العلاج في الخارج على نفقة الدولة
ناجي عبدالله الحرازي
ناجي عبدالله الحرازي –
تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن توفير الخدمات الصحية والقضاء على المرض هدف من أهم أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر .
وخلال العقود الماضية طالما سمعنا من حكوماتنا المتعاقبة أنها تخصص الأموال المطلوبة لقطاع الخدمات الصحية وأنها تواصل جهودها لتحسين مستوى هذه الخدمات ليس في المدن الرئيسية فقط بل في كل شبر من أراضي اليمن
لكن مع عدم اكتمال البنى الأساسية لقطاع الخدمات الصحية خلال العقود الماضية كان لابد من لجوء الناس لتلقي العلاج في الخارج .. انطلاقا من مقولات أن للضرورة أحكامها أو أن ما باليد حيلة .. وأن إمكانيات البلاد محدودة ..
وهكذا لجأ البعض -وما يزالون – يلجأون للسفر إلى الخارج على نفقتهم الخاصة ليأسهم من تلقي العلاج المطلوب في مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات الحكومية أو الخاصة التي تنتشر في أنحاء البلاد
فيما تمكن البعض الأخر – ومايزالون – من السفر إلى الخارج وتلقي العلاج على نفقة الدولة كما يقال – وكأن الدولة هنا معنية بهؤلاء فقط وليست مسئوولة عن توفير الرعاية الصحية والعلاج الضروري لجميع أبناء اليمن ..
بعد كل هذه السنوات .. من المؤسف حقا أننا مازلنا حتى اليوم وبعد عقود طويلة من الحديث عن تنمية وتطوير وتحسين قطاع خدمات الرعاية الصحية .. نسمع عن سفر المزيد من اليمنيين للخارج من أجل تلقي العلاج … ونسمع أيضا عن إنفاق ملايين الدولارات لهذا الغرض !!!
حيث تشير إحصائيات تقديرية إلى أن أعداد الذين يغادرون اليمن إلى الخارج لتلقي العلاج سنويا تزيد عن 300 ألف شخص بعضهم – كما قلنا – على نفقتهم الخاصة.. والبعض الأخر على نفقة الدولة ..
كما تشير هذه الإحصائيات إلى أن حجم الإنفاق على العلاج في الخارجي يقدر ما بين 500مليون إلى 700 مليار دولارأميركي ..
وهذه أرقام مرعبة.. تدل على أن الرعاية الصحية وخدماتها ماتزال تحت المستوى المطلوب .. كما تدل على أن ما يخصص لقطاع الصحة من حجم الإنفاق العام ليس بالقدر المطلوب بالنظر إلى استمرار ظاهرة العلاج في الخارج والمشاكل الناجمة عن ضعف مستوى الخدمات الصحية المتوفرة في الداخل.
ومع طرح البعض أن صحة المواطن اليمني أصبحت مجرد سلعة يتم الاتجار بها من قبل الأطراف المعنية بهذه الخدمة الحيوية الا أن الشيء الأكيد هو أن هناك تقصيرا واضحا في أداء المسؤولين عن قطاع الصحة العامة
والأدهى أن هناك من يتحدث عن انعدام ثقة كثير من اليمنيين – بما فيهم بعض من يعنيهم الأمر بشكل مباشر – في مستوى الخدمات الصحية المتوفرة بدءا من عدم القدرة على التشخيص السليم للمرض وحتى توفر أساليب وأدوات العلاج اللازمة ..
كما أن هناك مشكلة متعلقة بغياب الرقابة والتقييم للمستشفيات الحكومية والخاصة .. إضافة إلى زيادة حالات الأخطاء الطبية المؤدية إلى تفاقم المرض أو الوفاة في بعض الأحيان ..
هذه الأسباب وغيرها مازالت تدفع الكثير من اليمنيين للسفر إلى الخارج طلبا للعلاج حتى أن بعض العاملين في مطارات بعض الدول الشقيقة باتوا يطلقون على الطائرات القادمة من اليمن ” طيارة المرضى أو العيانين ”
وهذه مشكلة أخرى أو تحد خطير نواجهه ونحن مقدمون على عهد جديد ولابد من التعامل معه بجدية حتى لا يقال أننا بعد كل هذه السنوات من الوعود والخطط والأموال لم نتمكن من القضاء على أحد أضلاع الثالوث الرهيب ” الفقر والجهل والمرض” ..
هذا إذا كنا قد تمكنا بالفعل من القضاء على الضلعين الآخرين …