ماذا تريد عمران ¿
محمدالعريقي

انشغل الشارع اليمني خلال الأيام الماضية بالأحداث التي شهدتها محافظة عمران , وقبل ذلك كان يتابع ما يدور في محافظات صعدة, وأبين, وشبوة والبيضاء وحضرموت , وكلها أحداث تنم من أن هناك من يضمر الشر لهذا البلاد تحت مسميات عديدة , دوافعها جميعا , الحقد والانتقام والتعصب والوهم , وغسل الدماغ ..الخ .
وكم كنا نتمنى أن نسمع ونشاهد ما يعكس عن أن هناك جهودا بناءة هادفة لتقدم الإنسان ورقيه, لكن للأسف هناك من انساق لأعمال الهدم والتخريب, والآن يدفع الشعب اليمني بالكامل الثمن من دماء أبنائه وإمكانياته المادية المحدودة والشحيحة جدا .
وإذا كنا نتحدث هنا عن عمران , فإن ذلك ينسحب على كل محافظات ومناطق اليمن فمشاكلها متعددة , وبنفس الوقت يمكن التغلب على هذه المشاكل , بالتنمية المدروسة من خلال السعي الحثيث لبناء الإنسان , والاستغلال الأمثل للإمكانيات التي تزخر بها البلاد ككل , بما في ذلك محافظة عمران .
فعمران التي أصبحت محافظة منذ عام 1998م وتضم اليوم 20 مديرية , ومساحتها ما يقارب ثمانية آلاف كيلو متر مربع وسكانها أكثر من مليون نسمة تقريبا تشتهر بأراضيها الخصبة , ويعد قاع البون أبرز معلم زراعي في المحافظة , وفيه تزرع الخضروات والفواكه , وفي عمران أيضا ثروات طبيعية معدنية واعدة , وفيها مصنع للإسمنت الذي ينتج أكثر من خمسمائة ألف طن سنويا .
إذا عمران فيها أشياء كثيرة يمكن أن تكون مصدر تنافس للاستثمار, لكن للأسف تحولت المحافظة إلى أن تكون مصدر تنافس للصراعات والحروب التي كلفت الكثير من الأرواح , وأهدرت فيها الكثير من أموال الدولة والمواطنين بدون أي مبرر , فما يدور هناك ليس له أي معنى يخدم أبناء المحافظة, أما إذا كان بسبب خلافات , فإن مصير مثل هذه النزاعات والصراعات الداخلية هو الحوار عاجلا أم آجلا, فلماذا إذا كل هذا الجنون الذي أرعب سكان المحافظة تسبب في قتل المئات , وتدمير الممتلكات العامة والخاصة بمليارات الريالات, ونزوح أكثر من 20 ألف شخص فروا من شمال المحافظة كما أفاد مكتب الأمم المتحدة للعمليات الإنسانية الذي أعرب عن قلقة من تصاعد عملية النزوح إذا ما استمر القتال هناك .
إذا عمران لا تريد التوتر, الذي أقلق كل مناطق اليمن, وإنما تريد أن تنعم بالأمن والاستقرار وتنشغل بالتنمية, فمشاكلها كثيرة وعويصة, أبرزها تدهور مصادرها المائية , وبالتحديد ما يعاني حوضها المائي من استنزاف جائر, وكذلك ظاهرة الزحف العمراني العشوائي نحو المناطق الزراعية, وخاصة قاع البون الذي ينتج مختلف المحاصيل الزراعية طوال العام, أما التوسع في زراعة القات في محافظة عمران, فهو الخطر الأبرز, فتحولت العديد من مزارع الفواكه والخضروات إلى مزارع للقات, وشاهدت بأم عيني, عملية سحب مخيف للتربة الخصبة من أراضي القيعان, وحملها على ناقلات عملاقه باتجاه المرتفعات وأماكن صخرية, ينشئون فيها مدرجات ويضعون فيها تلك التربة لزراعة القات , ناهيك عن سحب المياه الجوفية إليها بالإضافة إلى استخدام المبيدات الكيماوية , كل ذلك من أجل القات .
عمران كغيرها من المحافظات الأخرى مثخنة بالكثير من المشاكل التي تعيق التنمية , لكنها تنفرد أنها أصبحت ساحة جديدة لصراعات مسلحة , لذلك فهي في وضع معقد تجعل أبناءها في وضع التحدي الأصعب, فإذا كانوا يطالبون فعلا بالأمن والاستقرار , والتواجد الفعلي للدولة عليهم الابتعاد عن الاستقطابات التي تخلف كوارث الثارات , وتدمير النسيج الاجتماعي , ناهيك عن الخراب والدمار الذي تجلبه أعمال العنف المسلح .
نتوقع من أبناء عمران أن يهيؤوا مناخ الاستقرار لتكون محافظتهم مكانا يحفز على لاستثمار , وليس بؤرة صراع للخلافات السياسية وغير السياسية , فهم يستطيعون تعزيز صفوفهم وحشد قدراتهم في بناء الإنسان من خلال المزيد بناء المدارس , والمستشفيات , والمزارع النموذجية , وليس مطلوب منهم الانقسام خلف تجار الحروب ومسوقي الفتن .
نقول لإخواننا وأبنائنا في عمران : الكرة في ملعبكم , (والنار لاتحرق إلا رجل واطيها ), فأوضاعكم لن تتحسن إلا بالعمل والعلم والوعي المستنير , وليس ببقاء المحافظة ساحة للصراعات والثارات والتقطعات والحروب)