ليلة باردة

نبيهة محضور


بدأ الليل يسحب ردائه من على وجه المدينة …وضوء النجوم يتلاشى مع إطلالة خيوط الصباح الأولى بعد ليلة شتوية من ليالي كانون الباردة التي عصفت بزمهريرها الأجواء قرص الشمس يتهادى رويدا رويدا … متسللا عبر زجاج النافذة محاولا عبور تلك الستائر الزاهية الألوان … في غرفة زينت زواياها بأجمل الألعاب هناك على ذلك السرير كان ينام محمد على فراشه الوثير الدافئ بكل هدوء تدخل امه.. اقتربت من الستائر أزاحتها جانبا انحنت عليه طبعت قبلة على جبينه .. وبصوت حنون هتفت في أذنه:
_ بني استيقظ إنها السابعة صباحا. _ صباح الخير يا أمي لقد كانت ليلة باردة.
_ حقا إنها كذلك يا بني _ هيا لتستعد للذهاب إلى المدرسة… ريثما أحضر لك كأسا من الحليب الدافئ .
_ حسنا يا أمي .
لحظات ومائدة الإفطار عامرة بالبيض ..الجبن والمربى والخبز… تناول محمد إفطاره… واذا بباص المدرسة يعلن عن وصوله. _ هيا يا محمد لقد وصل باص المدرسة أحضر حقيبتك وارتد معطفك من البرد. على الباب قبلته أمه بحنان قائلة له :” في رعاية الله يابني ” فجأة استيقظ محمد على صوت أمه الضعيف الكسير.. وهي تقول له : ” قم يا بني قد أحنا الصبح لا تتأخر على العمل والله ليفعلنا عمك يوم جن ” يستيقظ محمد يطلق زفرة حارة تكاد ان تشق صدره .. يحدث نفسه يا له من حلم جميل ينهض من فراشه الذي يتقاسمه مع أحدى أخوته بثيابه المهلهلة يلقي نظرة عميقة بعينين مليئتين بالحسرة في زوايا غرفته التي يكسوها الجوع والألم لأسرة فقدت عائلها وتحمل محمدذا العشرة ربيعا مسؤولية إعالتهم بحثت عيناه عن تلك الألعاب التي لا زالت تستقر في مخيلته لم يجد الا اجسادا نحيلة تفترش بقايا قطع ممزقة.. تشاطره البؤس وتقاسمه الشقاء .. تقدم له امه كسرة خبز وكأسا من الشاي يتناوله في عجل ويغادر منزله مسرعا لمكان عمله واثناء وجوده تحت سيارة ليصلحها يمر بالقرب منه باص المدرسة التي طالما حلم بها..!!

قد يعجبك ايضا