رحلة مع طواحين الهـواء
خالد القارني

قاتل “دون كيخوتي” العبقري الفارس ضد العديد من العملاقة من وجهة نظره مثل طواحين الهواء والذي توهم أنها شياطين ذات أذرع هائلة حيث أعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا فهاجمها غير مبال إلى صراخ تابعه وتحذيره له حيث رشق رمحه تجاهها فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به وطرحته أرضا فرضت عظامه.
ومن ناحية أخرى يكمل مسيرته ويعتقد بوجود زحف جيش جرار يملأ الجو غبارا وضجيجا فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر حتى يثبت شجاعته ويخلد اسمه.
ولكنه في الحقيقة كان قطيعا من الأغنام وتسفر المعركة عن قتل عدد من الأغنام وعن سقوط “دون كيخوتي” نفسه تحت وابل من أحجار الرعاه يفقد على أثرها بعض أضراسه. إضافة إلى العديد من المعارك الوهمية التي وقعت له مع الرجل “الباسكي” المشاكس والرجل الذي كان يجلد نادله وبعض الرهبان “البينديكتين” الذين كانوا برفقة تابوت إلى مدفنه بمدينة أخرى. وفي تقليدا “لأماديسدي جاولا” يقرر أن يكفر عن ذنبه في سييراورينا.
وفي نهاية المطاف يقوم بعض جيرانه بإلقاء القبض عليه ويقومون بإعادته إلى قريته داخل قفص.
اليوم صارت قصة المواطن المغلوب على أمره مثل “دون كيخوتي” وطواحين الهواء تدور بنا الأحداث.. في كل لحظة جديدة يزداد شعورا بالتيهان وعدم القدرة على فهم ما يجري على الساحة من أهوال وأحوال ملتهبة مسببة لديه حالة من الانكسار النفسي والتوتر العصبي المنعكسة في سلوكه في صورة من الانفعالات التي تنتهي في بعض الأحيان بخصومة مع محيطه وأقرانه وأحيانا بالتصادم والعنف مع الآخر.
في كثير من الأوقات نسمع الناس يرددون بعد نقاش حامي غباره “خليها على الله … الله يلطف بنا من عنده” و بقدر ما يكون هذا القول دال على صحة إيمان المرء والرضا بالقضاء والقدر بقدر ما هو معبر عن عجز الإنسان البسيط الذي تتكون منه غالبية المجتمع عن فهم ما يدور حوله وعن سبر أغوار ما تخطط له النخبة التي شاخت وشاخ معها كل شيء.
هذه الصورة لا تحتاج عناء منك لتكتشفها في نفوس اليمنيين لأنك تستطيع أن تشاهدها بكل بساطة من خلال مشوار واحد إلى سوق مدينة أو أي مكان عام.. ستشاهد وتسمع أن أغالب ما ينتهي به حديث الناس وحوارهم عن هموم وقضايا الوطن لا يختلف عن حديث “النخب المنقسمة المتناحرة” .
وأمام كل أدوات التعجب والاستغراب والحيرة من حالات اللامسؤولية واللاوطنية التي لا يستحي البعض من ممارستها علنا دون وازع قيمي أو أخلاقي أو ديني فذاك يقطع وينهب وذاك يفسد ويسرق وآخر يقتل ويدمر يذهب بك العقل يمينا وشمالا بحثا عن العلة عن الأسباب والمسببات عن البدايات والنهايات ستجد بكل تأكيد أن أفلاما “هندية” وأخرى “مكسيكية” ومثلها “مصرية” قد أعدت وتحولت من فكرة الى سيناريوهات وصورت مشاهدها سلفا في عقول وضمائر مخرجيها وما يحدث الآن ما هو إلا تصوير للمشهد الأخير!!.