علاقة السياسة بثياب العيد!!

فتحي الشرماني


 - هذا العنوان يقوم على تركيب لغوي قد يكون فيه الكثير من الغرابة وعدم الإفصاح عن

هذا العنوان يقوم على تركيب لغوي قد يكون فيه الكثير من الغرابة وعدم الإفصاح عن دلالة قريبة إلى الذهن, لكن إعادة النظر فيه تقودنا إلى اكتشاف دلالة مطلوب منا أن نتذكرها نحن اليمنيين جميعا – نخبا وجماهير – ونحن نعيش أجواء فرائحية بقدوم عيد الفطر المبارك, ففي هذه الأجواء يبرز سؤال مفاده: ماذا يعني أن نلبس الجديد في يوم العيد¿
الأمر ببساطة يتعلق بفلسفة العيد في ديننا الإسلامي الحنيف, فالعيد محطة للتسامح والتصالح, ونشر الفرحة في المجتمع ونسيان الماضي بكل ما فيه من أوجاع وآلام, أي أنه مرحلة تغيير في مسار الحياة, تأتي لتقوم اعوجاج المجتمع, وتصلح ما فيه من فساد ..وارتداء الجديد من الثياب في هذه الحالة هو شعيرة ترمز إلى كل معاني الطهر والنقاء والصفاء التي ينبغي أن يتمثلها الإنسان المسلم, وكأنه بمجيء العيد وخلعه الثوب القديم وارتدائه الجديد يكون قد تخلى عن كل السلوكيات الخاطئة وبدأ حياة جديدة عنوانها الحب والإخاء والتسامح والأمل.
لهذا نقول اليوم: ما معنى أن يلبس السياسيون الجديد من الثياب في يوم العيد¿ فهم في الواقع أول من ينبغي أن يتمثلوا دلالات حلول العيد وما فيه من شعائر لابد أن يكون لها أثرها في حياتهم وفي علاقتهم مع الآخر المناقض في الفكر أو التوجه أو المصلحة لأن كل ما يحدث في المحيط السياسي يعكس نفسه بالضرورة على حياة الجماهير.
فمع حلول العيد تبرز حاجتنا الماسة إلى تمثل النخب السياسية معنى التغيير في النفوس وفي السلوكيات ليتحقق الاستقرار المنشود في وطننا المنهك بالصراعات والحروب والعداوات ونزعات الحقد والانتقام والغرور والتعصب وغيرها من النزعات الخبيثة التي لطالما أحدثت وتحدث في الجسد اليمني كثيرا من الشروخ والرضوض والندوب.
فعن أي حرب نتحدث, لنتذكر الدماء التي سالت والجرحى الذين أعيقوا والأسر التي ذاقت صنوفا من مرارات الفقد والحرمان والعوز¿
خضنا حروبا شتى في مرحلة ما قبل الوحدة, منها ما هي حروب شطرية ومنها ما هي حروب بين أبناء الشطر الواحد, وبمجيء هذه الوحدة فرح اليمنيون بأنها ستكون العاصم من الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد والمصير الواحد, نعم جاءت الوحدة منجزا شعبيا طاهرا ونقيا, ولكن ما هي إلا بضع سنوات حتى عادت الحرب تطل بوجهها القبيح في صيف 94م, وما إن ساد الاستقرار لبضع سنوات حتى نشبت الحروب المتوالية بدءا من عام 2004م وحتى اليوم بفعل نزعات مذهبية وطائفية وسياسية مدمرة.
والمقصود من ذلك أننا استهلكنا طاقاتنا على مديات كثيرة من تاريخنا المعاصر في صناعة الألم وطمس معالم الفرحة في النفوس .. ولكن لايزال اليوم أمامنا فرصة للبداية في إصلاح كل أفسدناه بأيدينا, فهذا عيد الفطر وهذا الظهور بالمظهر الجديد بإمكاننا أن نجعلهما بوابة للانطلاق نحو تفكير مغاير يخلع من رؤوسنا كل الأفكار المظلمة والحسابات الضيقة التي تخلق مجالا لاستعداء الآخر واستحلال دمه, ويلبسنا ثيابا من الحب والإخاء والتسامح والصبر والصدق والصفاء والوطنية والسلام, والإيمان بأن الاقتتال مع الأخ في الدين والجغرافيا والهوية والمصير ليس مجال بطولة, وهي حرب لا منتصر فيها ولا مهزوم لأن الكل خاسر مادام الوطن هو من يدفع ثمن هذا كله.
وإذن فهل نخبنا السياسية على استعداد لتمثل المعاني السامية لفرحة العيد وارتداء الجديد من الثياب, أم أننا مصرون على الوقوف عند حدود الشكليات, وكأننا لا نعرف ماذا يريد منا ديننا الحنيف بهذه الشعيرة التعبدية الجميلة¿
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.

قد يعجبك ايضا