هوامش في الموسيقى والسياسة

جمال حسن


أمام ما تنتجه آلة القتل المستمرة في بلدنا رماد الرعب الذي يحف مصائر الحياة اهرب إلى الموسيقى.
هل هو هروب أو عثور على محفزات الفن. باعتباره محاولة البشر للانفلات من الفناء انعكاس خوفهم اللاواعي من الموت. صرخة جلجامش الذي ارهبها فناء الموت حين يرى الدودة تسقط من انف صديقه اركيدو وقد زاره بعد موته إلى العالم السفلي. ثم زيارته لا ترى أحاسيس لمعرفة سر الخلود الذي منحته الآلهة بعد ان اخبرته بأنها ستغمر الارض بطوفان وأمرته ببناء سفينة وسبب ذلك أن الآلهة ازعجتها اصوات البشر.
في الاسطورة السومرية كان هاجس العقاب جماليا عكس التوراة إذ تولد من الخطايا. هل فسرت الأسطورة السومرية هوية الفن الجمالية هاجس الخوف من الفناء رغبة الخلود.
واوروبا المكتظة بتحولات رهيبة في القرن التاسع عشر بدءا من اكتشاف البخار بداية ظهور العصر الآلي حفزت رد فعل قانط هلامي ومتراخ في مسرح الكآبة فكان كل ما هو أكثر صدقا هو الأكثر عاطفية عصر التعبير الرومانتيكي. ومع ان الموسيقى قاصرة عن التعبير إلا انها في المرحلة الرومانتيكية أصبحت تعبر عن حكايات. فموسيقى انقضاض التعبير على فنون قاصرة عن التعبير مثل الموسيقى. لكن ذلك التطرف العاطفي ناشئ ذلك من مزاحمة الآلة للبشر. كانت رد فعل للابقاء على ما هو عاطفي في وجه قسوة الآلة.
في عالمنا المحلي العربي والاسلامي تعاني الموسيقى نفسها من تصنيف مرعب باعتبارها شيئا مخالفا للدين. فالموسيقى كذلك ليست صورة ناشئة عن المجتمع بل هي استثناء يحاول الانفكاك من القيود. لذا واجهت الموسيقى في اليمن من قسر الأئمة لذا كان المغنون يأتون من فئات شعبية بسيطة وهامشية. حتى الغناء الصنعاني حافظ على وجوده في ظل الطبقة المتمدنة والغنية التي ارتبطت مع طبقة الحكام. مع ذلك فاستمرار الفن خارج قواعد الحرية يكون مثقلا بتبعات. إذ إن الفنون تزدهر مع وجود بيئة مساندة له. ونحن لا نتحدث عن البيئة السياسية فاهم الأعمال الكلاسيكية في اوروبا ظهرت في واقع سياسي مستبد وضمن هيمنة ملوك ونبلاء اقطاعيين. لكن تلك الطبقة المهيمنة كانت الفئة المساندة له وبالتأكيد كان الفن في مرحلته الارستقراطية أكثر شكلية بينما في المرحلة الشعبية أي بعد الثورة الفرنسية أكثر تعبيرية أو انفعالية.
وفي مرحلة ما عبرت موسيقى فاجنر القوية والمتطرفة رومانتيكيا عن بزوغ عهد جديد من التطرفات أو الايديولوجيات. وفاجنر نفسه اول فنان أو موسيقي يتكون حوله حزب متطرف يدعم آراءه الفنية بكل تطرف. مع ذلك كان العالم ينشأ من هياج القوميات وبداية تشكلها على الصعيد الاوروبي وهي مرحلة لاحقة عربيا. إذ بدأت تظهر كدعوة قوية لمواجهة الاحتلال العثماني. ومع ان هذا الخطاب القومي كان مدعوما من القوى العظمى “بريطانيا” إذ كان يتماشى مع مصالحها في ذلك الوقت في مواجهة الدولة العثمانية وبالتحديد إبان الحرب العالمية الأولى. لكن نفس الخطاب تحول إلى سلاح عكسي ضد بريطانيا في منتصف القرن العشرين ومن اسباب خسارتها مستعمراتها في المنطقة العربية والشرق الاوسط.
وفي المرحلة الكونيالية البريطانية ظهرت ملامح التأثر العربي بموسيقى الغرب. إذ وسع سيد درويش التخت الشرقي. وبالطبع كان اول كسر لقاعدة احتكار الثقافة التركية على المنطقة. أي ان هذا التمرد بدأ مع الموسيقى. حيث اخرج سيد درويش الطقطوقة من الهيمنة التركية. وبدأت الموسيقى في مصر تتحرر من قواعد رسختها مؤثرات الموسيقى التركية.

قد يعجبك ايضا