وعربية. ترجم إلى العربية «حصة الغريب – شعرية الترجمة وترجمة الشعر عند العرب» لكاظم جهاد و»الدفتر الكبير» لأغوتا كريستوف و»الغريب» لألبير كامو وقد صدرت الكتاب الثلاثة الأخيرة في منشورات الجمل ببيروت.