أعياد المدارس .. عرض لإبداعات الطلاب أم إسقاط للواجب
يكتبها: علي بارجاء
المدرسة وهي تقدم المعرفة للطلاب كما هو مرسوم في المناهج الدراسية وكتب موادها المقررة فهي إنما تقوم بجزء من واجبها, وإن كان هذا الجزء هو الأكثر أهمية, لكنه ليس كل واجبها ودورها المنوط بها وحسب.
إلقاء الدروس للطلاب يمثل ثلث العملية التعليمية, إذ تتألف العملية التعليمية من منظومة ثلاثية متكاملة, أولها: (التعليم) وهو النشاط الصفي المتمثل في إلقاء الدروس وتقديم المعارف والمعلومات, وتنمية ما تحتاجه من مهارات وقدرات ذهنية.
وثانيها: الأنشطة اللاصفية, وتعتمد على اكتشاف مهارات الطلاب الإبداعية, واستعداداتهم الفنية والأدبية وتنميتها وصقلها, وتمكينهم من ممارستها في الجمعيات المختلفة كالجمعية الأدبية وجمعية الفنون وجمعيات المسرح.
وثالثها: التربية, وتتمثل في إكساب الطلاب الأخلاق الحميدة, والسلوك الحسن السوي, والقيم الإيجابية التي تتوافق مع آداب الدين والمجتمع, وتتحقق التربية من النشاط الصفي واللاصفي معا, كونها الهدف المتوخى منهما, وقديما قالوا: (قفلة أدب خير من بهار عöلم), ومن هنا تغير اسم (وزارة المعارف) سابقا إلى (وزارة التربية والتعليم), وقدöمت التربية على التعليم لسموöها وعلو مكانتها.
لم تعد المدرسة تقوم بدورها التعليمي بالشكل الذي ينبغي, بدليل تدنöي المستوى التعليمي وضعف مخرجانه, وهو واقع لا يمكن إنكاره, وإذا ضعف التعليم وهو يحتل رأس الهرم في العملية التعليمية, فمن باب أولى أن يتدنى مستوى التربية, وأن يقل أو يغيب النشاط اللاصفي.
نأتي إلى أعياد المدارس التي يتوج بها النشاط التعليمي الصفي والتربوي واللاصفي خلال العام الدراسي ليقدم صورة عن عام مليء بالتحصيل العلمي الجيد, والنشاط والعمل الدؤوب الذي يتدرب عليه الطلاب ويمارسونه كجانب مكمöل لإلقاء الدروس في كل يوم دراسي, أو يوما في كل أسبوع بتوجيه ومراقبة معلمين مختصين فلا يأتي العيد المدرسي إلا وقد أنتج الطلاب أعمالا من بنات أفكارهم ومن عمل أيديهم, سواء أكانت أعمالا كتابية أدبية, أو رسوما وخطوطا وأشكالا ومجسمات, وألفوا من هذه الأعمال برنامجا للاحتفال بالعيد المدرسي, يضم الصباحيات الأدبية,
والمعارض الفنية والعلمية, وحفلات التمثيل والغناء والرقص اللذين هما جزء من التراث الثقافي لمجتمعهم.
الذي نعرفه أن التهيئة للعيد المدرسي ينبغي أن يبدأ من أول يوم دراسي, لكن الذي يحدث في مدارسنا أن التحضير لعيد المدرسة يرتجل ارتجالا عند اقتراب العيد, فيكلف المعلمون طلابهم بتقديم أعمالهم للمشاركة في الحفلات والمعارض, فيلجأ هؤلاء الطلاب إلى الكبار في أسرهم لعمل ما يراد منهم أيا كان وكيفما كان ثم يقدمونه على أنه من بنات أفكارهم ومن عمل أيديهم, وتتقبل المدرسة منهم تلك الأعمال وتعرضها على أنها من أعمال الطلاب, ويخفي الطلاب سöرهم وكذبهم, كما يخفون سöر كتابة موضوعات المجلات الحائطية, وحل التمرينات المنزلية للمواد الدراسية التي يعتمد فيها معظم الطلاب على من ينجزها لهم من أفراد الأسرة.
انتهى العام الدراسي, وسيبدأ عام دراسي جديد بعد انتهاء إجازة الصيف, والمطلوب من وزارة التربية والتعليم أن توجöه مكاتبها في المحافظات إلى الاهتمام بالنشاط اللاصفي وتفعيله, واعتماد ميزانية كافية له, ويبدأ هذا باكتشاف المبدعين من الطلاب في مجالات الإبداع المختلفة, ورعايتهم وتدريبهم لممارسة إبداعاتهم, على يد معلمين مختصين أو من ذوي القدرات الفنية, وتحت إشرافهم وتوجيههم. وبهذا ستؤدöي المدرسة دورها كاملا, وسيتحول العام الدراسي إلى عام مليء بالنشاط والحيوية والعمل والإنجاز والتحصيل العلمي المثمر, وسوف يكون للعملية التعليمية بأجزائها الثلاثة عملية فاعلة تنعكس على شخصية الطلاب وعلى مستواهم العلمي والفني والمهاري والإبداعي.
نتمنى أن نسمع قريبا عن ندوة واسعة تنظمها وزارة التربية والتعليم لمناقشة أثر التربية الفنية والأنشطة اللاصفية في تنمية المهارات الإبداعية والتذوق الفني في نفوس الطلاب, وتبعدهم عن الفراغ الذي يشكل خطرا على حياتهم, ويجعلهم عرضة للانحراف, وهدفا للتيارات والأفكار غير السوية, ويؤدي بهم إلى كره الحياة وحب الانتقام من كل شيء. وستتعرض الندوة بالضرورة للمشكلات والمعوقات, وستخرج بالحلول الكفيلة بعودة التربية الفنية والأنشطة اللاصفية إلى المدارس كما كانت موجودة في يوم من الأيام.