القضية الجنوبية .. وامتعاض عقليات ما قبل الحوار
فتحي الشرماني


وصلنا مع المشكلات والأزمات والخلافات – وفي مقدمتها القضية الجنوبية – إلى حد لا يطاق, فكم نزف الوطن, وكم تعالى أنينه وارتفعت أصوات الكراهية بين أبنائه .. وما إن شعر اليمنيون بأن الأفق تنسد تماما أمام بوادر الحلول, حتى هيأ الله لهذا الشعب لقاء جامعا تمثل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي أزال كثيرا من الحواجز وضمد كثيرا من الجروح, وبدأ يفتح الأبواب أمام الحلول.
ناقش مؤتمر الحوار القضية الجنوبية بعمق, وتصارح الكل حولها, وتواجهوا حتى اقتنعوا بحلول معقولة وعادلة لإنهاء الصراع حول هذا الموضوع, وكان عماد تلك التفاهمات, وصولا إلى الوثيقة النهائية, أن يتنازل الكل من أجل وطنهم الواحد, وأن يعطى لأبناء الجنوب حقوقهم المسلوبة, في ظل توزيع عادل للثروة والسلطة, وشدد الكل على ذلك, وحظيت هذه النتيجة بالتأييد الجماهيري والنخبوي لكي يرى وطننا النور, ويحصل الاستقرار, وندلف إلى المستقبل بقدم ثابتة, في إطار دولة مدنية لا مركزية يشارك في بنائها الكل, لأنه وطن الجميع.
واليوم نحن أمام قيادة سياسية وحكومة توافقية تمضيان في هذا الطريق, ونحن نشهد خطوات تنفيذ النقاط المطلوبة لمعالجة كل الأخطاء, ولكن الغريب أن نجد اليوم بعض الأصوات التي تمتعض – على استحياء أو بدونه – من بعض هذه الخطوات, مثل إقرار الحكومة مشروع إعطاء الأولوية في الوظائف لأبناء الجنوب, فهؤلاء البعض يستدعون اليوم مصطلحات وأفكارا مناطقية لتأكيد أن هذا القرار وغيره إجحاف بحق أبناء الشمال.
طبعا, مجيء هذه الأصوات بعد مقررات مؤتمر الحوار لا بد أن يكون وليد العقلية القديمة التي اعتادت الاستئثار والتوارث لما تحت يدها من مصالح, وحين يأتي ما يحرر هذه المصالح فإنها تنتفض وتمتعض, متناسية مخرجات مؤتمر الحوار, وحق الشعب في حل القضية الجنوبية وإطفاء لهب الفتنة الدائرة منذ سنوات, وخسائر الوطن من الأرواح والممتلكات التي فقدها الجميع طيلة اشتعال هذه الفتنة وتأجيجها من قبل من لا يريد لهذا الوطن الأمن والاستقرار والتعايش بين أبنائه.
إن الذي يقف اليوم في وجه هذه الخطوات هو من اعتاد العيش في ظل التناحر الذي لا يجد فيه الوطن طريقا إلى الاستقرار والنهوض .. أما الشعب اليمني فهو اليوم أكثر تمسكا بالحلول العادلة لهذه القضية, تلك الحلول التي أقرتها وثيقة الحوار الوطني الشامل ليتجاوز الوطن هذه المشكلات/العقبة الكأداء التي أضعفت قواه, وأثخنت فيه الجروح, وحالت بينه وبين التنمية والتطور.
عموما, ينبغي أن تكون آراؤنا حصيفة, وينبغي أن تكون نظراتنا إلى ما هو أبعد من مصالحنا الآنية الأنانية, ولابد أن نكون مع ما يجمع الشمل ويوحد الصف, ويعيد الحقوق, وينصف المظلوم, ويرضي المهضوم, فمستقبل الوطن يحتاج منا إلى كل ذلك, إما أن نظل متمسكين بذلك التفكير الذي يقيس كل شيء بمقياس المصلحة الذاتية أو المحاصصة المناطقية وعادة الهيمنة والاستئثار, فهذا ما شوش علينا الرؤية في الماضي, وهو ما قد يشوشها في المستقبل إذا لم يكن المسؤولون عن إخراج الوطن إلى بر الأمان أكثر صلابة وحزما وإيمانا بما يصنعونه من أجل هذا الوطن ووحدته واستقراره.
