صلة الرحم في رمضان

الشيخ/محمد عبدالله حسين عبدالمطلب

شهر رمضان كما هو شهر الصيام والقيام والذكر والصدقة فإنه كذلك شهر الصلة والبر وشهر التعاطف والتراحم فإن القلوب تلين لذكر الله والنفوس تستجيب لداعي الله فلا ترى من جراء ذلك إلا أعمالا زاكيات وقربا من رب الأرض والسموات لقد تظاهرت نصوص الشرع الحنيف في عظم شأن صلة الرحم وفضلها من ذلك قول الله تعالى “واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام” وقال سبحانه “فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يدخل الجنة قاطع” يعني قاطع رحم كما جاء في الحديث “من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه” وقال صلوات ربي وتسليماته عليه (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك¿ قالت: بلى قال فذلك) رواه البخاري ومسلم.
وهكذا يتبين عظم شأن الصلة وأنها شعار الإيمان بالله واليوم الآخر وأنها سبب في بسط الرزق وكثرته والبركة فيه وكذلك هي سبب في طول العمر وهذا يكون أما على الحقيقة فمن وصل رحمه طال عمره وأما أن تكون بالبركة في هذا العمر وكثرة التوفيق إلى فعل الخيرات العمر فيكون فيه بركة وإن قصر عدد السنين كما أن صلة الرحم سبب في صلة الله للواصل وصلة الله تكون بالخيرات التي لا تعد ولا تحصى وليس هناك عقوبة على وجه الأرض أكبر وأعظم من الطرد من رحمة الله والبعد عن الله سبحانه وتعالى.
ثم أن صلة الرحم من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى دخول الجنة وهي من أسباب تيسير الحساب وتكفير الذنوب وتعمير الديار ودفع ميتة السوء وطيب المنبت وحسن الوفاء.
وصلة الرحم مدعاة لرفعة الواصل وسبب للذكر الجميل وموجبة لشيوع المحبة وعزة المتواصلين.
عباد الله صلة الرحم هي ضد القطيعة وهي كناية عن الإحسان للأقربين من ذوي النسب والأصهار وتكون صلة الرحم بزيارتهم وتفقد أحوالهم والسؤال عنهم والإهداء لهم والتصدق على فقيرهم فالصدقة على القريب صدقة وصلة والتلطف مع وجيههم وغنيهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم كما تكون باستضافتهم وحسن استقبالهم ومشاركتهم في الأفراح ومواساتهم في الأتراح.
وتكون كذلك بالدعاء للأرحام وسلامة الصدر لهم والحرص على نصحهم ودعوتهم للخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإصلاح ذات البيت إذا فسدت.
وكثير من الناس مضيعون لهذا الحق فمن الناس من لا يعرف قرابته بصلة لا بالمال ولا بغيره كالسؤال والزيارة تمضي الشهور وربما الأعوام وهو ما قام بزيارة لرحم ولا تواد لهم بصلة وربما أساء لهم وأغلظ القول والمعاملة.
وهناك صنف من الناس لا يصل إلا من وصله ويقطع ما عدا ذلك وهو يظن أنه واصل بصلة من وصله والنبي ينفي ذلك ويصنف هذا النوع من الناس بالمكافئ قال رسول الله “ص” “ليس الواصل بالمكافئ” فمن يصل من وصله يسمى “مكافئ” ولكن الواصل الحقيقي هو الذي يصل من قطعه. وفي الحديث الآخر أن رجلا جاء إلى النبي وقال له يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي… فقال النبي لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل…” أي الرماد الحار يا أمة محمد ما أحوج الناس في زماننا هذا إلى صلة الرحم وإلى التعامل بكامل الأخلاق التي دل عليها النبي محمد صلى الله عليه وآله ومن الأسباب التي تؤدي إلى قطع الرحم وعدم الصلة:-
1 – الجهل بعواقب قطع الرحم فكثير من الناس لا يعرف ثواب الصلة ولا يعرف عقوبة القطيعة وأنها موجبة للطرد من رحمة الله والبعد عن الله سبحانه وتعالى.
2 – الكبر وهذا الداء العضال قد يحمل الناس على القطيعة فإن كان له قريب فقير يبعد عنه ويهرب منه كبرا وظنا منه أن في زيارة هذا القريب الفقير ذلا ووضعا من شأنه فلا يصل إلا الغني أو ذا المنصب والسلطان وينسى أو يتناسى أن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح.
3 – الانقطاع الطويل الذي يؤدي إلى الوحشة وبعد المسافات في المدن بل والدول وعدم الود وينسى هذا أنه لو رفع سماعة الهاتف واتصل بقرابته لذابت هذه الوحشة ولو بدأ هو بالصلة كان له الثواب والأجر من عند الله سبحانه.
4 – التكلف الزائد فمن الناس من يتكلف فوق الطاقة في الزيارات والهدايا فيشق على نفسه وعلى أقاربه ولكن دين الإسلام لا يكلف فوق الطاقة مجرد السؤال والزيارة العادية والجود بأقل القليل يديم المحبة والصلة.
5 – الشح والبخل هذا الداء الذي يقطع الأرحام فالبخيل يرى الشيء القليل الذي يعطيه لرحمه كثيرا ويمنع ولا يزور أحدا ولا يعطي أحدا المال عنده كل شيء وهذا داء خطير وقانا الله منه.
6 – الميراث والخلافات عليه وتأخير التقسيم والجور في القسمة يؤدي إلى قطيعة الرحم فكم من أخ ظلم أخته في الميراث وكم وارث جمع المال وحرم غيره فيكون ذلك سببا في القطيعة مع أن الله حدد المواريث وجعلها نصيبا مفروضا كما قال الله

قد يعجبك ايضا