لـيست مشكـلتنا مع اليـهود أو النصارى
عـبدالله علي صبري

مقال

في كل تجاربنا المحبطة يتجه التفكير بنا إلى ما وراء الحدود والتفتيش عن خيوط المؤامرات التي تحاك بحق دولنا ومجتمعاتنا العربية ثم ينسج بعضنا من حول هذه الخيوط أساطير وألغازا يبدو من المستحيل الفكاك منها فكأنما التخلف صار قدر هذه الأمة التي تنام وتصحو على النكبات المتوالية.
وإذ شكل الربيع العربي بداية أخرى للصحوة فإن المولعين بإقحام الخارج في كل شيء قد استكثروا على الشباب الهبة الشعبية التي شهدناها في 2011 فاتهموا الثوار جزافا بالعمالة للخارج وعلى وقع هذه الاتهامات جاءت التدخلات الخارجية بالفعل فغدا الربيع خريفا داميا ومؤسفا.
ومن كان يستهجن القول أن وراء الربيع العربي أيادي خارجية بات مسارعا إلى اتهام الخارج بالضلوع في الثورة المضادة التي لا تزال مفاعيلها قائمها في دول الربيع العربي.
وبالطبع لا يمكن إغفال دور الخارج مع أو ضد التغيير في بلداننا قبل أو بعد الربيع العربي غير أن أس المشكلة يكمن في التركيز على العامل الخارجي وإغفال العوامل الأخرى المرتبطة بالشروط الذاتية والموضوعية للتغيير في مجتمعات ألفت الاستبداد السياسي والديني وتعايشت معه قرونا طويلة.
سقط بن علي في تونس فلم يجد له مأوى في دول الغرب ( اليهودية أوالنصرانية ) وعندما ترنح مبارك تنكرت له كل الدول التي عاش خادما لمصالحها قبل أن يخدم شعبه ووطنه وكذلك لم تجد أموال القذافي نفعا فقد كان صوت الثورة العربية فوق كل الأصوات وعاشت دول الربيع العربي في 2011 تحت ظلال أنشودة الحياة لأبي القاسم الشابي: (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر)!
لقد انحسرت الموجة الأولى للربيع العربي نعم لكن بفعل الحالة الثورية نفسها ولم ينفذ التدخل الخارجي إلا من بوابة الصراع بين القوى الثورية التي لم تحسن إدارة الفترة الانتقالية بل واتجهت بعضها إلى محاولة احتكار السلطة وإقصاء بقية الفاعلين الثوريين.
وعليه فإن البحث عن شماعة خارجية نعلق عليها مشاكلنا وأزماتنا ليس إلا هروبا من الحقائق المعاشة التي تدمغنا كل يوم وتستوجب العودة إلى الذات ومغادرة الثقافة الشمولية التي تتمفصل في سلوكياتنا اليومية أفرادا ومجتمعات وحينها فقط سندرك أن العالم من حولنا ليس شرا محضا وأن” الشيطان الأكبر” قد يوجد داخلنا قبل أن يغدو علامة على مؤامرة كبرى صدقناها واستسلمنا لها فغدت حقيقة نتلظى من نتائجها كل ساعة وحين.
لم يعد العالم منقسما إلى دار إسلام ودار كفر كما في أدبياتنا وتاريخنا الإسلامي فعلاقات الدول وسياساتها تقوم على المصالح المتبادلة مع الإعتراف أن ثمة قوى ودولا كبرى تهيمن على معظم دول العالم تجسيدا لقانون الغاب ( القوي يأكل الضعيف/ البقاء للأصلح) بيد أن هذا لا يعني أن مشكلتنا تكمن في الاختلاف الديني مع الغرب وإلا لكانت دولنا ومجتمعاتنا قد تحولت إلى النصرانية منذ قرون حينما كنا- وربما لا زلنا- فريسة للاحتلال الأجنبي.
تقدم الغرب وتخلف العرب لأننا تجاهلنا سنن الله في الكون ولم نأخذ بالشروط المادية والموضوعية لاستمرار دورة الحضارة أو استعادتها من جديد وعندما توافرت عوامل “القابلية للاستعمار” تداعت علينا الأمم الغازية من كل حدب وصوب. وحتى نخرج من دائرة الاستضعاف يجب أن نسلك دروب العمل والتغيير التي سلكتها الأمم من قبلنا وليس من هذه الدروب ملاعنة اليهود والنصارى أو أي أمة أو ملة نختلف معها!
