بعد فشل “إدارة التوحش”.. هل يراجع القاعدة استراتيجيته.. أم يكون أكثر توحشا¿!
عبدالله دوبله

يمارس تنظيم القاعدة العنف كغيره من التنظيمات المسلحة والعنيفة إلا أن ما يمكن القول إنه يميزه عن الآخرين هو أنه لم يعد يكترث لأمر هذا العالم وقواعده وأدوات عمله وأنه يعيش على خارجه لغرض هدمه. ويسمي هذه العملية بإدارة التوحش.
فهو يشاطر الكثيرين في العالم الإسلامي والعربي من إسلاميين وقوميين وحتى يساريين وليبراليين الرأي الشائع والقائل ببطلان النظام العالمي الراهن وبأنه يقوم على ظلم واستغلال المسلمين ولا يختلف عنهم إلا في الطريقة التي يمكن بها إصلاح هذا النظام ففي حين يرى الآخرون أنه يمكن إصلاحه من الداخل بالمشاركة في العملية السياسية والديمقراطية يرى تنظيم القاعدة أن ذلك غير ممكن وبأن قوى الهيمنة الغربية وأعوانهم من الحكام العرب والمسلمين لن يسمحوا بذلك. وأن الحل هو هدم هذا النظام ليمكن إحلال البديل حيث يكون للإسلام والمسلمين مكانتهم في ذلك النظام..
كتاب “إدارة التوحش” الذي صدر عن مؤلف مجهول مطلع الألفية الجديدة يمكن القول أنه المرجع النظري لهذه الفكرة حيث يكرس نفسه للمحاججة لها وللرد على تلك الأفكار القائلة بإمكان إصلاح النظام العالمي من الداخل من خلال العملية السياسية والديمقراطية وبدا لي حين كنت أقرأه أنه كان يرد على “الإخوان المسلمين” بدرجة رئيسية.
ومحل أفكار الإخوان عن كسب الأنصار و “الاستعصاء” لغرض المشاركة السياسية والإصلاح يقدم الكتاب فكرة بديلة هي “التوحش وإدارته” وجوهر الفكرة هو توجيه الضربات العسكرية النوعية للنظام العالمي ممثلا بالغرب وأمريكا بغرض هدمه كحادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتوجيه الضربات النوعية للأنظمة العربية والإسلامية التي يجد أنها مرتبطة به بغرض هدمها أيضا.
ويجد الكتاب أن هذا التوحش في مراحل متقدمة سيوجد المساحات الكافية لتواجد التنظيم والتي ينطلق منها لخلافة الأنظمة العربية والإسلامية ولضرب المصالح الغربية في آن في عمليتين متزامنتين لا يمكن لأحدهما أن تكون دون أخرى. حيث يجد أن وجود الأنظمة العربية لن يسمح للتنظيم بالانطلاق من أراضيه لضرب المصالح الغربية ولا النظام العالمي المحتفظ بحيويته وفاعليته سيسمح للتنظيم بإحلال دويلاته الإسلامية محل الأنظمة والدول العربية والإسلامية القائمة.
قد تبدو الفكرة سخيفة وغير معقولة إلا أن ذلك ما يفكر فيه منظرو القاعدة بالفعل ويناضل لأجله مقاتلوه أيضا.. الأسوأ من ذلك هو أن تنقطع الأجيال الجديدة من التنظيم عن هذه الفكرة الأساسية في فكر التنظيم وأن يحدث أن يقاتلوا لأجل القتال.. في هذه الحالة لن يكون الحديث عن حوار فكري مع القاعدة أمرا ذا جدوى.
إن كان الأمر لا يزال تحت سيطرة الجيل الأول يمكن محاورتهم والقول لهم أن “إدارة التوحش” قد فشلت بالفعل وأنهم يحتاجون إلى مراجعات و التفكير في استراتيجية جديدة..
حين صعد الإسلاميون إلى الحكم في تونس ومصر بدا أن ثمة ضربة قوية وجهت لفكرة “التوحش” وإداراته هدم العالم لصالح الفكرة القائلة بإمكانية إصلاح العالم من داخله.. وكان ثمة إشارة في تعليقات قائد التنظيم أيمن الظواهري حول أحداث مصر أهميتها في ذلك الجديد الذي طرأ على تفكير التنظيم وهو أنه لا يزال يكترث لأمر هذا العالم على الرغم من القول أن انتكاسة التجربة المصرية مثلت حجة إضافية للقائلين بعدم إمكانية الإصلاح من الداخل.. فالإشارة الأخرى من انحياز الظواهري لجبهة النصرة ضد داعش في سوريا يمكن القول معها أن التنظيم لا يزال يكترث لهذا العالم وأدوات عمله.. حيث النصرة تحاول العمل مع تلك القوى والتنظيمات المسلحة التي لها ارتباط مع العالم وأدواته السياسية وحيث داعش على الضد من كل ذلك..
فالتجربة التي مرت بها المنطقة منذ 2011 شهدت الكثير من التطورات التي لا يمكن إغفال تأثيراتها على كل التيارات المتفاعلة معها بما في ذلك القاعدة فكما أوصلت القائلين بالإصلاح من الداخل إلى سدة الحكم وأخرجتهم منها أيضا هي منحت القاعدة أفضل المناخات لامتحان فكرة التوحش وإدارته.. الذي سيطر على مناطق في سوريا واليمن منذ 2011 وبدا يفقدها تباعا أيضا.
فالهدف التالي لإدارة التوحش كما هو في كتاب التوحش هو أن يؤدي ضعف النظام الأمني تحت ضربات القاعدة إلى سيطرتها على المناطق التي يضعف فيها سيطرة الدولة كالدولة الإسلامية في العراق والشام وإمارة وقار وزنجبار في اليمن كبداية لتوسع أكثر تحت غطاء شعبي ومجتمعي يهلل لقدوم القاعدة إلا أن الذي حدث هو العكس فالسخط الشعبي هو أكثر من أي وقت ضد القاعدة والأراضي التي كانت تحت سيطرتها فقدتها لصالح الدولة في أبين وشبوة ولا تزال.. وكامتحان لفكرة التوحش يمكن القول أنها فشلت..
إن كان الأمر لا يزال تحت سيطرة الجيل الأول من القاعدة وتحت فكرتهم عن إدارة التوحش وإن كان ما ألمسه من اكتراث لدى الظواهري بأمر هذا العالم الذي نعي