نص في عنوان: (ظلي حين لا يرى حلمي)
محمد الغربي عمران

ماهر عطا كاتب شاب يبحث عن نفسه في الكتابة الأدبية, مجربا للشعر وتارة القصة القصيرة, وأخرى في النص المفتوح.
وهكذا تمضي السنون باحثا عن ذلك الكائن في داخله.كما هو لدى كل كائن بشري في بدايات حياته. إلا أن عطا يسير بخطوات وئيدة جدا.
بعد إنقطاع سنوات , أبهجتني عدة نصوص وقعت بين يدي له.. ولإيماني بقدراته أخذت أبحث في نصوصه تلك – سبع عشرة صفحة- التي وضع لها عنوان “البحر في نصف دمعة”
أخذت أقلب تلك النصوص.. دونت عدة ملاحظات أقدمها للقارئ بشكل مختصر, وهي:
المجموعة لم يخصصها الكاتب لجنس أدبي بعينه .. فبعضها قصة قصيرة, وأخرى قصيرة جدا, وقلة منها ينتمي إلى الشذرة السردية. وفي مجملها نصوص أقرب إلى اللوحات الحكائية الممزوجة بلغة شعرية بديعة, بعضها تحمل أكثر من فكرة, وهذا ليس معيبا, فإلغاء الوحدة الموضوعية لم يخل بل يحسب للكاتب في مجال التجريب. طالما والكاتب يكتب بوعي نصوصه تلك ليقدم للقارئ نصا مغايرا.. متكئا على جزالة اللغة وتراكيبها.
العناوين, سيلاحظ القارئ بأن الكاتب يقدم لنا نصوصا بصرية من خلال بعض عناوين نصوصه , وبعض تلك العناوين طويلة وذلك لم يأتö نتيجة لعجز عن إيصال الفكرة , بل لصورة في مخيلة الكاتب أراد أن يقدمها للقارئ كنص مواز.
وبداية بالعنوان الرئيس للمجموعة ” البحر في نصف دمعة” مرورا بعناوين بعض النصوص, مثل : هروب الدمعة, ملامح ناقصة, ظلي حين لا يرى حلمي, حديث الدموع, كابوس أبيض. وهناك عناوين من مفردة واحدة, مثل: أعمار, وطن, لهفة, انطفاء, توجس, نور, اشتعال, موعد, اعتراف, الق. وما يهمنا هنا تلك العناوين التي تحمل صورا شعرية , فمثلا عنوان المجموعة” البحر في نصف دمعة” يمكننا أن نتخيل ذلك الأفق من الماء وقد استوعبته دمعة أو نصف دمعة.. هنا يفضي هذا العنوان بالقارئ إلى دلالات عدة منها الألم الذي يتأبط بالدمع .. وكذلك المدى الذي يمثله البحر باتساعه ورمزيته, ويمكن المزاوجة بينهما باستحضار الكائن الثالث-الإنسان- الذي هو المحور للنص, والعلاقة بين أضلاع المثلث, البحر الدمعة الإنسان, الإنسان ذلك الكائن الذي حاول الكاتب تقديمه مستعيرا الدمع والبحر بكل معانيهما لإيصال مشاعره, وبكل ما يعني لنا هذا الكائن الخلاق .
مرورا بعناوين النصوص, من “هروب الدمعة” وما لذلك من معنى .. أن نتخيل دمعة هاربة وما دفعها للهروب من مشاعر وانفعالات وما خلف تلك المشاعر والانفعالات من أفعال بين الأحبة . إلى العنوان التالي “ملامح ناقصة” وهنا يضع الكاتب قارئه أمام تساؤلات : أي ملامح يقصد¿ هل هي ملامح لكائن حي¿ أم لمكان ما¿ قد يعني لوجه إنسان أو وردة أو واجهة مبنى .. وقد يذهب بعيدا إلى ملامح المشاعر والأحاسيس البشرية.. وقد يمضي بعيدا. أما الناقصة فتلك المفردة تزيد الصورة الشعرية إذكاء وتفاعلا . العنوان الثالث “ظلي حين لا يرى حلمي” وفي هذا العنوان اكتمل النص الموازي للنص اللاحق للعنوان, فيه أكثر من صورة الأولى للجملة التي كون الكاتب منها النص, الأخرى صور يمكن أن نطلق عليها صور التشظي, فمثلا أن نتخيل ظل له عيون , وأن تكون الظلال ترى, ومنها الصورة الثانية أن يكون الظل لا يرى, بمعنى أن تخيله كائن مستقل لكنه دون عيون, ثم أن نعرج على الحلم, لنتخيل ذلك الحلم الذي فلت من رؤى الظل.
نص في عنوان استطاع الكاتب أن يتميز به ويقدمه لنا بشكل رائع وقد مزج السرد بالشعر بتكثيف متقن .
وهكذا هي العناوين الأخرى: حديث الدموع, كابوس أبيض. صور تدخل خيال القارئ في عصف تخييل رائع وقد وضع الكاتب معطيات ذلك التخييل من خلال تلك العناوين الصورة.
لم تقتصر تلك الصور البديعة على العناوين, بل إن كل نص جاء في قالب من الصور المتتابعة, وسنختار نصين من نصوص النص الأول لهفة “خلع الصبح سكنته, وارتدى ضجيج الظهيرة, خدود متورمة تمسح الشارع, ينطفئ جيب أحدهم وتسير ابتسانة بمحاذاة منزله الصغير, الأطفال يفتحون نوافذ أعينهم على كيس أسود اللون لم يكن بداخله إلا أغصان القات الخضراء!”
أقصودة مكتملة أركانها, فالمفارقة كانت صارخة من خلال صورة أعين الأطفال وقد شرعوا نوافذها ليصدمهم مشهد ذلك الكيس الأسود. هنا نص عبر عن مأساة وطن اسمه اليمن يعيش أفراده على الوهم والفقر واستعمار نبتة اسمها القات تطحن حاضرهم ويومهم وغدهم.
كل جملة في هذا النص نص شعري مكتمل ” خلع الصبح سكينته” ثم الجملة الثانية” أرتدي ضجيج الظهيرة” وهكذا الجملة الثالثة ” خدود متورمة تمسح الشارع” إلى أخر جمل النص. نجد الكاتب ينسج لغته لتعكس ذلك الوجع وتلك المآسي التي يعيشه مجتمعنا في صور من الشارع إلى البيت في أشكال ومظاهر ومشاعر الناس إلى عيون الأطفال.
النص الثاني بعنوان (اشتعال الشوق) اشتعل شيب الشوق, ترهل جسد الغياب, حذفه العمر بالتقاعد, يمتص عقب سيجارته بنهم شديد, يبحلق فيها, يهز رأسه هزت